ربما تكون شهادتي كأحد أبنائه مجروحة، لأن كل الآباء عزيزون على أبنائهم، كما أن فقد الأب ليس يشبه أي فقد.
ولد الراحل في دوما في اليوم الأخير العام 1942،لأسرة بسيطة تعمل في الزراعة، أتم الراحل تعليمه الثانوي ثم انتقل الى مدرسة المساحة كونها تمنح فرصة سريعة للالتحاق بوظيفة تسند ضعف موارد أسرته، يشهد له أبناء مدينته وجميع المناطق التي حولها والمناطق التي عمل بها بأنه كان مثالًا يحتذى بالأخلاق والتفاني والنزاهة في مجال عمله /طوبوغرافي / مما أوصله إلى رئاسة دائرة المساحة في المصالح العقارية بريف دمشق أيام وزير الزراعة أسعد مصطفى.
شهد منذ بدايات وعيه السياسي، فترة المد القومي العربي وعلى مبادئ هذا النهج نشأ، حاله كحال معظم الشباب في جيله.
نشط في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي العربي المعارض منذ تأسيسه عام 1964 وتدرج في مراتبه حتى وصل إلى قيادة فرع دمشق، وحضر معظم مؤتمراته ونظم أحدها في بيته، رغم المخاطر الأمنية آنذاك.
وأذكر جيدًا كيف كنا نتحلق أنا و إخوتي في ثمانينيات القرن ومنذ نعومة أظفارنا لنساعده رحمه الله في ترتيب أوراق نشرة (الاشتراكي العربي) و نشرة (الموقف الديمقراطي) اللتان كانتا تصدران عن حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي والتجمع الوطني الديمقراطي، حيث كان رحمه الله عضوا في مكتب النشر والإعلام، و مسؤولاً عن طباعة وتوزيع النشرات للمحافظات السورية.
لوحق في عام 1968 لكنه نجى من الاعتقال، أيد خروج الحزب من جبهة النظام عام 1973 والتي أراد منها حافظ الأسد أن تكون قاعدة يستند إليها في الوصول إلى شرعية يتمناها.
شارك في تأسيس جمعية دوما السكنية واستلم مجلس إدارتها، وهي الجمعية التي أمنت مئات المساكن وفرص العمل لشباب مدينته والقرى من حولها، قبل أن تستولي عليها أجهزة الأمن والحزب الحاكم .
عارض مشاركة الجيش العربي السوري مع القوات الأميركية في الحرب ضد العراق، مما أدى إلى اعتقاله مع معظم قيادة فرع دمشق وريفها والكثير من قيادات المعارضة عام 1991 .
خرج من المعتقل أشد صلابة وأكثر إيمانًا بضرورة الخلاص من الطغمة الحاكمة والجاثمة على صدور السوريين.
بعد معركة حسن نصر الله مع الكيان الصهوني في 2006 كان يقول: كيف للطائفي أن يكون مقاومًا؟، كيف لمن يأتمر بأوامر الخارج أن يكون وطنيًا؟
مع بدايات الثورة السورية اعتقل مع أبنائه بتاريخ 25/4/2011 بتهم متعددة منها التحريض ضد الدولة وإضعاف الشعور القومي، حيث اتهمت حينها كوادر الحزب بالتحريض على التظاهر، ولم يشفع له كبر سنّه حيث كان في التاسعة و الستين من عمره فقد كان يلقى من الضرب والتعذيب، هو وأبناء جيله، ما يلقاه الشباب من قبل المحققين وعناصر الأمن، وهذا ما زاد من تصميم أبناء الثورة على ضرورة مواصلة الكفاح والنضال من أجل الخلاص من هذا النظام الهمجي .
لقد وقف بكل قوته ضد هذا النظام المستبد، ولم يجامل ولم يهادن، واعتبر استخدام السلاح ضد المتظاهرين خيانة، وإدخال إيران وحزب الله وروسيا خيانة عظمى، يجب أن يحاكم عليها النظام .
قدم أولاده شهداء/ ضياء الدين ومحمد / ومعتقلين خدمة لنجاح الثورة السورية، شهد حصار الغوطة وقصفها من قوات النظام والقوات المتحالفة معه بكل أنواع الأسلحة . وكان يقول لا فرق في قصف المدنيين بين أسلحة محرمة دوليًا وأسلحة تقليدية، فكله إجرام.
كان صديقًا لنا نحن أبناءه، كما كان صديقًا لأصدقائنا جميعًا، وكأنه ابن جيلهم، يسامرهم ويمازحهم .. كان متفائلًا بالنصر، رغم كل الانتكاسات التي تعرضت لها الثورة .
بكى فرحًا يوم سقوط النظام .. بكى يوم لقائه أبناءه المهجرين .. كانت دموعه دموع فرح ووداع.
رحمه الله كان هامة شامخة شموخ قاسيون، صامدة صمود الأساطير، أفنى سنين عمره في مواجهة نظام القهر والاستبداد، عاش رجلًا يحمل مبادئه ولا يتنازل عنها، وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها بعد أن تكحلت عيناه بزوال الطاغية ولقاء أبنائه.