حماس، إسرائيل، وضباب السابع من أكتوبر

روبرت إنليكس ترجمة: علاء الدين أبو زينة

‏‏في حين أن الصورة العامة لما حدث يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) أصبحت أكثر وضوحا، فإن إجراء تحقيق مستقل هو ضروري لفهم الأحداث بشكل كامل.‏ وقد عرقلت إسرائيل إجراء مثل هذا التحقيق ودمرت الأدلة، خوفا على الأرجح من أن يكشف عن حقائق مزعجة يمكن أن تقوض الدعم الشعبي القليل المتبقي لعملياتها العسكرية المستمرة في غزة والضفة الغربية ولبنان.‏

                          *   *   *

‏مر عام الآن على هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، الذي قادته كتائب القسام التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وهناك نسختان متعارضتان تماما لأحداث ذلك اليوم: الرواية الإسرائيلية، وما تقترحه الأدلة.‏

في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، في الساعة 6:30 صباحا، شنت “كتائب القسام”، الجناح المسلح لحركة “حماس”، ‏‏هجوما‏‏ عسكريا استهدف المواقع العسكرية الإسرائيلية والكيبوتسات والمناطق المحيطة بها. ووفقا لتقرير من 16 صفحة أصدرته الحركة بعنوان “‏‏روايتنا‏‏”، كانت المهمة المعلنة لمقاتلي “حماس” هي مهاجمة المواقع العسكرية الإسرائيلية واحتجاز أسرى لمبادلتهم بآلاف الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية. كما أقر التقرير أيضا ببعض “الأخطاء” التي وقعت في الأعمال التي صاحبت الهجوم.‏

‏تزعم رواية إسرائيل أنه تم شن هجوم إرهابي غير مبرر ضدها، واستهدف المدنيين عمدا، بما في ذلك مزاعم بقطع رؤوس الأطفال وحرقهم وتقطيع أوصالهم، فضلا عن حملة اغتصاب جماعي مع سبق الإصرار. ووصفت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، الأحداث التي وقعت في ذلك اليوم بأنها “أسوأ فظائع ارتكبت ضد الشعب اليهودي منذ المحرقة”.‏

‏حصيلة القتلى‏

‏في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، سرعان ‏‏ما أفيد‏‏ بأن ما لا يقل عن 413 فلسطينيا قتلوا في الغارات الجوية الإسرائيلية في جميع أنحاء قطاع غزة. ومع ذلك، خضع عدد القتلى الإسرائيليين لعدة مراجعات قبل ظهور رقم دقيق. في البداية، ذكرت الحكومة الإسرائيلية أن 1.400 إسرائيلي قد قتلوا. وفي 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، ‏‏تم تعديل ‏‏هذا العدد إلى “حوالي 1.200” قتيل. وعزا المسؤولون الإسرائيليون هذا التفاوت في الأعداد إلى صعوبات في التمييز بين الجثث الإسرائيلية والفلسطينية بسبب الحروق الشديدة.‏

‏في النهاية، بلغ العدد النهائي للقتلى الإسرائيليين في هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) ‏‏1.139‏‏ شخصا، بينهم 815 مدنيا و324 جنديا أو شرطيا أو ضابط أمن. ومن شأن هذا التقسيم أن يشير إلى أن نسبة المدنيين إلى المقاتلين بلغت حوالي 3.5 إلى 1، على افتراض أن جميع الوفيات الإسرائيلية كانت من عمل المهاجمين الفلسطينيين.‏

وتشير إعلانات إحصائية مقبولة أخرى إلى ‏‏مقتل 695‏‏ مدنيا و373 مقاتلاً، إلى جانب 71 أجنبيا. وتسلط هذه الحصيلة الضوء على الجدل الدائر حول من يجب تصنيفه كمدني، حيث حمل العديد من الجنود الإسرائيليين خارج الخدمة والمقاتلين المدربين السلاح أثناء الهجوم، وبذلك حولوا وضعهم من مدنيين إلى مقاتلين.

‏الحرب الناتجة على غزة‏

‏وفقا ‏‏لمقال‏‏ كتبه جون سبنسر، رئيس دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة في ويست ‏‏بوينت في‏‏ 25 آذار (مارس)، فإن “إسرائيل وضعت معيارا جديدا لحرب المدن” في حربها على غزة. [اقترح سبنسر أن إسرائيل حققت نسبة منخفضة تاريخيًا من نسبة المدنيين إلى المقاتلين]. واستشهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في وقت لاحق بمقال سبنسر خلال ‏‏خطابه‏‏ أمام الكونغرس الأميركي في تموز (يوليو).‏

ومن الواضح أن ‏حجة سبنسر معيبة، لأنه يعتمد على ادعاءات النسبة الإسرائيلية التي لا تصمد عند فحص عدد القتلى الرسمي في غزة، لا سيما عند احتساب النساء والأطفال الذين قتلوا. يشير سبنسر إلى معركة الموصل في العراق 2016-2017 لتبرير ما يعتبره نسبة مقبولة من المدنيين إلى المقاتلين في الحروب الأميركية، مسلطا الضوء على نسبة 4: 1 حيث قتل 10.000 مدني مقابل كل 2.000 مقاتل من “داعش”.‏

‏باستخدام هذا المنطق العسكري وافتراض أن “حماس” هي التي كانت مسؤولة عن كل حالة وفاة إسرائيلية في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، تكون إسرائيل قد حققت نسبة قتل مدنيين إلى مقاتلين أكثر تفضيلًا مما حققته الولايات المتحدة في الموصل. ‏

وعلى الرغم من أن هذه المقارنة قد تصرف الانتباه عن القضية الأساسية وأنها ليست طريقة مناسبة لتقييم الأحداث بين غزة وإسرائيل، إلا أنه من المهم فهم المنطق وراء الرواية الإسرائيلية عن 7 تشرين الأول (أكتوبر) وما تواصل تبريره حتى هذا اليوم.‏

‏من قتل من؟‏

‏بدأ هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) باختراق السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، حيث تم إطلاق الصواريخ لتوفير غطاء لمقاتلي “حماس” الذين استخدموا الطائرات الشراعية. كما استهدفت طائرات انتحارية من دون طيار معدات مراقبة تابعة للجيش الإسرائيلي وأبراجا تحتوي على رشاشات أوتوماتيكية.‏

‏استهدف الهجوم، الذي أطلقت عليه “حماس” اسم “طوفان الأقصى”، في البداية سلسلة من القواعد العسكرية والبؤر الاستيطانية والجنود الإسرائيليين المتمركزين على معبر إيريز/ بيت حانون. ومع ذلك، ضرب أيضا مجموعة من الكيبوتسات الإسرائيلية، أو مجتمعات المستوطنين، الواقعة حول محيط غزة.‏

‏كما هوجمت مواقع مدنية أخرى مختلفة، أبرزها “مهرجان نوفا للموسيقى”، حيث قُتل المئات من المشاركين، حسبما ورد. ووفقًا للرواية الإسرائيلية، استهدفت “حماس” المهرجان عمدًا. وقد تردد صدى هذه الرواية في فيلم وثائقي حديث لهيئة الإذاعة البريطانية بعنوان ‏‏”سوف نرقص مرة أخرى‏‏” We Will Dance Again، الذي يتماشى مع الرواية الإسرائيلية للأحداث. ‏‏وقد علّق مخرج الفيلم الوثائقي، ياريف موزر، على هجوم مهرجان نوفا، معززًا هذا التفسير، فقال:‏

‏”ثمة حركة أصولية وحشية [حماس] تتطلع بتحمس مهووس إلى تدمير قيم المجتمع الغربي. كان هؤلاء شبابًا في مهرجان موسيقي يحتفل بالحياة والحب والسلام: ساذجين للغاية وبأرواح حرة. وواجهوا أكثر الناس فظاعة من الذين يقدّرون الموت”.‏

ومع ذلك، في وقت مبكر من تشرين الثاني (نوفمبر)، خلصت ‏‏تقارير‏‏ صدرت عن الشرطة الإسرائيلية إلى أن “حماس” لم تكن تخطط في البداية لاستهداف مهرجان نوفا، وإنما كان هدفها الأساسي هو كيبوتس قريب، “كيبوتس رعيم”. ‏

‏كما نشرت القناة 12 الإسرائيلية نتائج التقرير الأول الذي تضمن معلومات من وثائق “حماس” ومن الاستجوابات. ووفقًا لهذه المصادر، لم يعرف مقاتلو “حماس” عن المهرجان إلا أثناء العملية حيث دخلوا إلى الموقع من طريق سريع قريب.‏

‏ووفقًا ‏‏لتقرير‏‏ نشرته صحيفة ‏‏”هآرتس‏‏” الإسرائيلية، وجد تحليل للشرطة أن معظم رواد الحفل كانوا قد فروا من مهرجان نوفا قبل نصف ساعة تقريبًا من سماع أي إطلاق نار. وبالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن طائرة مروحية عسكرية إسرائيلية فتحت النار على المكان، مما أدى إلى مقتل بعض المشاركين في المهرجان.‏

‏أكد ‏‏تقرير‏‏ للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، صدر في 12 حزيران (يونيو)، “وجود ما لا يقل عن ثماني مروحيات هجومية إسرائيلية في مواقع مختلفة”، وأشار إلى أنه على علم بالتقارير التي تشير إلى أن هذه المروحيات العسكرية الإسرائيلية استخدمت لمهاجمة المركبات المدنية في موقع المهرجان. وجاء في التقرير أيضًا:‏

‏”وجدت اللجنة أن السلطات الإسرائيلية أعطت الأولوية لتحديد هوية الضحايا وإخطار العائلات والسماح بالدفن بدلاً من إعطائها للتحقيق الجنائي، مما أدى إلى عدم جمع الأدلة على الجرائم وحفظها، وخاصة الجرائم الجنسية. وتلاحظ اللجنة أيضًا فقدان الأدلة المحتملة بسبب عدم كفاية التدريب الذي تلقاه المستجيبون الأوائل”.

وخلص ‏‏تحقيق‏‏ نشر في صحيفة “‏‏يديعوت أحرونوت‏‏” الإسرائيلية في كانون الثاني (يناير) إلى أن ما لا يقل عن 70 مركبة دُمرت بنيران الدبابات أو الطائرات من دون طيار أو المروحيات الإسرائيلية، بناء على أوامر من القيادة العسكرية الإسرائيلية العليا بالحيلولة دون تمكن مقاتلي “حماس” من احتجاز رهائن “بأي ثمن”. ‏

‏وفي كانون الأول (ديسمبر) 2023، ظهرت ‏‏لقطات‏‏ تظهر دبابة إسرائيلية وهي تطلق النار على منزل مدني في “كيبوتس بئيري”. وتأكد لاحقًا أن القوات الإسرائيلية كانت مسؤولة عن مقتل 13 مدنيًا إسرائيليًا في ذلك الحادث، مما يعطي المزيد من التأييد لهذه الاكتشافات.‏

‏تظهر عدة مقاطع فيديو مقاتلي “حماس” وهم يشاركون في أعمال عنف داخل المناطق المدنية، بما في ذلك إطلاق النار العشوائي، وقتل غير المقاتلين، وإلقاء القنابل اليدوية على الملاجئ. وتسلط هذه الأدلة الضوء على حالات عنف، لكنها لا تثبت بشكل قاطع أن هذه الأعمال كانت جزءًا من استراتيجية أوسع معدة مسبقا مع سبق الإصرار. ‏

‏لا يوجد حتى الآن أي دليل قاطع عندما يتعلق الأمر بالمدى الكامل للمسؤولية عن غالبية وفيات المدنيين الإسرائيليين التي وقعت في 7 تشرين الأول (أكتوبر).‏

‏وهناك اعتبار مهم آخر هو أن “حماس” لم تكن المجموعة الوحيدة المتورطة في اختراق السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر). وأفادت التقارير بأن ما لا يقل عن خمس جماعات مقاومة فلسطينية مختلفة حذت حذوها، واستهدفت مواقع عسكرية ومستوطنات إسرائيلية.‏

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 4.000 شخص عبروا السياج من غزة في ذلك اليوم. وبينما قادت “حماس” المهمة، فإنه ما يزال من غير الواضح عدد القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا على أيدي مقاتلين من هذه الجماعات المسلحة الأخرى.

‏حدث هنيبعل جماعي؟‏

‏على الرغم من الأسئلة التي أثارتها العديد من وسائل الإعلام مثل “ذا كرادل” ‏‏The Cradle‏،‏ والمقالات الاستقصائية التي نشرتها مواقع “مندويس” ‏‏Mondoweiss‏‏، و”‏‏الانتفاضة الإلكترونية”‏‏ و”غراي زون” Gray Zone –التي أشارت إلى “توجيه هنيبعل” الإسرائيلي سيئ السمعة كعامل محتمل– تم إنكار تفعيل هذا المبدأ إلى حد كبير ووصف ما يُقال عن استخدامه بأنه نظريات مؤامرة.‏

من المهم ملاحظة أن توجيه هنيبعل، وهو أمر عسكري إسرائيلي مثير للجدل يهدف إلى منع أسر الجنود -حتى لو كان ذلك يعني قتلهم- اعترف باستخدامه العقيد في سلاح الجو الإسرائيلي، نوف إيريز، في كانون الأول (ديسمبر) 2023. ‏ ‏وأشار إيريز إلى ما حدث في 7 تشرين الأول (أكتوبر) على أنه حدث “‏‏هنيبغل جماعي‏‏”. ومع ذلك، فإن القبول واسع النطاق لتفعيل إسرائيل توجيه هنيبعل في ذلك اليوم لم يأت إلا بعد أن نشرت ‏‏صحيفة “هآرتس”‏‏ الإسرائيلية ‏‏مقالاً‏‏ مفصلاً عن ذلك في 7 تموز (يوليو).‏

‏تم نشر مقال ‏‏ صحيفة‏‏ ‏‏”هآرتس‏‏” المفاجئ، نقلاً عن مصادر عسكرية، قبيل نشر نتائج تحقيق عسكري إسرائيلي داخلي في أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر). وأكد التحقيق أنه تم تفعيل توجيه هنيبعل في ذلك اليوم. ‏

ومع ذلك، تضمّن التحقيق الرسمي العديد من التناقضات، بما في ذلك الادعاء بأن نيران الدبابات الإسرائيلية لم تقتل أي مدنيين في “كيبوتس بئيري”. وقد دحضت روايات شهود العيان وتحليل الطب الشرعي وأدلة الفيديو هذا التأكيد في وقت لاحق، مما يلقي بظلال من الشك على مصداقية التحقيق، ويثير مخاوف بشأن المساءلة داخل القوات الإسرائيلية.‏

‏جمع ‏‏تحقيق‏‏ أجرته محطة “إيه. بي. سي. نيوز” مؤخرًا جميع المعلومات ذات الصلة من مصادر إسرائيلية في ما يتعلق باستخدام إسرائيل لتوجيه هنيبعل. وبدد التقرير أي شكوك حول تفعيل التوجيه على نطاق واسع، وقدم دليلاً واضحًا على أنه لعب دورًا مهما في أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر).

‏40 طفلاً مقطوعي الرؤوس‏

‏تداولت وسائل الإعلام الإسرائيلية والمسؤولون الحكوميون الإسرائيليون ونظراؤهم الغربيون مرارًا وتكرارًا العديد من الادعاءات التي لم يتم التحقق منها حول أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر). وشملت هذه الادعاءات قطع رؤوس 40 طفلاً، وتعليق الرضع على حبال الملابس، وتحدث الإعلام عن امرأة حامل قيل إن طفلها قطع من رحمها.‏

‏قامت بترويج العديد من هذه القصص في البداية وكالة الإنقاذ الإسرائيلية “زاكا”، التي واجهت في السابق عيوبها الخاصة، بما في ذلك مزاعم بالفساد. وقد أسس المنظمة يهودا مشي زهاف، الذي اتهم بارتكاب مخالفات جنائية خطيرة. ‏

‏وفقًا لتقارير مؤكدة، توفي طفل واحد بشكل مأساوي في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، حيث قتل برصاصة أثناء تبادل إطلاق النار. وتم فضح الادعاءات الأخرى المتعلقة بموت الأطفال.‏

‏خلال خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي في تموز (يوليو)، قدم ‏‏رواية‏‏ جديدة حول 7 تشرين الأول (أكتوبر)، مدعيًا أن طفلين اختبآ في قبو، فقط ليقتلهما مقاتلو “حماس”. ومع ذلك، لا يوجد سجل أو دليل يثبت هذا الادعاء، ولم يتم الإبلاغ عن أي أطفال مطابقين للوصف.‏

كما كانت هناك مزاعم عن حملة اغتصاب جماعي نفذتها “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، والتي ظهرت في أفلام وثائقية مثل فيلم شيريل ساندبرغ “‏‏صرخات قبل الصمت” ‏‏Screams Before Silence. ويعرض الفيلم الوثائقي أشرطة استجواب من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الشاباك، كدليل على هذه الادعاءات. ‏ ‏ومع ذلك‏‏، رفضت التحقيقات‏‏ الجادة هذه الأشرطة، حيث ورد أنها سجلت في ظروف التعذيب، مما يجعلها مصادر أدلة غير موثوقة.‏

‏على الرغم من التقارير واسعة الانتشار في وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب بأن عمليات اغتصاب جماعي وقعت في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، لم تتمكن الشرطة الإسرائيلية ‏‏من التحقق‏‏ من أي من الحوادث المزعومة. ولا يوجد حاليًا أي دليل جنائي أو نية موثقة أو ضحايا محددين أو شهود موثوقين يدعمون هذه الادعاءات.

أصبح أكبر تحقيق في المزاعم عن حملة اغتصاب قامت بها “حماس”، الذي نشرته ‏‏صحيفة “نيويورك تايمز”‏‏، ‏‏مثيرًا للجدل‏‏ عندما ‏‏دحضت‏‏ عائلة امرأة تم الاستشهاد بها كحالة مركزية في القصة علنًا هذه المزاعم. وسرعان ما أصبح ‏‏المقال‏‏ موضوع فضيحة، مما ألقى بالمزيد من ظلال الشك على صحة المزاعم.‏ ‏وبإشادة عبر وسائل الإعلام، أنشأت محامية إسرائيلية تدعى كوخاف إلكايام-ليفي ما كانت تسميه “لجنة مدنية” للتحقيق في حملة الاغتصاب التي شنتها “حماس”. ومع ذلك، على الرغم من كل الصحافة الإيجابية، ‏‏تم كشفها‏‏ لاحقًا لمشاركتها عددًا لا يحصى من قصص الاغتصاب المزيفة والتماس ملايين الدولارات لتمويل لجنة كانت العضو الوحيد فيها. ‏

‏وأدى ذلك إلى قيام عدد من المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين بالنأي بأنفسهم عنها علنًا واتهامها بإجراء أبحاث “‏‏غير دقيقة‏‏”.‏

‏وبناء على طلب من الحكومة الإسرائيلية، قامت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة، براميلا باتن، بمهمة استغرقت ثمانية أيام لجمع الأدلة على العنف الجنسي المزعوم في 7 تشرين الأول (أكتوبر). ‏وتوج هذا الجهد ‏‏بتقرير‏‏ يلخص النتائج. وعلى الرغم من أن خبراء الأمم المتحدة التسعة الذين شاركوا في الرحلة لم يكن لديهم تفويض بإجراء تحقيق رسمي، إلا أنهم أصدروا بعض الملاحظات الرئيسية التي خلصوا إليها من زيارتهم.‏

‏وخلص تقرير خبراء الأمم المتحدة إلى أن الإسرائيليين “تعرضوا لأشكال مختلفة من العنف الجنسي المرتبط بالصراع”، على الرغم من أنه لم يصل إلى حد تقديم استنتاجات نهائية حاسمة. وبدلاً من ذلك، ذكر أن وقوع مثل هذه الحوادث ممكن. وتجدر ملاحظة أن التقرير فضح ادعاءين محددين باعتبارهما “لا أساس لهما من الصحة”. ‏

‏يتعلق أحد الادعائين بامرأة قيل إنها وجدت منفصلة عن أسرتها وقد سحب سروالها. وخلص التحقيق إلى أن فرقة متفجرات غيرت “مسرح الجريمة، وتم تحريك الجثث”، مما أدى إلى عدم اليقين بشأن تفاصيل الحادث المزعوم.‏

‏ما تقوله الأدلة‏

‏يبقى الهجوم الذي قادته “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) واحدًا من أكثر الأحداث تسييسًا في التاريخ الحديث، حيث تستخدم تفاصيله لتبرير العنف المستمر الذي تمارسه إسرائيل في غزة. وما تزال الحقائق المحيطة بالحادث قيد النقاش، مع استمرار الروايات المختلفة في تحريف تفاصيل ما حدث في ذلك اليوم.‏

‏إن ما هو واضح هو أن “حماس” شنت حملة عسكرية منسقة في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بمشاركة خمس جماعات مقاومة فلسطينية أخرى على الأقل. وقد استهدف الهجوم مواقع عسكرية إسرائيلية ومناطق استيطانية بهدف معلن هو ضرب القيادة الجنوبية الإسرائيلية وأسر أفراد لمبادلتهم بمعتقلين فلسطينيين. ‏

‏وخلال هذه العمليات، اندلعت معارك مكثفة بالأسلحة النارية، ومن المحتمل أن تكون انتهاكات عديدة للقانون الدولي قد ارتُكبت.‏

‏تم فضح العديد من الادعاءات المتطرفة حول أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، مثل تلك التي تنطوي على وجود أطفال ونساء مقطوعي الرأس. وقد وقعت حالات قتل بأسلحة خفيفة تم التحقق منها، وأدى تفعيل إسرائيل “توجيه هنيبعل” إلى مقتل مدنيين.

‏وفي حين أنه من الصعب تحديد عدد الذين قتلوا على يد القوات الإسرائيلية مقابل الذين قتلتهم الجماعات الفلسطينية، فإن حجم الدمار يشير إلى أن إسرائيل كانت مسؤولة عن جزء كبير من الضحايا.‏

‏ما تزال المزاعم عن العنف الجنسي في 7 تشرين الأول (أكتوبر) غير مثبتة. وفي حين أن حالات فردية ربما تكون قد وقعت، فإنه لا يوجد دليل يدعم الادعاءات بحدوث حملة اغتصاب جماعي منظمة. ولم تؤكد التحقيقات أي حالات محددة، لكنها تشير إلى أن مثل هذه الجرائم ربما تكون قد حدثت.‏

في حين أن الصورة العامة ليوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) أصبحت أكثر وضوحًا الآن، إلا أن إجراء تحقيق مستقل هو أمر ‏‏ضروري‏‏ لفهم الأحداث بشكل كامل. ‏ ‏وقد عرقلت إسرائيل إجراء مثل هذا التحقيق ودمرت الأدلة، خوفًا على الأرجح من أن يكشف عن حقائق مزعجة يمكن أن تقوض الدعم الشعبي القليل المتبقي لعملياتها العسكرية المستمرة في غزة والضفة الغربية ولبنان.‏

*روبرت إنليكس Robert Inlakesh: محلل سياسي وصحفي ومخرج أفلام وثائقية مقيم حاليًا في لندن. قدم تقارير من الأراضي الفلسطينية المحتلة وعاش فيها ويستضيف برنامج “ملفات فلسطين”. مخرج “سرقة القرن: كارثة ترامب في فلسطين – إسرائيل” Steal of the Century: Trump’s Palestine-Israel Catastrophe. تابعه على تويتر @falasteen47‏

‏*نشر هذا المقال في MPN.news، وهي غرفة أخبار استقصائية حائزة على جوائز، تحت عنوان: Hamas, Israel, & the Fog of October 7

https://alghad.com/Section-171/%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA/%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%B6%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%B9-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1-1833294#:~:text=%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3%D8%8C%20%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D8%8C%20%D9%88%D8%B6%D8%A8%D8%A7%D8%A8,of%20October%207

المصدر: الغد الأردنية/‏  (‏‏مينت برس نيوز)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى