معرض “غزة الباقية”… القطاع يجوب مدن العالم

محمد بدر

تمكنت صورة طفلة غزّية من تحطيم قلبي. لقد أبكتني رغم تعرضي المستمر لقصص وصور الفلسطينيين”، تقول الفنانة الرومانية وممثلة “فريق جمع التبرعات لفلسطين في رومانيا”، أرميتا ماندرس، في ردها على سؤال “العربي الجديد” عن قدرة معرض “غزة الباقية” في التأثير بمن تعرّض له من مواطني بلدها التي “تعيش حالة من التضليل بسبب البروباغندا الإسرائيلية والسياسات الرسمية المساندة للاحتلال الإسرائيلي”، وفق قولها.
ولعلّ تلك هي جوهر رسالة “غزة الباقية” الذي يشرف عليه المتحف الفلسطيني في بلدة بيرزيت قرب مدينة رام الله، إذ يشير بيان المنظمين إلى سعي المعرض للتصدّي للتضليل الإعلامي وتزويد الجمهور العالمي بمعلومات ومراجع لفهم غزّة ضمن سياق فلسطين والمنطقة والعالم، عبر توظيف النصوص والرسومات والمواد السمعيّة والبصريّة، لاستكشاف الجوانب التاريخيّة والاقتصاديّة والجغرافيّة والديمغرافيّة والإبداعيّة للحياة فيها.
يغطّي معرض “غزة الباقية”، وفق بيان المنظمين، الحروب الطويلة التي عاشتها فلسطين، والمطامع السياسيّة والاقتصاديّة للدول الكبرى في مواردها وإرثها الحضاري، والسرقات الأثريّة التي تعرّضت لها فلسطين، وغزّة خصوصاً، منذ عهد الانتداب البريطاني إلى يومنا هذا، وما رافق ذلك من تداعيات سياسيّة وأثر مباشر على الأحداث اليوميّة وحياة السكّان الأصليّين، مروراً بالمجازر والتطهير العرقي الممنهج بدءاً من نكبة عام 1948، وصولًا إلى نكبة عام 2023 وحرب الإبادة على قطاع غزّة.
تؤكد الفنانة الرومانية مادريس أنها لا تجد طريقة في التأثير بالرأي العام الروماني والعالمي، أفضل من مشاركة قصص فلسطين وتاريخها عبر الفن الذي ينتجه الفلسطينيون، ويحاولون من خلاله تمثيل أنفسهم والحقيقة، ما دفعها إلى المشاركة في افتتاح معرض “غزة الباقية” في العاصمة الرومانية بوخارست. فمن وجهة نظرها، الصدمة التي تخلقها المواد البصرية للأشخاص الذين يتعرضون لها كافية لدفعهم إلى التفكير بمنطق آخر في الاحتلال.
“الأطفال لهم مكانة خاصة في قلبي، ويشاركني في ذلك معظم الناس، ولعلّ قصص أطفال غزة وصورهم قادرة على استثارة مشاعرهم الإنسانية، وصولاً إلى أفكارهم السياسية”، تقول مادريس. فكان الهدف من وجهة نظرها أن يعي العديد من الرومانيين، الذين قد لا يفهمون ما يحدث في غزة من مظاهر إبادة جماعية ولماذا تحدث، حقيقة الأشياء، خصوصاً أن وسائل الإعلام الرومانية لا تعرض قصص الفلسطينيين وصورهم من خلال عدساتهم، بل تعتمد بالمطلق على الرواية الإسرائيلية.
لكن الوصول إلى قلوب الجماهير وأبصارهم ليست بهذه السهولة، إذ تواجه النشاطات المرتبطة بفلسطين في رومانيا العديد من التعقيدات، وعندما تفشل القرارات الرسمية في منع فعالية ما، يصطدم القائمون عليها بالثقافة العامة المتأثرة بالبروباغندا الإسرائيلية. ولعلّ إيجاد مكان مناسب لتنظيم الفعالية هو الجزء الأصعب في مهمة تنظيمها، وقد حدث هذا خلال التحضير لمعرض “غزة الباقية” تقول مادريس، والأمر نفسه واجهه طلاب من جامعة مونتريال في كندا، لكنهم نقلوا المعرض إلى أماكن أخرى غير مغلقة، وساعد في ذلك طبيعة تصميمه المرنة التي تتيح نقله، يوضح المدير العام للمتحف الفلسطيني عامر الشوملي لـ”العربي الجديد”.
وفق الشوملي، فإن التركيز على حركات التضامن مع القضية الفلسطينية حول العالم والحراكات الطلابية والسياسية التي تحاول تغيير سياسات حكوماتها نحو حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة، هو أحد أهداف المعرض، فقد صُمّم لكي يكون بمثابة أداة للحشد والتعبئة حول العالم، بغض النظر عن الجهة التي ستقبله أو المساحة التي سيعرض فيها. وقد نجحت هذه المهمة، إذ استقبل المتحف الفلسطيني نحو 99 طلب استضافة للمعرض، وقد جال في 100 مكان حول العالم في 33 مدينة بأماكن عرض مختلفة، ومن المتوقع عرضه في 109 مدن حتى نهاية العام.

لم يعدّ المكان عائقاً بالنسبة إلى القائمين على المعرض في مختلف بلدان العالم، فقد دخل منازل خاصة بطلاب جامعيين في عدة دول أوروبية، وطُبع رمز الاستجابة السريع للمعرض ونُشر في الشوارع ومحطات الباص والمقاهي العامة بهدف الوصول إليه إلكترونياً من دون طباعته. هذه الممارسات المختلفة بحد ذاتها، تحقق الهدف الأساسي من المعرض، وهو خلق مساحات وتوفير أدوات للمتضامنين مع القضية الفلسطينية للوصول إلى أكبر عدد من الناس وخلق شريحة أوسع من المتضامنين، يوضح الشوملي لـ”العربي الجديد”.
يرى الشوملي أن تعرّض “غزة الباقية” لتاريخ فلسطين مع إبقاء غزة في المركز من هذا التاريخ، هدفه تأكيد السياقات الاجتماعية والثقافية للمدينة التي خلقت سياسات الاستعمار صورة نمطية حولها لدى الرأي العام العالمي بأنها كيان منفصل ومنعزل عن السياق الفلسطيني، وقد عزز المعرض فكرة أن السياسات المختلفة تخلق أنماطاً مختلفة من الظواهر الثقافية، فغزة مثلاً تعاني من الحصار، وهذا بكل تأكيد له تأثير في خيال فنانيها ومثقفيها وناسها، لكن هذا لا يعزلها عن فلسطين.

 

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى