الحزبان الجمهوري والديمقراطي.. تناوب الأدوار في فلسفة الهيمنة وصناعة الفوضى

عصام هيطلاني

إن ما نشهده اليوم من أحداث في الساحة الدولية، ليس سوى فصل جديد في كتاب طويل من السياسة الأميركية، حيث تتناوب الإدارات بين الجمهوريين والديمقراطيين، لكن الاستراتيجية الكبرى والبعيدة المدى تظل ثابتة، حيث تُدار بعناية من قبل الدولة العميقة لضمان بقاء واشنطن القطب الأوحد في النظام الدولي. ففي لعبة المصالح الكبرى، لا مكان للصداقات الدائمة أو التحالفات الثابتة، بل هناك فقط أدوات يتم استهلاكها ثم التخلص منها حين تنتهي صلاحيتها

ـ ليست القضية الأوكرانية وما حدث البارحة من مشادة كلامية أمام الصحفيين خلال اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي “ترمب” بالرئيس الأوكراني “زيلنسكي” سوى امتداد لسلسلة طويلة من الأحداث التي تؤكد أن الولايات المتحدة لا تشعل الحروب عبثًا ، بل تتقن هندستها وفق استراتيجيات دقيقة، تجعل من الدول وقودًا لنظام عالمي لا يسمح بظهور منافسين حقيقيين. كما شهدنا في حرب الخليج الأولى والثانية وأفغانستان وسوريا وغيرها، واشنطن لا تخوض المواجهة بنفسها، بل تدفع الآخرين إلى أتون الصراع، مستنزفة مقدراتهم باسم الشراكة والتحالف والدفاع عن النظام الديمقراطي وحقوق الانسان ، بينما تحافظ على موقعها في القمة، بعيدة عن فوضى الميدان.

ما حدث خلال زيارة الرئيس الأوكراني ولقائه بترمب في البيت الأبيض مؤخرا، لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي بل كان انعكاسًا لمنطق القوة الذي يحكم العلاقات الدولية. حين تكون الدولة أداة في يد واشنطن، تستقبل قياداتها بحفاوة زائفة، وحين ينتهي دورهم الوظيفي، يصبحون عبئًا يُعامل بازدراء واستخفاف.. إنها دورة الهيمنة التي لا تعترف بالولاء، بل فقط بالمصلحة والمنفعة.

-كم من زعيم استُخدم ثم أُهين..؟

-كم من دولة دُمرت باسم الصداقة والتحالفات الاستراتيجية..؟

-التاريخ مليء بالشواهد، والحاضر ليس استثناءً

اليوم، نشهد كيف استطاعت الولايات المتحدة أن توقع أوكرانيا وروسيا وأوروبا والعالم في مستنقع الحروب والاستنزاف والديون والتضخم والبطالة وأزمات الطاقة، في مشهد يعكس فلسفة الهيمنة التي أتقنتها واشنطن عبر العقود، حيث يتناوب الحزبان، الديمقراطي والجمهوري، على أدوار هذه المسرحية، متقمصين وجهين لعملة واحدة، بينما تواصل الدولة العميقة توجيههما بما يضمن بقاء أميركا القطب الأوحد في النظام الدولي.. إنها ليست مجرد سياسة، بل فن إبقاء الآخرين في صراع دائم، حيث يحرك اللاعب الأكبر البيادق ثم يسقطها حين ينتهي دورها الوظيفي، من دون أن يخسر شيئًا.

واليوم، وبينما تتكرر ذات السياسات، لا بد من توخي الحذر من إعادة إنتاج هذا السيناريو في سوريا، حيث لم يعد الشعب السوري قادرًا على دفع ضريبة رخاء ورفاهية الإدارة الأميركية في المنطقة.. فسوريا رغم صغر مساحتها فهي تمتلك موقعًا جيوسياسيًا حيويا، جعلها عبر التاريخ لاعبًا محوريًا في المعادلات الإقليمية والدولية.. ولهذا، لا تزال تدفع ثمن هذا الموقع الاستراتيجي، حيث يتم استنزاف مقدراتها وإغراقها في الصراعات التي لا تهدف إلا لخدمة مشاريع النفوذ والهيمنة وفي النهاية إذا كانت هذه هي معاملة واشنطن لحليف يخوض معركة جيوسياسية كبرى ، فكيف سيكون موقفها مع بقية الدول التي تراهن على الحماية والدعم الأميركي؟

متى  ستدرك تلك الدول أنها ليست سوى أدوات وظيفية ، تُستخدم لخدمة الاستراتيجية الأميركية، ثم تُلقى جانبًا بمجرد انتهاء صلاحيتها..؟

ويبقى السؤال المطروح معلقًا: إلى متى ستظل الدول رهينة لهذه اللعبة..؟

ومتى يدرك الضحايا أنهم ليسوا سوى أدوات في يد من لا يعبأ بمصالحهم ولا بمصيرهم..؟

المصدر: تلفزيون سورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى