منذ تعيين السيد حسن نصرالله أميناً عاماً عام 1992، لم يشهد حزب الله تغيرات جوهرية في هيكليته القيادية إلا في إطار محدود عام 2020، ضاعف يومها مهام مسؤول لجنة التنسيق والارتباط الحاج وفيق صفا، والمعاون السياسي الحاج حسين الخليل، مقابل سحب ملفات سياسية داخلية من مسؤول سرايا المقاومة والتواصل مع الأحزاب الحاج ساجد. بعد استشهاد عماد مغنية، تم تعيين ابراهيم عقيل ولاحقاً عيّن فؤاد شكر وان لم يؤرخ تعيينه. لكن أي تغيير لم يطرأ على المجلس التنفيذي ومجلس الشورى ومكتبه السياسي.
نجح الحزب، الذي نمت بيئته الحاضنة بعد تموز 2006، في أن يتحول إلى قوة سياسية وعسكرية رئيسية. شكل شخص أمينه العام رمزاً مقاوماً، تمتع بحضور قوي في بيئته، والبيئات الأخرى نسبياً. مع رحيله وعدد من قيادات الصف الأول تلقى حزب الله ضربة قوية، هزت هيكليته، وشهد إرباكاً حزبياً كبيراً. المؤكد أن أثر غياب نصرالله سيتمظهر أكثر بعد انتهاء الحرب الحالية للحزب مع إسرائيل، وبعد عودة عناصره من الميدان. قد لا يدخل حزب الله في تشظيات داخلية كغيره من الأحزاب، بالنظر إلى كونه حزباً يمتلك عقيدة روحية، يمكن لها أن تسهم في تسريع إعادة ترميم جسمه وتوحيد صفوفه، ولكن الندوب ستبقى، وسيحتاج وقتاً ليرمم قاعدته ويمتنها ويعالج خللاً في الأمن والسياسة معاً.
تعيين بالمراسلة
فرض رحيل نصرالله وأربعة من قادة الصف الأول إعادة هيكلة تنظيمه الداخلي. استحقاق صعب خاضه الحزب الذي ورغم عقيدته الاستشهادية بقي رحيل أمينه العام بعيداً عن ذهنه. الحزب الذي سيسجل التاريخ هذا العدد من الاغتيالات التي شهدها في أولى أيام حربه مع إسرائيل، سيشهد له بالمقابل سرعة النهوض بالاتفاق على تعيين الخلف.
“مباشرة” أو “بالمراسلة”، وبالرغم من الطوق الأمني المفروض عليه من قبل إسرائيل، نجح في انتخاب أمين عام خلفاً لنصرالله. وقع الاختيار على الشيخ نعيم قاسم لخلافته. كان هذا التعيين بمثابة الاستحقاق “الكبير” الذي تجاوزه. وسواء أعلن رغبته بالترشح أو رُشح، التفصيل هنا ليس مهماً بقدر ما أن الأهم هو التمكن من تجاوز الغياب بانتخاب الخلف في مهلة لم تتعدَ العشرة أيام، وضمن القوانين المتعارف عليها داخل حزب الله. تعيين أراده حزب الله “كدلالة على أن المؤسسة لا تزال تعمل كما كانت عليه قبل الحرب ولم تشهد تغييراً على المستوى التنظيمي”.
مناقلات جديدة
ومؤخراً أجرى حزب الله مجموعة مناقلات وتعيينات فرضتها “الشهادة في الميدان” والظروف الأمنية”، مما عزز الحضور السياسي للحزب على حساب حضوره الأمني، وعادت علاقاته مع الأحزاب والكتل النيابية إلى معناها السياسي بعيداً عن الأمن، بما يؤكد “أن حزب الله وكما هو جامد وصلب على مستوى الميدان كذلك الأمر في علاقاته السياسية التي استأنفها مع القوى السياسية”، من خلال كتلته النيابية التي تقدم دور نوابها على حساب غياب الأمنيين.
كانت اجتماعات المجلس السياسي “صعبة والاتصالات غير مؤمنة كما التواصل”. لكن النواب تمكنوا من العودة إلى ممارسة مهامهم النيابية من خلال اجتماعاتهم في مجلس النواب. وقد أسندت لعدد منهم كما لشخصيات غيرهم خلف الكواليس، “مهام إضافية وتسلموا ملفات كانت مسندة لغيرهم”.
ملء الفراغات
ولا يعني هذا أن حزب الله أجرى تبديلاً في هيكليته الداخلية، بقدر ما هي تعيينات لملء الشواغر الناتجة عن ظروف الميدان والاغتيالات الإسرائيلية. وقد تمكن حزب الله من ملء الشغور الناتج عن استشهاد عدد من قياداته، وأجرى تعيينات جديدة، وكلف أناساً جدداً بمهام قيادية “تعيين فرضته ظروف المعركة والاستشهاد، حيث تم تعيين خلف لكبير المستشاريين العسكريين فؤاد شكر، والقيادي العسكري إبراهيم عقيل والقيادي العسكري فضل كركي”. يوضح المقربون حقيقة الخطوات بالقول: “نخوض معركة في الميدان، واستشهاد قادة المحور يفرض تعيين البديل مباشرة. هي ليست مناقلات، والهيكلية الحزبية من القيادة العسكرية إلى مسؤول الشعبة في الناقورة يمارس كل مهامه كالمعتاد، ومن يستشهد يتم تعيين البديل عنه مباشرة”.
ومؤخراً سرت بعض الأخبار التي تتحدث عن تعيين خليفة لمسؤول لجنة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، وقيل أيضاً أن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد بصدد التنحي عن رئاسة الكتلة. أخبار ينفيها حزب الله ويقول “إن صفا بخير. لكن ونظراً لصعوبة تنقله ولأسباب أمنية تم تعيين مندوب عنه يقوم بمتابعة مهامه ويتواصل مع من يفترض أن يتواصل معهم”.
تنحي رعد!
أما عن تنحي رعد ورغبته التخلي عن مسؤوليته فقد أكدت المصادر أن رعد مستمر في مهامه على رأس الكتلة ويتحمل مسؤولياته الحزبية الموكلة اليه، وكذلك بالنسبة إلى النواب الذين يمارسون أعمالهم حيث يتوجب”.
ويوضح حزب الله “هي الإجراءات الأمنية التي فرضت بعض الترتيبات والإجراءات الضرورية، لاسيما بعد استشاهد السيد وغيره من القادة، ما استوجب اتخاذ مزيد من الاحتياطات الأمنية. وحيث يتعذر الاتصال، فقد أوكلت المهمة لآخرين لمتابعة بعض الملفات، وتم ايجاد البدائل في المراسلة، إما خطياً او عبر موفدين”.
ترتيب البيت الداخلي
يؤكد حزب الله بأنه” يعيد ترتيب بيته الداخلي بعد الغياب القسري لقادته”. دليله إلى المعافاة “أن جميع من ينتمي إليه من قادة وعناصر وموظفين قد تقاضوا راتبهم قبل يوم من نهاية الشهر مع بدلات إضافية على سبيل الدعم. وهذا معناه أن المؤسسة مستمرة ومستقرة وقد تجاوزت القطوع إلى حد كبير”.
يبقى أن كل هذه التعيينات التمهيدية ربما ستكون لمرحلة انتقالية، ذلك أن الحزب على موعد بعد انتهاء الحرب مع مراجعة شاملة، تستلزم وجود هيكلية تنظيمية جديدة، ونهضة تفرضها الظروف والمستجدات على كل المستويات.
المصدر: المدن