ثمة نوعان للعَلمانية

معقل زهور عدي

كما سبق أن كتبت حول العَلمانية ثمة نوعان للعلمانية وليس نوع واحد , فهناك العلمانية التي تعود في أصولها للثورة الفرنسية والتي تنحو لتكون ايديولوجيا ترتبط بالقسر ومعاداة الأديان وأقرب مثال لها هي العلمانية الأتاتوركية وهي بمحاولة فرض نفسها على المجتمع تخرج عن مبادىء الديمقراطية وحقوق الانسان وكرامته , وعلمانية أخرى مضمونها محافظة الدولة على حياديتها تجاه الأديان واحترام حق الاعتقاد والعبادة والحرية الشخصية في اللباس والتعليم الديني ..الخ بينما تستند لمبدأ المواطنة في المساواة بين جميع أتباع الديانات والمذاهب أمام القانون .

من حاول الدفاع عن العلمانية بالقول إن النظام المخلوع لم يكن علمانيا إنما كان يستبعد من النقاش وجود علمانية قمعية ايديولوجية تسعى لفرض ايديولوجيتها على الدولة والمجتمع بالقوة كما هي العلمانية الأتاتوركية , الحقيقة أن النظام السوري سعى ليكون علمانيا بهذا المفهوم باستخدام الدولة , ومن هو في جيل الستينات يتذكر تماما كيف نزلت مجموعات من سرايا الدفاع مع فتيات مجندات من شبيبة الثورة وقاموا بنزع أحجبة المحجبات بالعنف اقتداء بما فعل أتاتورك في تركيا , وكيف أصبح ارتياد المساجد سببا في كتابة التقارير , وكيف منعت الصلاة فعليا في الجيش كل ذلك كان يجري ضمن محاولة علمنة المجتمع بطريقة قمعية ومتخلفة , ما أوقف هذا التوجه أو خففه هو حاجة النظام في عهد الأسد الأب لدعم تجار دمشق وكذلك اختراق التيارات الدينية خاصة بدمشق لاستخدامها غطاء للطائفية الفعلية.

اليوم وعندما يرفع البعض شعار العلمانية فهو يرفع شعارا ملتبسا يحمل أكثر من وجه ويحتمل أكثر من تفسير , ولن ينسى الشعب السوري ممارسات النظام القمعية المعادية للحريات تحت شعار العلمانية.

تقديس الشعارات إرث للأحزاب الايديولوجية , حيث يتم استبدال عبادة الفرد بعبادة الشعار , لقد رفعت اللجنة العسكرية لحزب البعث شعار البعث ” أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ” لكنها وتحت غطاء ذلك الشعار مارست أسوأ أشكال القمع والديكتاتورية وكانت أبعد مايكون عن مضمون ذلك الشعار.

نعم نحن نريد دولة مؤسسة على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين بغض النظر عن مذاهبهم وأصولهم العرقية , دولة تحترم الأديان وحرية الاعتقاد , وتحترم الحريات العامة والشخصية , أما أدلجة الدولة تحت شعار العلمانية التي تفرض نفسها بالقوة وتحارب الأديان وتتدخل في المعتقدات والحريات الشخصية فهي لاتناسب مجتمعنا ولا ثقافتنا ولا تتفق مع الديمقراطية والحرية وكرامة الانسان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى