إن قطع الزوايا في تطوير اللقاح، أو المخاطرة باحتمال ظهور آثار جانبية خطيرة، أو احتمال أن يكون المنتج فاشلاً بالفعل، هي أمور تقوض ثقة الجمهور في التطعيم -وليس لـ”كوفيد-19″ فقط، ولكن للأمراض التي عملنا من أجل القضاء عليها لسنوات. فإذا كان قادتنا السياسيون على استعداد للمجازفة بحياتنا من أجل لقاح واحد، فلماذا نثق بهم بشأن اللقاحات الأخرى؟
ليست هذه لحظة “سبوتنيك” مجيدة جديدة في روسيا. وفي الحقيقة، تعود الموافقة الروسية على إنتاج لقاح مفترض لفيروس كورونا إلى زمن أقل إشراقاً في تاريخ البلد، عندما كان البحث العلمي خاضعًا للسياسة، وحصل الرجال الأقوياء على العِلم الذي يريدون سماعه، بغض النظر عن التكاليف التي يتحملها الشعب الروسي.
قوبل إعلان الرئيس فلاديمير بوتين عن التوصل إلى لقاح ناجح ضد فيروس كورونا باستهزاء عالمي من قبل المجتمع العلمي في جميع أنحاء العالم. لماذا؟ ليس بسبب الغيرة أو أي مشاعر معادية لروسيا، وإنما لأنه لم يتم اختبار اللقاح الجديد بالشكل المناسب.
في الغالب، تفشل معظم اللقاحات والأدوية الجديدة في التجارب السريرية. ونحن نُجري هذه الدراسات لاختبار افتراضاتنا، وتجنب خداع أنفسنا، وعدم إيذاء أولئك الذين سيتناولون هذه المنتجات. ويعتمد المسار الأساسي للقاحات والموافقة على الأدوية في جميع أنحاء العالم على ثلاث مراحل من الدراسة.
في المرحلة الأولى، يختبر الباحثون مع عدد قليل من الأشخاص منتجًا في سبيل البحث عن آثار جانبية خطيرة وشائعة. وفي المرحلة الثانية، يبحث العلماء عن النشاط؛ في حالة اللقاح، إذا ما كان يثير استجابة مناعية (وهذا لا يعني أن اللقاح يكون وقائياً، وإنما يجذب انتباه الجهاز المناعي فقط)، وفي حالة العقار، نرى ما إذا كان قادرًا على قتل العامل الممرض الذي يستهدفه الدواء. لكن المرحلة الثالثة هي ذروة البحوث الطبية الحيوية. هنا نرى ما إذا كان الدواء آمنًا لدى أعداد كبيرة من الأشخاص؛ حيث تظهر آثار جانبية مهمة -لكنها أقل شيوعًا- بحكم حقيقة أننا نجري اختبارًا على مجموعة أكبر بكثير من تلك التي استخدمناها في المرحلة الأولى.
إذا ظهر تأثير جانبي للقاح أو الدواء في 1 من كل 250 شخصًا، فسيكون من غير المرجح أن نراه في دراسة المرحلة الأولى التي تجرى على 20 شخصًا، لكننا سنراه بالتأكيد في مجموعة من 10.000 شخص يتم حقنهم بالمنتج. لكن المرحلة 3 هي المكان الذي نرى فيه أيضًا ما إذا كان المنتج يعمل حقًا. في المرحلة 3، نعطي لنصف الأشخاص المشمولين بالدراسة العامل الجديد، ونعطي للنصف الآخر دواءً وهميًا أو منتجًا وهميًا -والفكرة هي أنه إذا كان لقاحك ناجحاً، فإنك يجب أن ترى أعدادًا أكبر بكثير من المصابين بالعدوى في مجموعة الدواء الوهمي من تلك التي أعطيت اللقاح الحقيقي.
بالنسبة لدراسات لقاح فيروس كورونا، من المحتمل أن يستغرق إطلاق دراسات المرحلة 3 هذه وتشغيلها، وتراكم عدد كافٍ من الإصابة بالعدوى، ما لا يقل عن عام من البداية إلى النهاية. وسوف نرى معظم البيانات الحقيقية عن لقاحات فيروس كورونا في وقت ما في العام 2021.
تم الدفع بلقاح بوتين بسرعة إلى الموافقة على الإنتاج بعد المرحلة الثانية. فما الذي يمكن أن يحدث خطأ؟ يمتلئ تاريخ البحث الطبي بالأمثلة حيث لم تظهر العيوب في البيانات المبكرة، وحيث تبين في الواقع أن الوعد المبكر بمنتج جديد ناجع كان يخفي الأخطار التي ستظهر فقط في دراسات المرحلة الثالثة.
بعض الأمثلة؟ أظهرت دراسة “تجربة قمع عدم انتظام ضربات القلب (CAST)، التي نُشرت في العام 1991، أن المطاف انتهى بعقار “فليكاينيد”، وهو دواء تحت الدراسة لعلاج عدم انتظام ضربات القلب في سياق السكتة القلبية، إلى قتل عدد من المرضى أكبر من أولئك الذين كانوا يتناولون الدواء الوهمي، على الرغم من أن الدواء نجح في علاج عدم انتظام ضربات القلب خارج سياق احتشاء عضلة القلب الحاد.
وانتهى الأمر بالدراسات المبكرة للقاحات ضد “الفيروس المخلوي التنفسي” لدى الأطفال في الستينيات، إلى إحداث مرض أكثر حدة لدى الأطفال مقارنة بأولئك الذين تلقوا علاجًا وهميًا، بمجرد تعرض هؤلاء الأطفال للفيروس نفسه من خلال انتشار العدوى في المجتمع. وقد توفي اثنان من الأطفال الملقحين. وتعتمد الموافقة على الأدوية الحديثة على دراسة متأنية لتجنب مثل هذه الكوارث، ونحن نتجاهل هذه القواعد على حساب تعرضنا الجماعي للخطر.
أحد الأشياء التي تفصل بين اللقاحات والأدوية المستخدمة في علاج الأمراض هو أنه يتعين علينا إقناع ما يزيد على 70-80 في المائة من أفراد المجتمع بتناولها على الرغم من أنهم يشعرون بأنهم على ما يرام، وقد لا يرون الحاجة إلى تلقي وخزة في الذراع.
إن قطع الزوايا في تطوير اللقاح، أو المخاطرة باحتمال ظهور آثار جانبية خطيرة، أو احتمال أن يكون المنتج فاشلاً بالفعل، هي أمور تقوض ثقة الجمهور في التطعيم -وليس لـ”كوفيد-19″ فقط، ولكن للأمراض التي عملنا من أجل القضاء عليها لأعوام. فإذا كان قادتنا السياسيون على استعداد للمجازفة بحياتنا من أجل لقاح واحد، فلماذا نثق بهم بشأن اللقاحات الأخرى؟
مثل رئيسنا الأميركي، وضع بوتين مصالحه وسياسته فوق مصالح شعبه في سياق هذا الوباء. ومع أن روسيا والعالم يحتاجان إلى لقاح لفيروس كورونا، فإنه لا ينبغي أن يكون واحداً يُدفع بتهور إلى السوق لتلبية أهواء رجل قوي واحد.
على المرء فقط أن ينظر إلى الوراء قليلاً في التاريخ الروسي، قبل سبوتنيك، ليرى أين أخطأ بطريقة مريعة أولئك الرجال الكبار في الماضي الذين كانوا يبحثون عن إجابات سهلة. وأتحدث هنا عن تروفيم ليسينكو، الذي قال إنه يمكن أن يزرع أشجار البرتقال في سيبيريا والذي عيّنه جوزيف ستالين مسؤولاً عن السياسات الزراعية السوفياتية. إلى الملايين الذين قتلوا عمداً في هولودومور -مجاعة ستالين التي من صنع الإنسان في أوكرانيا، أضاف ليسينكو ملايين أخرى من الناس الذين لقوا حتفهم عندما أدى فرض سياساته إلى فشل المحاصيل في البلاد على نطاق واسع.
عندما يلتقي العلم السيئ بالسياسيين الباحثين عن إجابات سهلة، يمكن أن يذهب المرء إلى مواجهة الكثير من المتاعب.
*أستاذ مساعد في علم الأوبئة للأمراض الميكروبية، وأستاذ مشارك في القانون وباحث في القانون في كلية الحقوق بجامعة ييل، ومدير مشارك لكلية ييل للقانون/ كلية ييل للصحة العامة، شراكة العدالة الصحية العالمية، وكلية الحقوق بجامعة ييل/ كلية ييل للصحة العامة/ كلية الطب بجامعة ييل، التعاون من أجل نزاهة البحث وشفافيته.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Putin Is Playing Russian Roulette With the Coronavirus Vaccine
المصدر: (موسكو تايمز) / الغد الأردنية