فيما يصعب هضم رقم الـ100 مليون دولار، التي قِيل إنها تكلفة مصاهرة جديدة ضمن شبكة العائلات “العلوية” النافذة، والمقرّبة من رأس هرم النظام السوري، يمكن في الوقت نفسه، توقع أن والد “العريس”، قد أنفق بضعة ملايين من الدولارات، بالفعل، لتدشين زواج ابنه من ابنة بشرى الأسد، في حفلٍ ينسجم مع نمط الحياة التي بات يعيشها الجيل الثالث من أبناء هذه الشبكة العائلية، بالتزامن مع أسوأ انحدار معيشي عرفته سوريا، منذ نحو قرن.
فأحد أركان المصاهرة الجديدة، نزار أسعد –والد العريس- ليس رجل أعمال واجهة، عُرضة للاستبدال حين الضرورة، بالنسبة لنظام الأسد. بل هو من البطانة الداخلية له. وعلى منوال ما حدث اليوم، بدأت القصة قبل نحو خمسة عقود، حين اقترنت القرابة بالمصالح، لتشكّل تحالفاً وطيداً. فمحمد مخلوف، خال بشار الأسد، والذي دشّن اقتصاداً موازياً لاقتصاد “الدولة”، يمثّل “بزنس” العائلة الحاكمة والعائلات المتصاهرة معها، كان عرّاب نزار أسعد، نهاية السبعينات، بدفعٍ من قرابة زوجته المنحدرة من آل مهنا، مع والدة نزار أسعد. لتبدأ مسيرة صعود هذا الأخير، التي لم يقف حائل أمامها، بقدر ما كانت هادئة، وبعيدة عن الأضواء. وكانت ثروة سوريا النفطية الواعدة، في ثمانينات القرن الماضي، أبرز مرتعٍ لنشاط هذه الشبكة العائلية. ومصدر رئيس لثرائها. وكان نزار أسعد، بخبراته في مجال التعهدات الهندسية بدايةً، والنفطية لاحقاً، واحداً من أبرز الفاعلين المؤثرين ضمن هذه الشبكة.
وفيما تتفق المصادر حول الخلفية الطائفية والعائلية التي يتحدّر منها نزار أسعد، تختلف في الخلفية الطبقيّة التي ترعرع في ظلها. وهناك في ذلك، ثلاث روايات. الأولى التي يُروّجها أزلام أسعد، نفسه. حول أنه يتحدر من عائلة “ثرية” افتتحت مصنعاً لإنتاج الحرير منذ عام 1890. أما الرواية الثانية، وهي الأكثر رواجاً، حتى في وسائل إعلام معارضة، فهي تنسب نزار أسعد لعائلة “علوية” ميسورة الحال. إذ تخرج والده من الجامعة بفرنسا عام 1943، ليؤسس شركة صغيرة للتعهدات في ستينات القرن الماضي، قبل أن يتخصص في مجال التعهدات الكهربائية. ووفق هذه الرواية فقد درس نزار أسعد، الهندسة المدنية، وتخرج في سبعينات القرن الماضي، قبل أن ينضم إلى أعمال والده التي توسعت لتشمل بناء الفنادق ومجالات أخرى، بالتزامن مع بدء عهد حافظ الأسد، في السلطة. فيما الرواية الثالثة، وهي الأقل انتشاراً، تتحدث عن نشأة اجتماعية متواضعة للغاية، لنزار أسعد، وتجعل نقطة البدء في مسيرة صعوده، دوره في عقد صفقات خفيّة بين أهالي أثرياء لطلبة جامعيين كان يدرس معهم في السبعينات، وبين متنفذين من “طائفته” موظفين في مؤسسات “الدولة”. وكان موضوع هذه الصفقات، مناقصات حكومية، مقابل سمسرة.
وأياً كانت الرواية الأدق حول الخلفية الطبقيّة لنزار أسعد، فإنه من المتفق عليه أن اللحظة المحورية في حياته، التي بدأ معها صعوده ليتحوّل إلى واحدٍ من أثرى أثرياء سوريا، كانت حينما “تبناه” محمد مخلوف. ليُوصف في مرحلة لاحقة، بـ”امبراطور النفط السوري”. وبقدر ما هو صعب تقييم مدى موضوعية هذا التوصيف، بقدر ما هو واضح، كيف أن نزار أسعد، تميّز عن باقي أركان الشبكة العائلية “العلوية” النافذة، عبر الابتعاد أكثر عن مركز الأضواء، تحديداً، خلال العقدية الأخيرة، وأصبح من النادر أن يرد اسمه في عوالم “البزنس” المرتبطة بالنظام. وقد استطاع بفضل هذه الاستراتيجية أن يقنع السلطات البريطانية برفع العقوبات عنه، في عام 2021، قبل أن ينجح في رفع عقوبات الاتحاد الأوروبي عنه في عام 2023.
أحد تكتيكات نزار أسعد لتحقيق ذلك، كانت مغادرة سوريا، عام 2012، مع خلق إيحاء بأنه خرج من عالم الأعمال الداعم للنظام، عبر بيع معظم استثماراته في البلاد، ليقيم في لبنان، حينها. وهناك كانت أبرز ساحات العمل التي نشط فيها، لتحقيق هذه الغاية، قبل أن يحصل على الجنسية اللبنانية في نهاية عهد الرئيس الأسبق ميشال سليمان. ومن ثم نالت ابنتاه، وصهراه، الجنسية اللبنانية، في عهد ميشال عون. كان ذلك في مرحلة لاحقة من حصوله على الجنسية الكندية، التي لا تتوافر معلومات حول متى وكيف حصل عليها. كذلك شكّلت دبي، تحديداً منطقة جبل علي، ساحة أخرى من ساحات نشاطه الخارجي، عبر تأسيس شركة “أوف شور” عائدة له، هناك. إلى جانب نشاطه الاستثماري الضخم في الجزائر. ويُعتقد أن أسعد ينفّذ نشاط تبييض أموال عبر دبي والجزائر.
وفي حين يحاول نزار أسعد، جاهداً الإيحاء للمراقب الخارجي، بأنه أخذ خطوات بعيداً عن نظام الأسد، يكفي بعض التحرّي للكشف عن استمرار مصالحه ونشاطاته بالداخل السوري، واحتفاظه بحظوته لدى “صانع القرار” في أعلى هرم النظام. من ذلك، حينما كشفت صحيفة “الثورة” الرسمية في خريف 2020، أن شركة مملوكة لأسعد، حصلت على عقد صيانة لمصفاتي النفط الحكوميتين، في حمص وبانياس، بعدة ملايين من الدولارات.
وفي عام 2022، كشف تقرير استقصائي مشترك صدر عن البرنامج السوري للتطوير القانوني ومرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، أن شركة زيت زيتون يملك نزار أسعد 40% من أسهمها، حصلت على تعاقدات تقترب من 26 مليون دولار أميركي، مع برنامج الأغذية العالمي، في أحد مشاريعه الإغاثية في سوريا، خلال عامَي 2019 و2020. ويُعتقد الآن على نطاق واسع، أن نزار أسعد من أبرز أدوات النظام السوري في الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليه، عبر شبكة نشاطاته وعلاقاته الخارجية.
في نهاية المطاف، لا تبدو تفاصيل وتكلفة حفل زفاف ابن نزار أسعد وابنة بشرى الأسد، مهمة، بقدر ما تُعتبر دلالات هذه المصاهرة الجديدة، بوصفها ترسيخاً لأواصر القرابة والمصالح المنسوجة منذ عقود، والتي تحكم سوريا فعلياً منذ ذلك الحين. ولا يبدو، حتى الآن، أن التصدعات المحدودة في علاقات أركان شبكة العائلات النافذة تلك، كفيلة بتفكيك النواة الصلبة للأقلية الحاكمة في هذا البلد.
المصدر: المدن