إنها شوفينية أميركية

سامح راشد

تتّجه أنظار العالم إلى مفاجآت دونالد ترامب وقراراته غير المتوقّعة. ولا يعلم كثيرون أن ترامب يغيّر في الداخل الأميركي بما لا يقلّ حماقة عن مغامراته الخارجية، إذ يدير السياسة الخارجية كما لو كان رئيساً للعالم، بل مَلِكاً عليه.
بدأ ترامب رئاسته بإقالة كلّ من شارك في التحقيقات القضائية ضدّه، سواء من العاملين في وزارة العدل، أو من ضبّاط مكتب التحقيقات الفيدرالي، ثمّ أصدر عفواً رئاسياً عن المُدانين بحكم قضائي في عملية اقتحام مبنى الكونغرس، في 6 يناير/ كانون الثاني 2021. في سلوكٍ يعبّر عن ازدرائه القضاء الأميركي والمؤسّسات العدلية، بل وغيرها من المؤسّسات العامّة.
ما يفعله ترامب نسف الأسس التي تقوم عليها الدولة في الولايات المتحدة، بما فيها من ديمقراطية وتشاركية سياسية، بل وكذلك النمط الفيدرالي في الحكم، فقد هاجم حاكمة ولاية مين، جانيت ميلز، لأنها أصرّت على تطبيق قانون الولاية في مسألة مشاركة المتحوّلين جنسياً في الرياضات النسائية. بل يكاد خطاب ترامب يخلو تماماً من ذكرٍ (أو إشارة) للفظ “الديمقراطية” أو “الحرّية” أو غيرها من المفاهيم الليبرالية الغربية، كالحرّية والمساواة والتنافسية. ويركّز في خطابه على استعادة “أميركا العظيمة” والدولة القوية، فضلاً عن أنه يُقحم كلمة “Business” بصورة دائمة في تصريحاته وخطاباته السياسية، حتى لو كان يقصد اتفاقاً أو تفاهماً، فهو يتعامل مع هذه المسائل ذات الطابع السياسي على أنها عملية تجارية أو “صفقة” أيّاً كانت طبيعتها.
بعيداً من المبادئ الفلسفية المؤسّسة للدولة الأميركية، ما يقوم به ترامب ضرب مظاهر عمل تلك الدولة وآلياته في مقتل، فهو يرى أن دولاب العمل الحكومي متضخّم وبحاجة إلى تقليص وترشيد نفقاته، حتى لو عنى ذلك طرد نصف العاملين في وزارة التعليم، من دون مراعاة أو تقدير للجوانب الفنّية (التعليمية). وفيما كلّف إيلون ماسك التفتيش على الوزارات والمؤسّسات الحكومية، واتخاذ ما يلزم لتحسين أدائها ورفع كفاءتها، اختزل هذا الرجل هذه المهمّة في ترشيد الإنفاق والحدّ من حجم العمالة في الجهاز البيروقراطي.
يتعامل ترامب مع الواقع الأميركي على أنه واقع يفتقد العدل والإنصاف، والعدل المقصود ليس المساواة في الفرص، بل تمكين ترامب وأنصاره من السيطرة على مفاصل الدولة. وما عدا ذلك، ليس عدلاً، بل جور وإجحاف بحقّه، ومعه هؤلاء اليمينيون الإقصائيّون. وكان هذا هو الخطاب الأساس لترامب، وحجّته الرئيسة في رفض نتائج انتخابات 2020، مع إضافة ذات دلالة، أنه مُستهدَف، وثمّة مؤامرة لمنعه من اعتلاء المنصب الذي يستحقّه، وتولّي السلطة التي لا أحد سواه جدير بها، إلى حدّ افتراض تزوير النتائج لإسقاطه. ومن نرجسيّته، يطلق ترامب هذه الادّعاءات وهو مؤمن بها، ويتوهّم أنه رسول العناية الإلهية لإنقاذ الأميركيين. ولذا، لا يُساءل، ويحقّ له فعل ما يشاء من دون قيود ولا حدود.
الخطير حقاً أن أعداداً متزايدة من الأميركيين يتبنّون أفكاراً أكثر منه عنصريةً ويمينية، من منطلق الجدارة والأفضلية على غيرهم من البشر. وهي القناعة الراسخة نفسها لمن يعانون عقدة التفوّق والسموّ، ومن ثمّ الاصطفاء. لكن حالة ترامب ومريديه ليست نرجسيةً فقط، بل هي “شوفينية” على طراز أميركي، وذروة الكارثة أن أعداد مناصريه تزداد بمتواليةٍ هندسية، وباجتماع شوفينيّة هؤلاء مع نرجسية ترامب واستبداده، فإن القيم الأساسية التي يتباهى بها الأميركيون منذ ثلاثة قرون، بما تشكّله من نظام حياة، تصبح في مهبّ الريح.

 

المصدر: العربي الجديد

تعليق واحد

  1. هل الإدارة الأمريكية مطلوب أن يكون رئيسها إما مجنون متهور كـ “ترامب” أو نائم مثل “بايدن” منذ إستلامه الرئاسة إقال كلّ من شارك في التحقيقات القضائية ضدّه، في وزارة العدل، أو من ضبّاط مكتب التحقيقات الفيدرالي، وأصدر عفواً رئاسياً عن المُدانين بعملية اقتحام مبنى الكونغرس، هل هذه تصرفات رئيس دولة عظمى؟ إنها شوفينية أمريكية.

زر الذهاب إلى الأعلى