بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله والضربات القاسية التي تكبّدها الحزب أخيراً والعدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان، بدأت تبرز بوضوح على الصعيدين الرسمي والإعلامي محاولات إسرائيلية من أجل استغلال ما يشهده لبنان من تطورات والإيحاء بإمكانية حدوث تغيير في الوضع الداخلي اللبناني.
ظهر هذا على مستوى الحكومة الإسرائيلية من خلال شخص رئيسها نتنياهو الذي توجه إلى اللبنانيين أكثر من مرّة، ومن السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة الذي توجّه مرّة إلى الوفد اللبناني متحدثاً بالعربية مشجعاً الشعب اللبناني على استغلال الفرصة للتخلص من تحكّم حزب الله بمصيره. وهناك الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي يتقن العربية، ويطل علينا من خلال التحذيرات التي يوجهها إلى اللبنانيين بضرورة إخلاء منازلهم قبل تعرّضها للقصف، كما يتحفنا من حين إلى آخر بمحاضرات عن لبنان الجميل والحضاري وضرورة إنقاذه من قبضة حزب الله.
تُضاف إلى هذه الجوقة الإسرائيلية المحرّضة على حزب الله مجموعة من المعلقين والكتّاب الإسرائيليين الذين اعتبروا اغتيال نصر الله “نافذة فرصة” للتحرّر من قبضة حزب الله، أو “نقطة تحوّل” يمكن أن تكون لها تداعيات على الداخل اللبناني، ثم يدخلون في نقاشاتٍ تتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية، ويقترحون أسماء دون غيرها في محاولة دنيئة لتشويه صورة هذا المرشّح أو ذاك، من خلال تصويره المرشّح الأمثل في نظر الأميركيين، وفي نظرهم أيضاَ. ويتحدّثون عن بناء الجيش اللبناني، في مسعى واضح ومكشوف إلى التلاعب بالحقائق وصبّ الزيت على نار الخلافات والانقسامات الداخلية اللبنانية، التي تفاقمت وازدادت حدّة في ظل المأساة الكبيرة والكارثة اللتين تسبب بهما العدوان الإسرائيلي على لبنان.
من بين الأكاذيب الإسرائيلية ادّعاء نتنياهو أن ليس لإسرائيل مطامع إقليمية في لبنان، وكل ما تريده إبعاد تهديد حزب الله عن حدودها الشمالية
الواضح اليوم أن إسرائيل، من خلال عدوانها على لبنان، لا تريد فحسب، بحسب ادّعاءاتها، “تفكيك” القدرات العسكرية لحزب االله وإضعافه، بل تسعى جاهدة أيضاً إلى تفريغ الجنوب اللبناني من سكّانه، وأغلبيتهم من الشيعة، وتدمير منطقة البقاع التي هي أيضاً ذات أغلبية شيعية، بالإضافة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله. وهي من خلال التحريض على حزب الله تحاول زرع الفوضى وتوظيف الدمار والخراب في لبنان، في مشروعها لتفتيت هذا البلد بأكمله، من جنوبه إلى شماله، وضرب نسيجه الاجتماعي.
يسعى الخطاب الرسمي الذي تتبنّاه إسرائيل، أن حربها في لبنان ليست موجهة ضد الشعب اللبناني، إلى إيقاظ كوابيس قديمة لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين تعتبر أن لبنان دفع أثماناً باهظة دفاعاً عن الفلسطينيين وعن القضية الفلسطينية، وعانى من حروب إسرائيلية مدمّرة وانقسام داخلي بسبب هذه القضية، أدت إلى حرب أهلية أكثر من 15 عاماً، وأسفرت عن خضوع البلد لوصاية سورية أعواماً، واليوم مرة أخرى، يتحول إلى ساحة لمواجهة إسرائيلية – إيرانية ذريعتها حرب الإسناد التي قرّر حزب الله أن يخوضها ضد إسرائيل في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وأدت إلى ما أدت إليه.
تتلاعب إسرائيل كعادتها بالوقائع، وتشيع حقائق كاذبة لتبرير حربها المدمرة على لبنان. من بين الأكاذيب الإسرائيلية ادّعاء نتنياهو أن ليس لإسرائيل مطامع إقليمية في لبنان، وكل ما تريده إبعاد تهديد حزب الله عن حدودها الشمالية، لكن عندما نقرأ من كثب الشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار في لبنان، نقع على بند إسرائيلي جديد ومهم جداً، ضرورة أن يكون للجيش الإسرائيلي، بعد التوصل إلى تسوية ووقف إطلاق للنار، “حرية العمل” العسكري في المنطقة المحاذية للحدود، بحيث يتصدّى مباشرة لأي انتهاكات لقرار مجلس الأمن 1701 عبر عمليات عسكرية واقتحامات واعتقالات. وعملياً، ما تقترحه إسرائيل هو استنساخ لما يقوم به الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية في جنين وطولكرم ونابلس، إنه نوع من “ضفضفة” جنوب لبنان والاستفراد به، من هنا مطالبة نتنياهو برحيل قوات الأمم المتحدة (يونيفيل) التي يرى أنها فشلت 18 عاماً في تأدية مهمتها في تطبيق القرار 1701، ومنع الوجود العسكري لحزب الله بالقرب من الحدود.
إسرائيل في حرب ضدنا كلنا، ولم تكن ولن تكون في أي يوم مع لبنان حرّ ديمقراطي وتعدّدي
في ظل هذا العمل الإسرائيلي المحموم على استغلال الخلافات الداخلية اللبنانية بشأن ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية كي يتحدث بلسان كل اللبنانيين، للمطالبة بوقف إطلاق النار وإعادة كسب ثقة الدول العربية والغربية، يتفاقم النقاش الداخلي اللبناني بين حزب الله ومؤيديه وبين الأحزاب السياسية المعارضة له، وتبرز الاتهامات بالتخوين والتآمر ضد الحزب في فترة من أكثر الفترات حساسية وخطورة في الحياة السياسية اللبنانية.
أيها اللبنانيون: إسرائيل في حرب ضدنا كلنا، ولم تكن ولن تكون في أي يوم مع لبنان حرّ ديمقراطي وتعدّدي، وكل التجارب الماضية تثبت العدائية العميقة التي تكنها إسرائيل للبنان ونظامه السياسي التعددي ماضياً وحاضراً. لا تحارب إسرائيل لإضعاف حزب الله فحسب، بل تزرع الفوضى، وتريد وضع لبنان أمام خيار مستحيل، إما أن يقبل بشروطها التعجيزية للتسوية السياسية وأن يصبح جنوبه أرضاً سائبة يستطيع جيشها أن يجول ويصول فيه متى بشاء، أو أن يبقى مدمّراً ومكسوراً. ربما لا تدرك إسرائيل وجود خيار آخر، إمكانية أن يستيقط اللبنانيون مجدّداً ويتحدوا في مشروع إنقاذي لخلاص لبنان، يكون حزب الله مكوناً أساسياً فيه، من دون أي وصاية خارجية. قد يكون هذا من باب التمنيات، لكن لبنان لا يخلو من أصحاب الإرادات الحرّة لجعل الحلم حقيقة.
المصدر: العربي الجديد
ماهي النتائج المتوخاة من الحرب المتوحشة القذرة لقوات الإحتلال الصh يوني على لبنان؟ إن تطور الأحداث يوحي بحدوث تغيير في الوضع الداخلي اللبناني. تركيزها على إنهاء حzب الله وحاضنته الشعبية وتصنع الفوضى بالمجتمع اللبناني، ليعي الجميع بأن الكيان الصh يوني لم ولن يكون صديق لشعوب المنطقة لأنه يحمل وظيفة لا تتحقق إلا بتشرذم الجميع والسيطرة عليهم.