
لم يعد من شيء يخفى في القصة ، فقد تكفل كيان الاحتلال رسميا بفضح جماعة المدعو “ياسر أبو شباب”، وهى عصابة من مئات المسلحين تعمل في مناطق سيطرة الاحتلال جنوب شرق “غزة” ، تحدث عنها في البداية “أفيجدور ليبرمان” رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” ووزير الجيش “الإسرائيلى” الأسبق ، ونعى على حكومة “بنيامين نتنياهو” إقدامها على خطأ فاحش ، قصد به دعمها وتجنيدها وتسليحها لجماعة “أبو شباب” ، وقال أنها ـ أى المجموعة ـ تضم عناصر من “داعش” والسلفية الجهادية ، وأن تسليحها قد يرتد خطرا على “إسرائيل” فى المستقبل ، بعدها لم يكذب “نتنياهو” خبرا ، وأعلن بفخر أنه نجح بالفعل فى تجنيد ما أسماه “حمولت” باللغة العبرية ، أى مجموعات قبلية مساندة وحامية لجنود جيش الاحتلال ، ونعى على “ليبرمان” كشفه لواحد من أسرار الأمن القومى “الإسرائيلى” (!) ، ثم راحت الأغطية تتكشف سريعا ، وظهر “أبو شباب” بنفسه على مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل إعلام أمريكية و”إسرائيلية” ، وادعى أنه ليس عميلا لكيان الاحتلال ، وأن جماعته التى أسماها “القوة الشعبية الفلسطينية” لا تتبع السلطة فى “رام الله” ، وأنها تعادى حركة “حماس” وتدير مظاهرات ضدها ، وزعم أنها تحمى قوافل المساعدات ، وتعطى أهل الجماعة منها ، وتمنع المنظمات الخيرية الفلسطينية التابعة لحركة “حماس” من استلام المساعدات ، ولم يخف “أبو شباب” رغم جهالته وأميته الظاهرة فى طريقة حديثة ، أنه يسعى لحكم ما تيسر من أراضى غزة بديلا عن “حماس” ، ونفى عمله لصالح مخابرات دول عربية معادية للمقاومة الفلسطينية ، وإن اعترف بحدوث مواجهات مسلحة مع “حماس” ، قتل فيها العشرات من أنصاره ومسلحيه ، بينهم شقيق “ياسر” نفسه .
ورغم ما هو ظاهر على السطح من خلافات شخصية بين “نتنياهو” و”رونين بار” رئيس جهاز “الشاباك” المنصرف ، كشفت صحيفة “معاريف” مؤخرا ، أن جهاز “الشاباك” وبإيعاز مباشر من “بار” ، كان المسئول عن إنشاء وتجنيد ما يعرف بعصابة “أبو شباب” ، وذكرت الصحيفة “الإسرائيلية” أن “بار” اقترح على “نتنياهو” تنفيذ خطة تجريبية ، تبدأ بتجنيد مجموعة من الأشخاص المحليين من “غزة” ، معظمهم متورطون فى قضايا مخدرات وتهريب وسرقات ، وجعلهم عصابة مسلحة تعمل لصالح “إسرائيل” ، واعترفت “معاريف” بعد غيرها من وسائل الإعلام “الإسرائيلية” ، أن كيان الاحتلال تولى تسليح مجموعة “أبو شباب” ، وزودهم ببنادق ورشاشات حديثة من مخازن أسلحة غنمها جيش الاحتلال فى معاركه مع “حماس” و”حزب الله” ، وأن الهدف من الخطة اختبار فكرة فرض نفوذ بديل عن “حماس” فى منطقة محددة شرق مدينة “رفح” ، وبحسب “معاريف” ، فإن الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” لا تتوقع الكثير من النتائج من تشكيل “أبو شباب” ، ولا ترى فيه حتى الآن بديلا واقعيا لحركة “حماس” فى “غزة” ، وأنه لا توجد مؤشرات على قدرة الجماعة على التأثير أو فرض سيطرتها على الأرض بشكل حقيقى ، أو إقامة حكم “شبابستان ” بدلا من حكم”حماسستان” أو”فتحستان” المرفوضين علنا من “نتنياهو” ، ومع بدء عمل ما تسميه واشنطن وتل أبيب “منظمة غزة الإنسانية” ، وهى المدارة من قبل ضباط “مارينز” سابقين ، عمل بعضهم فى حروب العراق وأفغانستان ، عادت جماعة “أبو شباب” للظهور إلى السطح علنا ، وبالذات فى المناطق الواقعة بين شرق “رفح” وجنوب شرقى “خان يونس” ، وهى مناطق واقعة تحت السيطرة العسكرية “الإسرائيلية” ، وتخلو من السكان الفلسطينيين بعد طردهم منها وتفجير منازلهم ، ولا يوجد فيها سوى بضع عشرات البدو من قبيلة “الترابين” التى ينتمى إليها “ياسر أبو شباب” ، وسبق لعائلة “أبو شباب” أن أصدرت بيانا للكافة ، أعلنت فيه تبرؤها منه ومن عمالته للعدو “الإسرائيلى” ، ورفعت حمايتها عنه وأهدرت دمه ، ويعتقد “الغزيون” بأغلبيتهم العظمى ، أن “أبو شباب” وجماعته مسئولون عن سرقة المساعدات ، والاستيلاء بالقوة على شاحناتها الداخلة إلى “غزة” عبر معبر “كرم أبو سالم” ، وما يتبقى من المساعدات بعد سرقات “أبو شباب” ، تضعه قوات “منظمة غزة” الأمريكية فى أربع نقاط محددة ، ثلاث منها فى غرب “رفح” الخالية جنوبا ، والرابعة عند خط “نتساريم” جنوب مدينة “غزة” ، وقد شهدت النقاط الأربع مجازر مروعة لآلاف الفلسطينيين المجوعين الزاحفين لتلك النقاط ، التى تحولت إلى فخاخ موت ، راح ضحيتها حتى الآن نحو مئتى شهيد فلسطينى وآلاف الجرحى ، وهو ما يكشف ذلك التكامل الجارى على الأرض بين جماعة “أبو شباب” وجيش الاحتلال والقوات الأمريكية ، وسعى الشركاء الثلاثة لإكمال تنفيذ خطة دفع الفلسطينيين إلى الجنوب عند الحدود مع مصر ، وإرغامهم برباعية القصف والقتل والتجويع والإخلاء على الاندفاع إلى سيناء ، واتمام خطة تهجير ملايين الفلسطينيين .
الخطة واضحة ـ إذن ـ بلا التباس ، ومعلنة من قبل العدو فى حملته العسكرية الوحشية المسماة “عربات جدعون” ، وفى إعلان “نتنياهو” المتكرر ، أنه لا نية لوقف حرب الإبادة على “غزة” ولا الانسحاب منها ، حتى لو جرى التوصل إلى وقف إطلاق نار موقوت لستين يوما ، يعود بعدها جيش الاحتلال لاستئناف القتال ، وبهدف السيطرة الدائمة على قطاع “غزة” كله ، وربما استئناف الاستيطان اليهودى فيه ، ودفع أكبر عدد من الفلسطينيين للخروج الجماعى منه ، وفى وضع الاحتلال الدائم ، تقول “حماس” وأخواتها ، أنها ستخوض حرب عصابات واستنزاف متصل لقوات الاحتلال ، تماما كما جرى من قبل فى الجنوب اللبنانى عبر عشرات السنوات ، ومن قبل أن تظهر مقاومة “حزب الله” ، وكان سلوك الاحتلال هو نفسه الذى يستنسخ الآن مع تشكيل جماعة “أبو شباب”، فعقب الاجتياح “الإسرائيلى” للجنوب اللبنانى عام 1978 باسم “عملية الليطانى” ، لجأ كيان الاحتلال إلى جماعة عمالة محلية ، عرفت باسم “جيش لبنان الحر” أو “جيش لبنان الجنوبى” ، كانت قد تأسست بمدينة “مرجعيون” فى سياق الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976 ، وكان خصوم “الجيش الجنوبى” فى أول الأمر “منظمة التحرير الفلسطينية” و”حركة أمل” و”الحزب الشيوعى اللبنانى” وحركة الناصريين المستقلين “المرابطون” ، ثم أصبح “حزب الله” هو العدو الجديد بعد الاجتياح “الإسرائيلى” الأوسع عام 1982 ، كان مؤسس الجيش العميل هو الرائد فى الجيش اللبنانى الرسمى “سعد حداد” ، وكان عدد أفراد الجيش ـ إياه ـ نحو ثلاثة آلاف فرد ، ظلوا يتقاضون رواتبهم الرسمية ، إلى أن أوقفتها الحكومة اللبنانية عام 1990 ، قبلها كان “حداد ” قد توفى بمرض السرطان عام 1984 ، وخلفه “أنطوان لحد” ، الذى ذهب بعيدا فى العمالة لقوات الاحتلال ، وأنشأ معتقل “الخيام” لاحتجاز وتعذيب المقاومين اللبانيين لقوات الاحتلال ، وتعرض “لحد” لمحاولة اغتيال نفذتها الفدائية اللبنانية “سهى بشارة” فى نوفمبر 1988 ، أدخل على إثرها إلى وحدة العناية المركزة فى مستشفى “رامبام” بمدينة “حيفا” المحتلة ، وبعد التعافى النسبى ، قام بترقية نفسه إلى رتبة “فريق أول” ، وكان جيش الاحتلال يزوده بالحماية والدعم والسلاح ، وإلى أن ظفرت مقاومة “حزب الله” فى حرب الاستنزاف الطويلة ، وقررت حكومة الاحتلال سحب جيشها من الجنوب اللبنانى بغير قيد ولا شرط فى 25 مايو 2000 ، ووجد جيش العملاء نفسه فى المتاهة ، استولى “حزب الله” على أسلحته ، واعتقل عددا من قادته وسلمهم لمحاكمات الحكومة اللبنانية ، فيما هرب “أنطوان لحد” نفسه مع معاونيه الكبار إلى داخل كيان الاحتلال ، وحصل على الجنسية “الإسرائيلية” ، بعد أن حاول الذهاب إلى “فرنسا” التى تخلت عنه ، وانتهى إلى إدارة مطعم فى “تل أبيب” حتى وفاته فى سبتمبر 2015 ، وقد تكون “جماعة أبو شباب” الفلسطينية قليلة العدد اليوم قياسا إلى جيش “سعد حداد وأنطوان لحد” ، وتذهب تقديرات أعدادها إلى ثلاث مئات وليس آلافا ، إلا أنه لا شئ يمنع تكاثرها إن استدام احتلال “غزة” ، ربما سوى الطبيعة الكفاحية المذهلة لأبناء “غزة” ، وقد يشعر العملاء اليوم ببعض الأمان الزائف ، مع تدخل قوات الاحتلال وطائراته مباشرة لحماية جماعة “أبو شباب” من هجمات مقاتلى المقاومة الفلسطينية ، لكن نهاية “أبو شباب” ستكون غالبا أسوأ من نهاية “لحد” ، ولن تمنحه الحكومة “الإسرائيلية” جنسيتها ، وبالذات إن جرت الإطاحة “الإسرائيلية” بحكومة “نتنياهو” .
وقد لا تخطئ العين البصيرة حماسا فى بعض إعلام عربى لأمثال جماعة “أبو شباب” ، تدفع إليه عداوة مستحكمة مع “حماس” وأخواتها ، أو رغبة مشفوعة بأفعال آثمة فى مساندة وتحالف عملى مع كيان الاحتلال ، ومن وراء لافتات تدعى “عروبة” هى منهم براء ، وسخاء فى دفع تريليونات الدولارات إلى “دونالد ترامب” القائد العام لحرب الإبادة الجماعية الأمريكية “الإسرائيلية” للفلسطينيين فى “غزة” والضفة والداخل المحتل ، وتلك مأساة مفزعة تكابدها الأمة اليوم ، إذ يصعد الخونة على “راس السطح” ، ويؤذنون ويعظون باسم الشعوب المنكوبة ، شاهت الوجوه والنفوس الوضيعة .
المصدر: القدس العربي
عصابة المدعو “ياسر أبو شباب” تتألف من مئات المسلحين تعمل في مناطق سيطرة الاحتلال الصه.يوني جنوب شرق “غزة” تعمل كمرتزقة لصالح الكيان الصهيوني ومن خلال دولة عربية ممولة، إنها اليد القذرة ضد شعبنا في غزة.