الهُويَّة السورية

بشير البكر

تدور مناوشات في وسائل التواصل الاجتماعي بين فئات من السوريين عن هُويَّة الدولة السورية، تتم بصوت خافت، ولم تتبلور لتأخذ صيغة النقاش العام والمفتوح، لكن الزخم الذي تجري به، والحدّة في الخطاب الذي يُعبِّر عنها، ينبئان بأنه لن يطول الوقت حتى يتحوّل ذلك حواراً أهلياً، من بين موضوعات صياغة المرحلة الجديدة، المرتقب أن تتأسّس فيها الدولة السورية، للمرّة الأولى، على أسس دستورية راسخة، منذ تأسيس الكيان السوري قبل أكثر من قرن. والملاحظ أن ما يصدر من آراء لا يُفصح عن تصوّرات واضحة، بقدر ما يعكس وجود أزمة مواطنة لدى بعض السوريين في علاقتهم بالدولة السابقة، التي قامت على مفاهيم قومية، حسب منطلقات حزب البعث، الذي اعتمد عروبة شعاراتية.

أبرز النقاط التي تلقى تعارضاً في وجهات النظر هي الخاصّة بإطلاق صفة “العربية” على “الجمهورية”. ثمّة من يطالب بمحوها من اسم الدولة الجديدة لتصبح “الجمهورية السورية”. ولا يخفى على أحد أن هذه الدعوة تتوخّى تحقيق ثلاثة أهداف. الأول إسقاط الصبغة القومية عن سورية، بحيث لا تعود عربيةً. والثاني تحقيق المساواة بين العرب والمكوّنات الأخرى، من خلال إلغاء استثناء تمييز العرب في التسمية. والهدف الثالث، الاستجابة لما ينادي به بعض الأكراد حصرياً، إذ لم يسبق أن طالب به أحد من المكوّنات الأخرى. وبالتالي، يتوجّب ترجمة ذلك اعترافاً بالأكراد قومية سورية، على قدم المساواة مع العرب، في الحقوق السياسية والثقافية.

مساواة الأكراد بالعرب بالحقوق، وإلغاء التمييز، وتصحيح الأخطاء التي ارتكبتها سلطات الدولة السابقة أمر مشروع، وغير قابل للنقاش، ومن الضروري أن يتم ذلك على أسّس دستورية، وليس على سبيل التسوية السياسية الوقتية، التي تنطلق ممّا يمليه الأمر الواقع، أو من ضمن صفقة لإنهاء الأزمة الناجمة عن رفض قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الانضمام إلى التحوّل السوري إلا بشروط تعتمد على المحاصصة، التي يتم استنساخها من الحالة العراقية. وهنا لا يصحّ قياس إقليم كردستان العراق على الجزيرة السورية، التي تسيطر عليها “قسد”، وتتشكّل من ثلاث محافظات، الرقّة ودير الزور والحسكة، وذلك بالنظر إلى التركيبة السكّانية لهذه المنطقة.

تكشف المناوشات عن ربط تعسّفي بين عدّة قضايا. بدايةً، بين العرب وحزب البعث، يصل عند بعضهم إلى أن اجتثاث البعث يجب أن يترجم اجتثاثاً للعروبة. صحيحٌ أن فكر “البعث” وتطبيقاته في أرض الوقع ابتذلا العروبة، وأساءا لها ثقافةً وحضارةً، واستخدماها في قهر الآخرين من غير العرب، لكن الربط من بعضهم تعسّفي، وسطحي، وغير منصف. والقضية الثانية هي الربط بين الدولة ونظام الحكم، وهناك من يسعى إلى صياغة دستور الدولة من منظور تثبيت المكاسب التي يسعى إلى تحقيقها في السلطة، عن طريق الضغط على إدارة المرحلة الانتقالية، التي لا تمتلك من الناحية الدستورية صلاحية ذلك، لأن الأمر من اختصاص برلمان يُنتخَب بعد إجراء إحصاء سكّاني، وليس على أساس تثبيت الأمر الواقع في الدستور.

المرحلة السورية الراهنة تأسيسية للدولة، وهي على درجة من الأهمية، يجب أن تبعدها عن حسابات فئوية، ولا يمكن لها أن تنجح إن لم تعتمد الحوار، من أجل الوصول إلى توافقات تحت سقف المواطنة الواحدة، يتنازل فيها الجميع عن شروطهم التعجيزية. ويشكّل ذلك فرصةً للسوريين، لن تتكرّر لبناء دولة تحترم التنوّع، وتحافظ على خصوصية مكوّناتها، وتلبّي طلباتهم وطموحاتهم، ذات هوية واحدة هي الهُويَّة السورية، فالدول المعاصرة تقوم على المواطنة بوصفها تمثّل الوضعيةَ القانونيةَ للفرد في الدولة، والمساواة في المكانة، والحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية.

المصدر: العربي الجديد

تعليق واحد

  1. الهوية الوطنية للدولة السورية تصونها دولة المواطنة والقانون بتساوي الجميع أمام القانون، #هويتنا_سورية_عروبية، وليس هناك ربط بين العروبة والبعث الأسدي، لأنه استخدم العروبة كما إستخدم الطائفة لتحقيق ديكتاتوريتة المتسلطة الفاسدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى