كان مشروع صلاح جديد هو حكم الحزب الواحد ويتعاون مع افراد من احزاب الساحة دون الاعتراف بوجودها وكان يقبل عودة اعضاء من قواعد الاشتراكين مع عزل قياداتهم عن العمل السياسي! كان صلاح مهندس مشروع الجيش العقائدي الذي يحمي الحزب الواحد! كان لمشروعه انصار داخل الجيش كان اغلبهم من الساحل بعد ان اختل التوازن بين مكونات الجيش بسبب التصفيات التي تمت لأسباب سياسية ايام الانفصال وايام ٨ آذار وكان ذلك محل الخطر على مشروعه واصطادته المعارضة من الباب الطائفي الذي لم يسع إليه أبدا في مشروعه! كان صلاح جديد شخصية قيادية نظيفا وأفضل من كل ضباط مجموعة الاسد وكان عقلا منظما هادئا وصلبا وكان يساريا لا كشعار سياسي بل اقتناعا بأن الحزب يجب ان يكون كذلك وكان مع القضية الفلسطينية بلا حدود ولم يكن مقتنعا بإمكانية التفاهم بين البعث وعبد الناصر وربما يحتاج ذلك إلى زمن لردم التراكمات التي حصلت في الماضي بينهما.! واجه صلاح جديد ضباطا من رفاقه في الجيش يرفضون نظرية تبعية الجيش للحزب وقيادته وبعضهم لا يرتاح للتوجهات اليسارية في مشروع صلاح جديد والتعاون مع الاتحاد السوفياتي ولم يكونوا مع اجراءات اقتصادية ضد القطاع الخاص ويحلمون بسلطة عسكرية يتبعها الحزب ! كان على رأس هذه المجموعة حافظ الأسد وزير الدفاع وقائد سلاح الجو ورئيس الأركان مصطفى طلاس . ومعهما ضباط نقلوا ولاءهم من الحزب إلى الأسد ًوكانوا محسوبين سابقا على صلاح جديد شخصيا. حاول صلاح جديد عبر مؤتمر الحزب ردع هذا التمرد على قيادة الحزب وحصل على قرار بفصل الاسد وطلاس فكان ذلك سببا في انقلاب تشرين تحت اسم الحركة التصحيحية تم فيها اعتقال كل القيادة وبعض ضباط يوالونها ! رحب اليمين التجاري والإقطاعي والسياسي ورحب الغرب كله عموما بالحركة في وقت كان الغرب يفضل مشروع نشر الحكومات العسكرية الاميركي في البلدان النامية ! كان مشروع حافظ الأسد غامضا في البداية وما عدا كلمات عن حرية الشعب وكرامته ومجلس شعب فإن المخفي هو سيطرة الجيش على الحياة السياسية عبر قائد وحزب من صنعه وجبهة وطنية يعينها وحكم عسكري ديكتاتوري كامل الأوصاف ويعتمد على شبكة حوله تضم عددا من الزعران الذين يخافونه ولا يخافون الله! كان مستعدا للمواجهة ولا يستفز ويعرف طريقه وجاهز ا ا للانتقال في المواقف والسياسات الداخلية والخارجية ما دامت تخدمه شخصيا وكرسي حكمه والى حدود العنف الداخلي الدموي وفي هذه الصفات لا يخلو من دهاء! كان يؤرقه إلى حدود الخوف شخصان صلاح جديد في الجيش وأكرم الحوراني في البلد وداخل الساحل والجبل تخصيصا، كان اعتقال جديد يريحه مادام في السجن واعتقال باقي القيادة كان تغطية لاعتقاله شخصيا لأنهم كلهم افراد بلا قوة شعبية وإطلاقهم ليست مشكلة! اكرم الحوراني كان خصما لزعامته في الساحل والجبل أيضا ورغم تصفية اتباعه في الجيش وأبعاده للخارج بقي زعيما شعبيا لا يخاف العسكر ولا مخابراتهم ! كان هم الاسد خاصة فك تحالف الحوراني ورفاقه الاشتراكين مع الجبل والساحل وفي البلد! بعد الثامن من آذار اتهمه بعث عفلق وصلاح جديد والأسد بأنه انفصالي وهو زعم لم يبتلعه السوريون لان الانفصال قامت به مجموعة من الضباط الشوام من اليمين والمدهش أنه بعد هذا الآذار لم يعتقل احد منهم ولا حتى عزل سياسيا !؟؟؟ الحوراني في اجتماعه وصلاح البيطار مع ضباط حركة الانفصال استطاع تحقيق إلغاء الاحكام العرفية واعادة حرية الاحزاب كلها واعادة العمل بدستور ١٩٥٠ واجراء انتخابات لمجلس النواب وعودة السلطة إلى المدنيين عبر حكومة شرعية لم يعينها العسكر! المدهش ان جماعة بعث العسكر ألغوا الاحزاب وأعادوا الاحكام العرفية وعينوا مجالس نيابية بدون انتخابات ثم زورها والغوا جميع امتيازات الصحف وطارت حرية الصحافة مع الحريات العامه حتى الآن! وكان السؤال الشعبي إذا كان الحوراني انفصاليا فلماذا العسكر وبعثهم لم يعيدوا الوحدة ومن يمنعهم وقد كانت اعادتها شعار ا لحركتهم ؟ فمن هو الانفصالي اذن ؟! في الشيخ بدر زحف الجبل والساحل كله إلى مهرجان الاشتراكين وفيه عمليا تم انتهاء سطوة الإقطاع على السلطة وتحرر فلاحو الجبل من عبودية الإقطاع بما فيهم اقطاع العائلات التي نصبها العثمانيون على الساحل فأذلوا ونهبوا الفلاحين أكثر! لكي يتوج حافظ الاسد نفسه زعيما في الساحل خاصة لا بد من تشويه سمعة الحوراني والاشتراكيين وهو أمر فشل فيه رغم سلطته لأنه واجه رفضا حتى من العلوين الذين بعضهم تخوف من هجمته على الانفراد في السلطة التي قد تقود العلوين إلى مستقبل غامض وحرب اهلية .! اتجه الاسد إلى معقل الاشتراكين في مدينة حماة واستغل نشاط الاخوان فيها ليدعي ان الحوراني ورفاقه في تحالف معهم وهو ادعاء لم يصدقه غير المجانين ولا يسوقه غير المنافقين ومخابرات النظام ! كان الاخوان في تحالف مع الإقطاع وبقاياه في حماة وكان عندهم مسلحون بقيادة الطليعه بزعامة الشيخ مروان حديد وعددهم ٣٠٠ مقاتل يتحصنون في ازقة حي البارودية فاستهدف الاسد المدينة كلها هدما وقتلا على الجدران وتهديما لكل جوامعها وكنائسها وقتل في جنون كل اهل حماة بما فيهم الاشتراكيون ولم يفرق ! وحين احتج الاشتراكيون بلسان الحوراني من الخارج على هذه الوحشية اعتبروا ذلك تحالفا مع الاخوان مع انه تحالف مع اهل المدينة المنكوبة بمواجهة مذبحة لا يعادل وجود الأخوان و أنصارهم فيها بأكثر من ١٠٪ من عدد سكانها! حصل الاسد على زعامة وتحالف مع تجار الشام ولكن زعامته في الساحل وحتى الآن ما تزال ملتبسة ولولا سطوته المخابراتية لكان الصوت العلوي المعارض في الجبل مثل اصوات الداخل المكبوت.! من استهداف وقمع زعامة صلاح جديد داخل الجيش إلى استهداف زعامة الحوراني ورفاقه في البلد وفي الساحل استطاع الأسد ان يرتاح إلى حين وان يورث ابنه في ظل استبداد لم يوفر احدا من شرورهم وجرائمهم .! مات الحوراني مشردا في الأردن ومات صلاح جديد في سجن المزة رحمهما الله اختلفا في السياسة واتفق النظام عليهما معا !
قراءة جميلة لتطور سيطرة الطائفة أمنياً على الجيش من صلاح جديد وصولاً للأسد، صلاح جديد مهندس مشروع الجيش العقائدي الذي يحمي الحزب الواحد ومن باب الطائفة، لذلك كانت محاولة تشويه دور أكرم الحوراني الشريك بالحزب والقيادة ، وإتهامه بالتعاون مع الإخوان.