سياسة الاغتيالات الإسرائيلية محاولة فى إستعادة وظيفة الردع

نبيل عبد الفتاح

منذ نشأة الدولة الإسرائيلية الإستيطانية، كانت نظرية الأمن القومى تعتمد على الحائط أو الجدار الحديدى الذى صاغه جابتونسكى ثم حدد معالمه ديفيد بين جوريون، وارتكزت على تحقيق وظيفة الردع، والعمليات العسكرية السريعة ضد الدول الأساسية للدائرة البؤرية -مصر وسوريا والأردن- ودول دائرة الطوق. اعتمدت نظرية الأمن القومى على ما يلى:

1- التفوق التكنولوجى، والعلمى وخاصة فى الصناعات العسكرية، وحيازة السلاح النووى مع التعاون العسكرى مع فرنسا، من خلال دور شيمون بيريز فى هذه المرحلة، والسعى للحصول على سلاح نووى للردع المطلق للدول الأساسية فى الصراع.

2- الاعتماد على مصادر تسليح متطورة من الولايات المتحدة وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا..الخ، وإدخال تطويرات وتعديلات على أنظمة التسليح، بالإضافة إلى تطوير مستمر لصناعات التسليح الإسرائيلية، والربط بينهما، وبين التطورات العلمية فائقة التطور على نحو ما ظهر مؤخرا من استخدام الذكاء الاصطناعى فى الحرب على قطاع غزة، وإزاء حزب الله فى لبنان.

3- الحرب الخاطفة ونقل العمليات العسكرية إلى أرض الخصم، بما يحقق الصدمة، والردع علي نحو ماتم في عدوان يونيو ١٩٦٧، وهو مالم تستطع تحقيقه في حرب اكتوبر١٩٧٣.

4- رفع مستويات الأداء العسكرى من خلال أنظمة التدريب، فى مختلف القوات البرية والبحرية والجوية، والاعتماد على نظام قوات الاحتياط بالإضافة إلى البنية الأساسية للمؤسسة العسكرية فى مختلف قواتها، وتطوير صناعة المدرعات، والصواريخ، والطائرات المسيرة..الخ.

5- الارتقاء بمستويات التكوين المعرفى للضباط والقيادات فى كافة التخصصات فى العلوم الطبيعية والإنسانية من خلال البعثات إلى الجامعات الغربية الكبرى.

6- سياسة الاغتيالات لبعض قادة المقاومة البارزين فى حركة التحرر الوطنى الفلسطينى، ومنظماتها، وأيضا الكوادر القتالية، وذلك لتحقيق الردع على نحو ما حدث مؤخرا مع إسماعيل هنية، وفؤاد شكر القيادي الأبرز عسكريا في حزب الله، وامتدت الاغتيالات لبعض قادة الحرس الثورى الإيرانى، يمتد الردع إلى ما يطلق عليه محور المقاومة والمساندة بقيادة إيران. والردع هنا كوظيفة نفسية يتسع كرسالة لبعض القيادات السياسية العربية.

فى المراحل التاريخية للصراع العربى الإسرائيلى، شكل الردع والاغتيالات مكون بارز فى نظرية الأمن الإسرائيلى على الرغم من الشروخ التى ألمت بها بعد حرب أكتوبر 1973.

كان التركيز جيو سياسيا على الدائرة البؤرية، ودول الطوق، من خلال بعض العمليات النوعية ذات التخطيط الجيد، والذكى، والأداء المتمكن فى تنفيذ بعض العمليات، سواء بالضربات الجوية، أو عمليات التدخل البري، وهو ما حدث أثناء الحرب علي لبنان،وإخراج عرفات وقيادات م. ت .ف ،وإجبارهم على الانتقال إلى تونس -وبعضهم- إلى اليمن الجنوبى آنذاك.

7- اللامبالاة بالقوانين الدولية، فى نظرية الردع وتوظيف الدولة والجيش الإسرائيلى مفاهيم الدفاع المشروع، والالتواء بمعناه، ودلالته فى السلوك العسكرى الإسرائيلى فى الإقليم ارتكازا على هيمنة بعض العناصر اليهودية الداعمة لها، فى أجهزة الإعلام التقليدى الكبرى فى الغرب -الصحف والمجلات والأذاعات والتلفازات الكبرى- منذ إنشاء الدولة فى ظل ضعف الحضور العربى، وعدم قدرته على التأثير على اتجاهات الرأى العام الغربى.

8- تطوير القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية فى الدول العربية، وفى الإقليم الشرق أوسطى بما فيها الأطراف غير العربية -تركيا وإيران وأثيوبيا-، مع التمدد فى أفريقيا لاسيما بعد صدمة هزيمة الخامس من يونيو 1967. ناهيك فى العديد من دول العالم.

اعتمدت الموساد على تجنيد بعض العملاء فى مواقع حساسة فى بعض هذه البلدان، خاصة فى ظل وجود بعض الجاليات اليهودية فى أوروبا، وأمريكا. قوة الموساد الاستخباراتية اعتمدت على الاستخدامات التكنولوجية الاستخباراتية الإسرائيلية، أو التعاون مع المخابرات الأمريكية والبريطانية والأوروبية، وتحولت إلى قوة ضاربة فى أجهزة الجيش الإسرائيلى، وتراكم رأسمالها الاستخباراتى، ومعها الشاباك، وآمان ، ونجحت هذه المؤسسات الاستخباراتية والأمنية فى عديد العمليات، وخاصة اغتيالات بعض الشخصيات القيادية الفلسطينية، فى بيروت وتونس والأردن، إلا أن صدمة طوفان الأقصى كشفت عن قصور فى أداء بعض هذه الأجهزة، وأيضا عن مدى استجابة رئيس الوزراء المتطرف نتنياهو، وهو ما سيخضع للتحقيقات والمساءلة فى اعقاب وضع الحرب فى قطاع غزة أوزارها!

تركز عمليات الشاباك، وآمان على الفلسطينيين فى الضفة، وقطاع غزة، وعلى اغتيال بعض قادة وكوادر حماس والجهاد الإسلامى، والشعبية، ولا تقتصر فقط على كبار القيادات الفلسطينية، بهدف الردع، وإشاعة الخوف داخل هذه المنظمات، وإنما تمتد إلى بعض الكوادر من المستويات الأولى، والثانية.

سياسة الاغتيالات تم توظيفها فى سياق الحرب على قطاع غزة، والهجمات الجوية، وبالصواريخ، والمدفعية والمسيرات بينها وبين حزب الله، إلا أن ذلك لم يؤثر سياسيا على البنية القيادية لحماس، والجهاد وحزب الله فى ظل وجود فوائض قيادية داخل هذه المنظمات، واستمرارية أطول حرب فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى علي نحو ما يشارف العام إلا أسابيع، وأدت إلى إنهاك نفسى وقتالي فى الجيش الإسرائيلي كنتاج لقدرة حماس علي تجنيد اكثر من ثلاثة الاف شاب بعد التدخل البري في القطاع وشماله ووسطه وجنوبه، وإلى تفاقم مشكلات سياسية وجودية، ستنفجر فى أعقاب الحرب . لم تستطع سياسة الاغتيالات أن تحقق الأهداف المرجوة من وراءها كاملة، على الرغم من توظيف بنيامين نتنياهو لها داخليا فى رفع بعض من أسهمه، إلا أن إطالة أمد الحرب على القطاع، والعمليات فى الضفة الغربية، وجنوب لبنان والضربات الجوية فى بعض المناطق فى سوريا، أدت إلى تزايد بعض الضغوط من أهالى الأسرى الإسرائيليين فى عملية طوفان الأقصى، وتزايد المخاوف من عدم إتمام صفقة للإفراج عنهم، ووقف إطلاق النار.

سياسة الاغتيالات فى أعقاب صدمة طوفان الأقصى، لم تستطع أن تحقق أهدافها فى الردع لقادة المقاومة، ومحور المساندة، وتدفع بعض اليمين واليمين التوراتي المتطرف الي محاولة مواجهة حزب الله في لبنان ، وهو أمر قد يدفع الي توسيع دائرة الحرب في المنطقة !

المصدر: الأهرام

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. منذ نشأة الدويلة الإستيطانية “إSرائيل”، كانت نظرية الأمن القومى تعتمد على الحائط أو الجدار الحديدى مرتكزة على تحقيق الردع، والعمليات العسكرية السريعة ضد الدول الطوق. معتمد على التفوق التكنولوجي والتقني وتطوير القدرات الاستخباراتية بمساعدة أنظمة غربية وأمريكا، لذلك كانت الإغتيالات بأعقاب طوفان الأقصى للكوادر الفلسطينية وتلاها بلبنان.

زر الذهاب إلى الأعلى