. قرأت منذ زمن بعيد كتاب الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي “نقض أوهام المادية الجدلية”، وهو كتاب سطحي جدًا يعتمد كثيرًا على جهل القراء وعدم معرفتهم بالجدلية. من النقاط التي كانت لافتة نقده لمسألة “وحدة الأضداد” و”صراعها”، حيث يشير البوطي إلى أن الأضداد لا يمكنها أن تتحد أو تجتمع في لحظة ما، ويدلل على ذلك مثلًا بطريقة ساخرة: لا يمكن لليل والنهار أن يجتمعا معًا، ولا يمكن للونين الأبيض والأسود أن يجتمعا معًا. هل كان الفيلسوف ماركس سطحيًا إلى هذه الدرجة ليتفوه بمثل هذا الكلام، وليسمح للبوطي وغيره بنقده بمثل هذه البلاهة والسطحية؟!!
- يُعرِّف بعض “الباحثين” مفهوم “الدولة المدنية” بأنه يشير إلى “الدولة غير العسكرية” أو إلى “الدولة غير الدينية”، وهما تعريفان سطحيان ومضلِّلان، وأقرب إلى التوصيف الطفولي. في الحقيقة هناك شكل من أشكال التواطؤ أو النفاق في التعاطي مع مفهوم “المدنية” ذاته، فالخوف من استخدام كلمة “العلمانية” مثلًا يدفع بعض “العلمانيين” إلى الاحتيال باستخدام مفهوم “المدنية” بدلًا منها، معتقدًا أن “المدنية” والعلمانية” شيء واحد. وجدير بالذكر أن عديدًا من جماعات الإسلام السياسي يستخدم مفهوم “الدولة المدنية” الذي كان أول من استخدمه هو الشيخ محمد عبده، والمستهجن هو استخدام المفهوم ذاته من قوى وتيارات غير إسلامية تسمي نفسها “علمانية”!!، ما يعني أن هناك اتفاقًا على المصطلح مع أن الطرفين يختلفان في فهمه ودلالاته (وهذا شكل من أشكال التواطؤ القابل للانفجار مستقبلًا.. نتفق على الكلمة فيما نختلف بشأن معانيها ودلالاتها).
- إن مفهوم الدولة مفهوم قائم بذاته، ولا يحتاج إلى صفات ذات طابع أيديولوجي بعده (إسلامية، مدنية، علمانية، اشتراكية، شيوعية، عربية، كردية، بعثية… إلخ) لأن كل صفة من هذه الصفات كفيلة بتحويل الدولة إلى عصابة. فالدولة كائن معنوي، سياسي وقانوني، وأخلاقي أيضًا، فوق الجميع، أفرادًا وجماعات وطبقات، ومحايدة إزاء أيديولوجيات المواطنين وعقائدهم وانتماءاتهم.
- العلمانية صفة لأفراد أو لجماعات ذات توجهات معينة، ولا ينفع أن تكون صفة للدولة، فهي لا تضيف شيئًا لها ولا تحدِّدها ولا تميِّزها. الدولة فضاء وطني عمومي أو عام أو مشترك بين جميع المواطنين، بينما الأديان والطوائف والأيديولوجيات القومية (العربية والكردية وغيرها) والعلمانية واليسارية وغيرها، هي فضاءات خاصة بأصحابها الذين ينتمون إليها، ولا يجوز تغليب الفضاء الخاص على العام، فإن حدث هذا سنكون أمام ظاهرة استبدادية تتحول تدريجًا إلى عصابة، تمامًا كما تحولت الدولة السورية إلى بعثية، ومن ثم إلى أسدية، ومن ثم إلى عصابة في العهد السابق.
- الدولة شيء والسلطة شيء آخر، والدولة فوق جميع السلطات والحكومات، ولا يجوز لأي سلطة أن تسيطر على الدولة أو تلتهمها أو تفرض عليها دينًا أو أيديولوجية معينة من أي نوع كان. يمكن أن تأتي سلطة أو حكومة إسلامية أو يسارية أو… عبر الانتخاب، وهذا حق للجميع وفق مبدأ تداول السلطة، شريطة ألا تفرض أي سلطة توجهها الأيديولوجي أو الديني على الدولة.
- الشعار الملائم والمحدَّد سياسيًا وقانونيًا وأخلاقيًا وعلميًا في الفكر السياسي هو: الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة. أي الدولة التي تشكل فضاء وطنيًا عموميًا لجميع المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، ذات النظام الديمقراطي، والمتوافقة مع قيم العصر الحديث ومحدداته السياسية والقانونية والأخلاقية.
المصدر: صفحة حازم نهار