
وقع السيد رئيس الجمهورية الإعلان الدستوري الذي سيكون ناظما لعمل مؤسسات الدولة السورية، ولحقوق وواجبات المواطن السوري خلال الفترة الانتقالية إلى حين إقرار الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية، واجراء انتخابات عامة.
مقدمة
وكثير من مواد الإعلان كان قد تم نشرها من خلال مشروع الإعلان الدستوري، وفي حينه قام كثير من المهتمين بالتعليق على ذلك المشروع، وواضح أن الإعلان الذي تضمن مواد كثيرة شديدة الأهمية للمواطن السوري وللوطن السوري، قد استدرك بعض تلك الملاحظات التي أبديت على ذلك المشروع وأعرض عن بعضها الآخر.
** ومما أعرض عنه ما خص بأهمية أن تكون هناك سلطة تنفيذية / حكومة، مسؤولة عن العمل التنفيذي في الدولة، ومسؤولة بشكل ما أمام رئيس الجمهورية وأمام الهيئة التشريعية، فلا يرمى كل شيء على كاهل الرئاسة، خصوصا وأن المرحلة انتقالية، والمؤسسات كلها تأتي بالتعيين.
** وكذلك مما أعرض عنه الإعلان تحديد أنواع الملكية في الدولة، فلم يذكر القطاع العام، والقطاع التعاوني، ولا الوقف، وتأكيد التزام الدولة في الحفاظ على أصول ثروة المجتمع وتنميتها. ولا تكفي المادة 16 الفقرة 2 في إيفاء هذا الامر حقه.
** ولم يحدد الإعلان مكانة سوريا من أمتها العربية، ولا الالتزام بالعمل على تحرير الأراضي السورية المحتلة وتأمين عودتها جميعها إلى السيادة السورية بكل الطرق الممكنة باعتبار ذلك التزام وطني ثابت.
ويمكن الوقوف على تفاصيل ونقاط عديدة أخرى وردت في التعليقات المختلفة المنشورة على مشروع الإعلان الدستوري، ومنها تعليقنا بتاريخ 3 / 3 / تحت عنوان “ملاحظات على مشروع الإعلان الدستوري” ففيه نقط أخذ بها الإعلان وأخرى تجاوزها.
ولأننا بتنا الآن أمام إعلان دستوري وقعه رئيس الجمهورية، وبالتالي فقد يعتبر أن الحديث عما كان يجب أن يكون قد فات أوانه، إلا أن المادة خمسين من الإعلان الدستوري تفتح الباب لتعديله لاحقا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب المعين فإن تسليط الضوء على النواقص، او ما يمكن اعتباره نواقص يصبح أمرا واجبا. كما أن المسؤولية الوطنية تفرض أن نقول ما نراه صحيحا إزاء هذا الإعلان بغض النظر عن توفر الفرصة لتصحيح ما نراه نقصا أو تجاوزا.
في متن الإعلان الدستوري
إضافة لما سبق فإن هناك عيوبا في الإعلان يجب تداركها دون انتظار، منها ما هو جزئي يستدعي تصحيح عبارة أو إضافة كلمة أو نص، ومنها ما هو تعديل أو نقص جوهري:
1ـ في المادة 8 الفقرة 3، حديث عن تصدي الدولة للتطرف العنيف.
ليس هناك تطرف عنيف وآخر غير عنيف، يجب إلغاء كلمة عنيف.
2ـ المادة 13 تذكر أن للمواطن حرية التنقل.
يجب أن يضاف (والعمل والتملك والاستثمار) في كافة ارجاء الوطن السوري.
لأن هذه الحرية هي التي تعطي المواطنة معناها الحقيقي.
3ـ المادة 21 تستوجب إضافة فقرة خاصة بفئة أصحاب الاحتياجات الخاصة.
تنص على أن الدولة تلتزم بتوفير الرعاية الخاصة لهذا الصنف من المواطنين بما يكفل دمجهم في المجتمع وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم.
4ـ المادة 26 مدة ولاية مجلس الشعب ثلاثين شهرا قابلة للتجديد.
ويجب أن يذكر (لمرة واحدة فقط).
5ـ يجب أن توضع مادة تؤكد تنص على أن كل المعاهدات ذات الصلة بسيادة الدولة على أراضيها او ثرواتها يجب ان تحصل على موافقة مجلس الشعب قبل ان يعتمدها رئيس الجمهورية وينظم القانون تفاصيل هذه الآلية.
6ـ المادة 41 تشير إلى أن رئيس الجمهورية يعلن التعبئة العامة والحرب بعد موافقة “مجلس الامن القومي”، ورغم الأهمية البالغة لهذا المجلس لكن لم تأت أي فقرة سابقة على ذكر “مجلس الامن القومي”.
يجب أن توجد مادة خاصة في الإعلان تتحدث عن مجلس الأمن القومي، تكوينه، واختصاصاته، وأن يصدر قانون خاص ينظم عمله.
7ـ النقص نفسه طال الحديث عن “مجلس القضاء الأعلى” حيث لم يذكر تكوينه، فكأن وجوده معلوم، ولم يعرف كيف وممن يتكون، ولا ما إذا تكوين هذا المجلس يستند إلى دستور سابق؟ وعلى هذا المنوال جاء الحديث عن النظام القضائي، فحشر القضاء العسكري في الفقرة الخاصة بالنظام القضائي في المادة 45، دون الحديث عن وجود هذا النوع من القضاء في الإعلان أصلا.
خاتمة
لابد من القول الصريح أن هذا الإعلان الدستوري لا يؤسس لمجتمع ديموقراطي، يلتقي عليه الشعب السوري بمختلف أطيافه، ولا يفتح المجال للتنافس الإيجابي إحياء لمبدأ التدافع داخل المجتمع، وهو في جوهرة يستند إلى نموذج النظام الرئاسي الصرف، حيث يمسك الرئيس بزمام السلطة التنفيذية كاملة، وهذا نوع من الحكم أخذت به دول عدة، لكن في هذه الدولة هناك حياة سياسية ديموقراطية كاملة : دستور، ومجلس نواب، وقضاء مستقل، وصحافة، وبلد ومجتمع عامر بالحيوية والنشاط والمعافاة، وهذا كله معدوم في سوريا نتيجة حكم الأسد البائد على مدى ستة عقود،
إن الصلاحيات التي يعطيها الإعلان الدستوري للرئيس لا حدود لها، وحتى بعض الحدود التي تظهر في نصوص متفرقة هي حدود مرتبطة بالرئيس نفسه، الذي عين ويعين كل أطراف السلطة على مختلف مسمياتها، وقد تغري حالة سوريا المدمرة والمشتتة والتي تعصف بها أهواء أصحاب مشاريع تفتيت هذا الوطن، أن تكون للرئيس صلاحيات استثنائية لمواجهة هذا الواقع، لكن هذه الصلاحيات تغري أيضا بالاستبداد، ونحن نعتقد أن الاستناد إلى إعلان دستوري يقوم على أسس ديموقراطية، ومشاركة شعبية، ونصوص ضابطة للعلاقة بين السلطات في المجتمع هو ما يساعد رأس الدولة على إخراج وطننا مما فيه.
كلمة أخيرة نقولها للرئيس الشرع الذي أنجز ورفاقه شيئا عظيما بالقضاء على النظام البائد، وحرر سوريا من جحيم كان يحرق كل شيء فيها:
نحن معك، يدنا بيدك، لبناء سوريا التي تريد ونريد، لكن هذا الإعلان الدستوري ليس معك، ولن يساعدك على ذلك.
الجمعة 14 / 2025