
يقول ترامب لجيرانه الكنديين إذا أصبحت بلادهم الولاية 51، سيتمكنون من التصويت له. وعد الرئيس الأميركي أيضاً جيرانه الشماليين بضرائب أقل في حال انضمامهم إلى الولايات المتحدة. بالطبع لم يكن اسم ترامب على بطاقات الاقتراع في الانتخابات العامة في كندا قبل يومين، إلا أن أثر ترامب كان حاسماً فيها.
بالكاد لفتت الانتخابات الكندية في الماضي كثيراً من الاهتمام الدولي، إلا أن تحرشات الرئيس الأميركي بجيرانه جعلت من الانتخابات الأخيرة بمثابة تصويت على ما هو أبعد من السياسة المحلية في كندا، ونموذج دراسة يتيح تفحص ردود فعل الحلفاء القدامى على العدائية الأميركية المتصاعدة. تعد كندا نموذجاً مثالياً لعدة أسباب، فترامب حين شرع في حملته بالتعريفات الجمركية استهدف أولاً جيرانه، كندا والمكسيك، وذلك قبل أن يتوسع نحو بقية بلاد العالم. وبالرغم من أن هناك اتفاقاً على أن الحرب التجارية الأميركية تستهدف الصين بالأساس، إلا أن كندا تعد من بين الأكثر تضرراً منها. فهي مثل المكسيك، تعتمد بشكل كبير في تجارتها الخارجية على الطلب في السوق الأميركي، حيث تعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول لكلا البلدين. وإن كان الاقتصاد الكندي وهو واحد من أكبر عشرة اقتصاديات في العالم، ليس بهشاشة دول أخرى قد تتضرر بشكل أكبر من التعريفات الجمركية، إلا أن الهجوم الأميركي على كندا مزدوج. فعلاوة على التلويح بالحرب التجارية، تنضم كندا إلى جانب بنما وغرينلاند إلى لائحة من الدول يهدد ترامب بضمها إلى الولايات المتحدة. ويظهر هذا التهديد أكثر جدية في الحالة الكندية لاعتبارات القرب الجغرافي والحدود المشتركة الطويلة.
تنقلب حظوظ الليبراليين في كندا بعد انتخاب ترامب، ليفوزوا بولاية رابعة في الحكم بزعامة مارك كارني. قبل شهور قليلة تخلّف الليبراليون عن حزب المحافظين في الاستطلاعات بعشرين نقطة كاملة. دفعت أزمة السكن ونسب التضخم العالية بالإضافة إلى الانقسامات الداخلية في حزب الليبراليين رئيس الوزراء السابق جاستن تورود إلى الاستقالة بعد مقاومة طويلة، ولم يكن هذا كافياً لاستعادة الحزب جماهيريته. وكان من المتوقع للحزب خسارة كبيرة أمام المحافظين، لولا أثر ترامب الذي غيّر الميول الانتخابية بشكل مفاجئ لصالح بقاء الليبراليين في الحكم.
اعتبار نتائج الانتخابات الكندية تصويتاً ضد ترامب، يحمل الكثير من المنطق لكنه لا يقدم صورة كاملة. بالطبع كان لدى ترامب مرشح مفضل، فعشية الانتخابات أصدر تصريحاً يشير إلى تمنيه فوز الرجل الذي يفرض ضرائب أقل، أي زعيم حزب المحافظين صاحب الخطاب الميّال للشعبوية، بيير بواليفر. بالمقابل يعد كارني نموذجاً لما يعارضه الرئيس الأميركي، فالاقتصادي الذي كان أول رئيس غير بريطاني لبنك إنكلترا (البنك المركزي في المملكة المتحدة) هو مثال للعولمة، والولاءات السائلة. وبسبب هذه الخبرة، وعمله أيضاً كحاكم لبنك كندا خلال الأزمة الاقتصادية العام 2008، أقنع رجل المصارف الناخبين بأنه الرجل الأنسب لمواجهة التقلبات الاقتصادية العارمة المتوقعة في المستقبل القريب بسبب العدائية الأميركية.
في العام 1995، حصل كارني على الدكتوراه من جامعة أكسفورد، وكانت أطروحته حول ما إذا كانت المنافسة المحلية يمكن أن تحسن من كفاءة الاقتصاد على مستوى وطني، وهي الأطروحة التي بالتأكيد تتعلق بوعده تحرير التجارة بين المقاطعات الكندية. لعقود طويلة اعتمد اقتصاد المقاطعات الكندية على التكامل مع اقتصاد الولايات الأميركية على الجهة الأخرى من الحدود. ما يعد به كارني هو رفع العوائق أمام التبادل البيني بين المقاطعات الكندية، وتعميق السوق الداخلي، في مواجهة التعريفات الأميركية. قبل الإعلان الرسمي عن فوزه، يصرح رئيس الوزراء الجديد بأن العلاقة مع الولايات المتحدة في صورتها السابقة قد انتهت، ويضيف أن فك الارتباط مع الولايات المتحدة قد يعني الكثير من التضحيات.
تعد الانتخابات الكندية نموذجاً أولياً لقياس تأثير ولاية ترامب على الأنظمة السياسية حول العالم. تفوز تكنوقراطية المصارف مع فوز كارني، الذي لم يكن له سابقة عمل بالسياسة، وتقتصر مؤهلاته على عمله في البنوك المركزية. في هذه الانتخابات ارتفعت حصة الحزبين الرئيسيين في البلاد من أصوات الناخبين، على حساب الأحزاب الأصغر. على الأرجح دفعت التهديدات الأميركية المقترعين إلى البحث عن الأمان في المؤسسية والتيار السائد. كان أكبر الخاسرين هو الحزب الديمقراطي الجديد اليساري، بعد أن خسر حوالى 12% من حصة الأصوات مقارنة بالانتخابات السابقة. إجمالاً يظهر أن حال عدم اليقين التي تسيطر على السياسة الدولية في المئة يوم الأولى من حكم ترامب، تدفع الناخبين في كندا إلى خيارات محافظة وتكنوقراطية وساعية بالأساس إلى الحفاظ على الوضع القائم بأقل قدر من التعديلات اللازمة.
المصدر: المدن