يحبس العالم أنفاسه في انتظار يوم “الثلاثاء الكبير” في الخامس من الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني)، يوم الانتخابات الأميركية الذي وصفه مرّة الروائي الأميركي هنري ميلر بأنه “اليوم الذي ينصب فيه الأميركيون، داخل سيرك البيت الأبيض، رئيسا وغدا أو أبلها، أو من قد يمتلك الصفتين معا، يولونه رئاسة كارثة يقذفون العالم بها”.
ويتنافس على كرسي البيت الأبيض هذه المرّة الديمقراطية كامالا هاريس الفخورة باسمها الذي يعني باللغة الهندية “شجرة اللوتس”، و”المتصالحة مع أصلها الثنائي، الهند وجامايكا” بحسب ما قالت، ولذلك تطرح نفسها مدافعة عن اللاجئين، وعن السود والفئات المهمّشة في المجتمع، وإن كان خصومها يتهمونها بأنها كانت “شرطية أكثر مما يجب في محاربتها اليساريين” عندما كانت مدّعية عامة في ولاية كاليفورنيا، كما معروف عنها تبنّيها الإجهاض والمثليين، ويقال إنها رعت مرة حفل زواج لمثليين، ما جعلها موضع نقد من شرائح واسعة في المجتمع الأميركي. ولو قدّر لهاريس أن تفوز فستكون أول امرأة تحكم أميركا، وتحكم العالم.
المرشّح المنافس لها، الجمهوري دونالد ترامب القادم من نادي رجال الأعمال محمّلا بعشرات الفضائح والتهم القضائية، والمعروف بشعبويته طوال أربع سنوات رئاسية، وما يقال في نقده الكثير، حتى أن الرئيس جو بايدن في دردشة أخيرة له مع صحافيين روى أن زعماء العالم “مرعوبون” مما يمكن أن تفعله عودة ترامب على العالم، وعلى النظام الديمقراطي، وإنهم في كل اجتماع دولي كانوا يأخذونه جانبا، الواحد تلو الآخر ليعبّروا له عن هذا الشعور.
ومع فوز أيٍّ من المرشّحين، لن يكون الحال بالنسبة للعرب وللمسلمين أفضل مما هم عليه، فالمعروف أنهما يتسابقان في دعم إسرائيل وحقها المزعوم في الدفاع عن النفس، وإن كانت هاريس، باعتبارها ممثلة للديمقراطيين، قد تكون أكثر تعاطفا مع المأساة التي يعيشها الفلسطينيون، وأكثر قرباً من “مشروع الدولتين”، فيما يبدو ترامب “إسرائيليا” في دعمه الدولة العبرية أكثر من أي إسرائيلي آخر، وهو الذي نقل سفارة بلاده إلى القدس، وهذا بعض ما يدفع الناخبين الأميركيين من العرب إلى التفكير في التصويت لهاريس، وإنْ قد تلجأ نسبة معتبرة منهم إلى عدم التصويت، وبعضهم قد يعطي صوته، نكاية بالمرشحيْن الاثنين، إلى مرشحة حزب الخضر جيل ستاين، وإن كانت خسارتها محسومة، وبعض آخر قد يعطي ورقة بيضاء أو يمتنع عن التصويت.
الانتقال إلى عالم متعدّد الأقطاب قد يحتاج عقودا قبل أن يأخذ مساره الطبيعي
وفي كل الأحوال، الحصة الأوفر من الكارثة التي قال ميلر إنها قادمة مع كل رئيس أميركي جديد سوف تكون، كما في كل مرّة، من نصيب منطقة الشرق الأوسط. وليس هذا الحكم من قبيل التنجيم، إنما هو نتيجة للمقدّمات التي نعيش في ظلها هذه الأيام، والتي تُنبئ بأننا مقبلون على كارثة ترسم خرائط، وتشرع معادلات، وتغير دولاً وأقاليم، وتطيح حركات وأحزابا وشخصيات تذكّرنا بما شهده عالم ما بعد الحرب الكونية الأولى أو الثانية.
وبالطبع، يكشف هذا الربط بين نتيجة الانتخابات الأميركية وما يحتمل أن يحدُث لنا الدور الذي تمارسه الولايات المتحدة في قيادة العالم، وإن أصبحت مساحة التأثير متاحة أيضا، بقدر ما، أمام قوى أخرى، مثل الصين أو روسيا، أما الانتقال إلى عالم متعدّد الأقطاب فقد يحتاج عقودا قبل أن يأخذ مساره الطبيعي. ودعك من المأخوذين بنبوءة الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو بخصوص “الإمبراطورية الآيلة للسقوط”، والذين لا يفعلون شيئاً، إنما يكتفون بالوقوف على حافات المحيط، منتظرين أن تجيء المياه بجثث أعدائهم!
جعل هذا كله الخامس من الشهر المقبل مناسبة عالمية مهمّة بامتياز، قد لا يفكّر الناخب الأميركي بأهميتها بالقدر الذي يفكّر فيه بمشكلاته اليومية المباشرة، مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والوقود، وفرص العمل، والضرائب، وكذلك مشكلات الهجرة واللاجئين والإجهاض والمثلية التي استجدّت في السنوات الأخيرة، وأحدثت حولها انقساما حادّا في المجتمع الأميركي. أما القضايا العالمية فلا تهمّه إلا بالقدر الذي تؤثر فيه على حياته، أو تنتقص من رفاهيته، وأهم قضيتين يمكن أن نجد لهما قدراً من الاهتمام لدى الناخب الأميركي حرب أوكرانيا وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزّة ولبنان، لكن هذا التأثير لن يتخطى مسألة الخطر الذي يمكن أن تواجهه إمدادات الطاقة التي تمثل عصب الحياة اليومية لدى الأميركيين.
وهكذا يظلّ العالم حابسا أنفاسه في انتظار الدخان الأبيض الذي سوف ينطلق من المجمّع الانتخابي الأميركي في يوم الثلاثاء الكبير.
المصدر: العربي الجديد