ماذا يريد السوريون؟

وفاء علوش

بين ليلة وضحاها عاد الزمن بالسوريين إلى الوراء، فوجدوا أنفسهم في مواجهة المشاهد نفسها التي اعتقدوا أنها أصبحت طيّ النسيان بعد فتور التحرك السياسي والعسكري في الملف السوري منذ سنوات.

مزيج من الخوف والترقب سيطر على السوريين في دول العالم كلها في حين كان التشكيك سيد الموقف، في أن تكون التحركات العسكرية الأخيرة فاتحة خير عليهم أو لا تكون، وهذا أمر مبرر لأننا أصحاب تجربة مريرة.

وعلى الرغم من أن المناطق التي كانت تحت سيطرة الحكومة كانت أكثر استقرارا نسبيا من الناحية الإدارية، إلا أنها واجهت صعوبات اقتصادية وارتفاعًا حادًا في أسعار السلع نتيجة للنزاع والحصار.

تغيرت حياة السوريين بشكل جذري بعد عام 2011 مع اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد وتبدلت المزاجات السياسية بينهم تبعاً للمتغيرات التي حصلت نتيجة لذلك، فبعد أن قرر الأسد مواجهة الحراك الداعي إلى تغيير النظام بالعنف والآلة العسكرية، تدهور الوضع الأمني في كثير من المناطق، وظهرت جماعات مسلحة مختلفة وهُجّر الملايين داخليًا وخارجيًا بحثًا عن الأمان.

أدى انهيار العملة السورية إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم، وتدهور القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة ونقص حاد في السلع الأساسية كالوقود والغذاء.

انقسام المجتمع السوري على أسس سياسية، أضعف النسيج الاجتماعي وزادت نسبة الفقر وتدهور مستوى المعيشة، عدا عن التأثيرات النفسية الكبيرة على الأفراد، خصوصًا الأطفال الذين تعرضوا للعنف وفقدان الاستقرار، وما عانوه من تدمير عدد كبير من المدارس والجامعات، الأمر الذي نتج عنه حرمان ملايين الأطفال من التعليم بسبب النزوح والظروف الاقتصادية والأمنية.

انهيار في النظام الصحي ونقص في الكوادر الطبية والأدوية، وتفشي الأمراض بسبب تردي الظروف المعيشية ونقص المياه النظيفة، يضاف إلى ذلك أن أكثر من نصف الشعب السوري تفرق بين نازح ولاجئ في الداخل والخارج وواجهوا تحديات كبيرة وصعوبات قانونية ومعيشية في البلدان المضيفة.

تحولت سوريا إلى ساحة صراع إقليمي ودولي مع تدخل أطراف متعدددة، وهو ما زاد من صعوبة الأوضاع على السوريين وتسبب في طول مدة الحرب وجعل الحياة اليومية لمعظم السوريين معقدة وصعبة.

إن آراء السوريين بشأن التغيير السياسي أو بقاء النظام الحالي متنوعة ومعقدة، وتعتمد بشكل كبير على عوامل مثل الخلفية الاجتماعية، الوضع الاقتصادي، التجربة الشخصية مع النزاع، والموقع الجغرافي، فالمؤيدون للتغيير قد فقدوا الثقة في النظام بسبب سياسات القمع والاعتقال وكم الأفواه وطالبوا بإنهاء الفساد وتحقيق العدالة والمساواة، وعملوا على التعبير عن رغبتهم في إحداث التغيير السياسي وتحقيق نظام ديمقراطي يمنح الشعب حرية التعبير ويعالج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وتعد هذه الفئة أكثر انتشارًا في أوساط الشباب، والمناطق التي عانت بشكل مباشر من النزاع، وبين السوريين في الخارج.

أما المؤيدون لبقاء النظام السياسي فيعتقدون بأن النظام يمثل الاستقرار بعد سنوات من الفوضى والنزاع ويعتريهم الخوف من أن يؤدي التغيير إلى فراغ سياسي أو تدهور أكبر، على غرار ما حدث في دول أخرى ومنهم من يخشى سقوط النظام بسبب ارتباط مصالحهم الاقتصادية أو الاجتماعية بالنظام الحالي، هذه الفئة أكثر انتشارًا في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وبين الشرائح التي ترى في النظام ضامنا للأمن.

الفئة المحايدة أو المترددة هي الفئة الأكثر عدداً بين السوريين بسبب الإرهاق النفسي نتيجة لسنوات من الصراع، والرغبة في السلام والاستقرار بعيدًا عن أي صراعات سياسية وفقدان الثقة بجميع الأطراف، وهذه الفئة موجودة بين السوريين الذين يعانون من الأزمات اليومية من سوء المعيشة والخدمات ولا يرون في التغيير السياسي أولوية ملحة.

تتأثر مواقف السوريين تجاه الوضع السياسي بعوامل عدة فالأشخاص الذين يعانون من الفقر قد يميلون لدعم من يعد بتحسين الظروف بغض النظر عن خلفيته وتختلف المواقف بين السوريين داخل سوريا وخارجها، وكذلك بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وتلك الواقعة تحت سيطرة أطراف أخرى، وتأخذ التجربة الشخصية من (نزوح، خسارة أحباء، اعتقالات) حيزاً كبيراً في تشكيل آراء الأفراد تجاه النظام أو المعارضة

لا تتعلق الأزمة التي يعانيها السوريون اليوم بصراع سياسي وحسب، بل إنها متعلقة بتفاصيل الحياة اليومية التي يجد السوريون صعوبة في تهيئتها من خدمات ونفقات معيشة ووضع أمني جيد ومستقر، ربما لا يعني التغيير السياسي معظم السوريين مثلما قد يعنيهم انعكاس نتائج ذلك التغيير عليهم، فلو كان نظام الأسد قد أخذ حقوق الشعب السوري بعين الاعتبار واستطاع تأمين حياة كريمة لهم، ربما لن يكون في مأزق بتقهقر عزيمة مؤيديه وجيشه وسعيهم إلى الخلاص.

وبالتالي فإن هذا هو المفصل الأساسي الذي قد يؤثر في مزاج السوريين، في حال حصول التغيير في المدن التي ستلي حلب، فإن كانت الأوضاع الأمنية والمعيشية والاقتصادية بخير واستطاعت فصائل المعارضة توفير احتياجات السوريين وإحلال الأمان والاستقرار وتطبيق العدالة وجعل حلب (نموذج ضدّ) للأوضاع في مناطق النظام، فسوف تكون تلك تجربة تنعكس آثارها على مزاج السوريين السياسي بطريقة تنهي التخوف المشروع الذي يشعرون به في هذه الفترة.

يمكن القول إن السوريين يبحثون عن بيئة آمنة ومستقرة يعيشون فيها بعيدًا عن العنف والنزوح، ويطمحون لحياة كريمة بتحسين ظروفهم الاقتصادية، سواء داخل سوريا أو في بلدان اللجوء، ويرغبون في أن يعيشوا في نظام يوفر الحقوق والعدالة الاجتماعية، كذلك يعد لمّ الشمل والعودة إلى الحياة الطبيعية من أولوياتهم ولا يخفى على الجميع أن السوريين يودون بناء بلادهم وإعادة إعمارها وتشغيل مؤسساتها.

السؤال الواجب علينا طرحه اليوم هل ما زال السوريون قادرين على تحمل تبعات الحرب؟ 

إن الأوضاع التي يعيشها السوريون اليوم تحت مظلة نظام الأسد ليست من الجودة بحيث يخشى الإنسان من فقدان المكتسبات الموجودة، لكنها على شحّها شكلت للسوريين استقراراً نسبياً وإن كان بسيطاً،  وهي وإن كانت تحميهم من خطر القصف المستمر فهي كانت تجبرهم على النزوح، كذلك تركتهم تحت سلطة ظروف قهرية مؤذية لم تراعِ حقوق الإنسان بالحياة الكريمة، علاوة على أن البلاد أصبحت مستباحة من الميليشيات والقوات الأجنبية بحيث بات السوري يشعر نفسه غريباً وخائفاً في بلده.

إن استمرار تدهور الأوضاع من دون حلول واضحة، يضعف القدرة على التحمل يوما بعد يوم، كما أن معاناة الجوع، الفقر، وانعدام الأفق تدفع كثيرين إلى الشعور بالعجز لأن معظم السوريين اليوم يريدون إنهاء الصراع بأي وسيلة تحقق الاستقرار وتعيد بناء الدولة، وهو أمر يبدو أنه ليس في المتناول في هذه الفترة ليس بسبب تحركات المعارضة العسكرية فقط، بل لأن النظام العالمي والقوات الأجنبية في سوريا تستفيد من إبقاء بؤر التوتر في سوريا ولا تسعى إلى تطبيق حل جذري يكون في صالح السوريين فقط دونا عن غيرهم.

لا خلاف في أن السوريين مرهقون من ناحية الجانب المعيشي والإنساني من أثر النزاع الذي طال أكثر مما توقعوا، لكن تحملهم لهذه التبعات يعتمد على توفر حلول سياسية واقتصادية تُعيد لهم الأمل، وتحسن أوضاعهم المعيشية، وهذا لا يمنع أن تتنازعهم مشاعر متناقضة بين خوف وأمل بسبب التحركات الأخيرة التي أعادت إليهم الأمل في تحقيق التغيير السياسي الذي كانوا وما زالوا يحلمون به على الرغم من إرهاقهم في السنوات السابقة.

إن السوريين خائفون وهذا حق مشروع من جراء ما عاشوه من سنوات قمع وموت وبطش ودمار من النظام وحلفائه، إضافة إلى أن الغالبية أصبحت أسيرة للسردية التي يروجها إعلام النظام بتخويف بعض السوريين من بعضهم الآخر، بعضنا يخشى أيضاً أن يتبدد أمله لسبب أو آخر فيسرقوا منا قدرتنا على الحلم والطموح، خائفون أيضاً من أن يسرقوا الجزء البسيط من الأمان الذي غذاه السوريون في دواخلهم.

ربما لا توجد ضمانات يمكن لأحد أن يمنحنا إياها تثبت أن التغيير الحاصل سوف يكون إلى الأفضل وعلينا أن نختبر ذلك بالتجربة لكننا، لا يمكن بالطبع أن نعتقد أن الأشياء ستتغير من تلقاء ذاتها إذا لم نحرك ساكناً، فنحن محكومون بالتغيير بشكل أو بآخر على أمل أن ننال الأفضل الذي يستحقه السوريون.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

زر الذهاب إلى الأعلى