زينب السعود روائية أردنية متميزة لها العديد من الروايات. العبور على طائرة من ورق هي أول رواية أقرأها لها. وهي تعتمد في سردها لغة المتكلم على لسان شخصيات الرواية حيث تنقسم الرواية الى فصول حيث يتابع كل فصل السرد من أحد الشخصيات.
تبدأ الرواية من حدث مركزي حيث يتواجد عدد من المبتعثين من الطلاب والطالبات الأردنيين : هناف وأمجاد واليأس وفرات وغيرهم إلى جامعات أوكرانيا حيث درسوا في مدينة أوديسا. وتحصل الحرب الروسية الأوكرانية عام ٢٠٢٢م. مما يدفعهم للهروب من الحرب التي وصلت الى مدينتهم واصبحوا تحت خطر الموت جراء القصف الروسي. إضافة لتوقف الجامعات وتعطل الدراسة. هربوا متوجهين الى بولندا برا في ظروف طبيعية قاسية. كانوا مجموعة من الطلاب الذكور والإناث. يعرفون بعضهم من الجامعة والبعض من قبل في الاردن. كانت الوشائج الإنسانية بينهم قوية. ووصلوا الى بولندا ومنها تمّ اجلاؤهم الى عمان ليصلوا الى ذويهم سالمين.
عند عودة هؤلاء الطلبة الذين لم تنتهي دراستهم الجامعية هناك. وجدوا ان صعوبات قاسية تواجههم. فهم خرجوا دون وثائق دراستهم سنوات الدراسة ودرجاتهم العلمية. وكل ذلك يحتاج لتوثيق. وهذا له صعوبته. وكذلك صعوبات النقل الى الجامعات الاردنية والقبول فيها لإكمال الدراسة. هذا غير واقع كل شخصية منهم على حدى. بما عاشه نفسيا ومجتمعيا وما ترسب في عقله ونفسه وحياته من نتائج يتحكم بعضها في حياته. والبعض يحتاج لمتابعة أموره الحياتية ومعالجة مشكلاتها. تماما مثل الانقطاع العلمي وتجاوزه. ويضاف الى ذلك ان كل من هذه الشخصيات لها امتدادها العائلي والمجتمعي الذي انعكس وينعكس على حياة هذه الشخصيات كل الوقت.
هتاف الفتاة التي درست الطب تلبية لرغبة والدها الدكتور عبد السلام. ولكن هي غير راغبة بهذا الفرع. فهي ترى أن نزوعها ادبي وأنها تود لو درست الآداب ستحارب وتساعدها الظروف المحيطة بما فيها نكبة وفاة اختها وابنها في حادث سير وإنقاذ ابنة اختها من رحم الاخت وهي ميتة نتيجة الحادث. لتعيد بدايتها من الصفر في دراسة الآداب…
الياس الشاب ابن البيئة الفقيرة لكن يجد الدكتور عبد السلام ذي اليد البيضاء يقف بجواره ليكمل دراسته ويبتعث في دراسة الطب في اوكرانيا ويكون بجوار ابنته هتاف يساعدها ويهتم بأمرها كل الوقت. وتمر مرحلة الدراسة والعودة وتتواجد عواطف مستترة واحيانا تظهر بين هتاف والياس تعطي احساسا بانهما قد يكونا مشروع زوجين ناجحين. سيكون هناك دور الياس في الاستحصال على الثبوتيات الجامعية المطلوبة من الجامعة في أوكرانيا لمتابعة دراسة هتاف والياس نفسه وامجاد وغيرهم…
امجاد الفتاة التي ولدت تحمل مشكلة ولادية فهي انثى ظاهرا ذكر في بنيتها العضوية الداخلية. يعلم الدكتور عبد السلام بحالها من عمتها حبيبته السابقة. يتابعها في ابتعاثها ثم في مساعدتها لتتابع دراستها في تركيا لعلها تتابع معالجة حالتها بالعلاج الهرموني وغيره لتعود الى هويتها الحقيقية كذكر. تم ابعادها من عمان الى تركيا لكي تحمي نفسها من المجتمع الغير متفهم احيانا والظالم في تصنيفاته. هذا غير ظرفها الاجتماعي الخاص حيث توفي والدها باكرا وتركتهم امهم وتزوجت وتفرغت عمتهم لرعايتهم والاهتمام بشؤونهم…
هكذا تسير أحداث الرواية تتابع رسم صورة كل شخصية مع ظروفها العائلية والمجتمعية. وتطورات ما يحصل معها وضمن بيئتها في الحياة. بما فيها من اقدار…
حب موؤود لا يتحقق كما حصل بين الدكتور عبد السلام وأميرة عمّة أمجاد. يبقى غصة في حياة كل منهما.
أزمة وجودية بتناقض الهوية الذاتية بين ذكر قابع داخل النفس ومظهر وسلوك نسوي مجبورة عليه كما حصل مع امجاد.
وفاة ابنة الدكتور عبد السلام وابنها حفيدته مع ما مثّل نكبة حياتية له وللعائلة. وان الله عوضهم بحفيدته التي أخرجت من رحم أمها المتوفاة بالحادث.
أما زياد الشاب الفاشل الذي يقتصر دوره على الإساءة لكل المحيطين به. ومنهم امجاد والآخرين. لم استطع فهم خلفيات سلوكه العدواني. لعله الحسد وإحساسه بالنقص أمام تفوق الآخرين عليه بانجازهم العلمي.
تنتهي الرواية وزلزال تركيا يضرب غازي عينتاب وكثير من المدن التركية مع نتائجه الكارثية. الكل يتابع ما حصل هناك وما هي اخبار امجاد مع تمنيات له أو لها بالسلامة.
في التعقيب على الرواية اقول:
لقد نجحت الرواية في ادخالي في عالمها بطريقة السرد والعمق في تقصي الشخصيات ودراسة دوافعها. مع التعمق في عوالمها النفسية والمجتمعية. وعقدها وأمراضها النفسية وظروف المجتمع المحيط بدء من العائلة ودوره في معالجة مشاكل الذات الانسانية او زيادة تفاقم مأساتها.
نجحت الكاتبة في خلق عوالم كاملة لشخصيات روايتها. دون تصنع بأسباب موجبة. نعم يوجد في الحياة امثال الدكتور عبد السلام الرجل الايجابي وذي اليد البيضاء تجاه كل من حوله. لقد كان النور الذي يقود بهديه خطى كل المحيطين به. فكر وسلوك ايجابي وعطاء دائم. كنت انتظر كقارئ ان افهم اكثر عن دوافع الخير فيه. ما مصدرها وما الذي جعله نموذج خير نحب ونتمنى ان نكون على شاكلته.
كذلك لماذا كان زياد نموذج ابليس دور وسلوك شرير كل الوقت.
نعم إن الشخصية الانسانية مجبولة على الخير والشر وينتصر الإنسان ذاته على جوانب الشر به فيكون خيرا . أو ينتصر على جوانب الخير فيكون شريرا. وكل يكتب سيرة حياته التي يواجه بها نفسه وربه…
اخيرا يكفي الرواية إيجابية انها أسرتنا في قراءتها. وجعلتنا نعيش هذه التساؤلات. و راكمت في نفوسنا وعقولنا من خبرات حياتية ستكون لنا نورا في متابعة السير في طريق الحياة…
رواية “العبور على طائرة من ورق” للروائية الأردنية “زينب السعود” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن معاناة شابات وشباب اردني مبعوثين للدراسة بأوكرنيا “أوديسيا” وإندلعت الحرب الروسية على اوكرنيا مما إضطرهم للهروب الى بولندا ومنها العودة الى الأردن “عمان” ليجدوا بإنهم طلاب جامعة بدون وثائق تحدد مراحل دراستهم.