لماذا عناوين الأخبار المخادعة عن غزة مهمة

ليلى ديلبوبو مساري‏*

منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)،‏‏ كانت عناوين الأخبار المضللة حول الإبادة الجماعية المستمرة التي تنفذها إسرائيل في ‏‏غزة‏‏ في مصادر وسائل الإعلام الغربية مصممة لتخفيف حجم الهول مطلق العنان على الفلسطينيين. من خلال عدم ذكر عدد القتلى، والكتابة بصيغة المبني للمجهول، وعدم استخدام مصطلح الإبادة الجماعية أبدًا، استخدمت الصحف الغربية عددا كبيرا من الاستراتيجيات لمحاولة تبرئة إسرائيل من جرائم الحرب التي ترتكبها. ويقدم التجميع التالي للعناوين المضللة بشكل فاضح عينة من الطرق التي تسيء بها الصحف ووسائل الإعلام الغربية وصف الأحداث التي تحدث على الأرض في قطاع غزة.

***

‏عناوين صحيفة “نيويورك تايمز”‏

مع مقتل 102 عامل، وكالة الأمم المتحدة في غزة تكافح لتقديم المساعدات، ‏‏16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023‏

‏لا يحدد العنوان أن القصف الإسرائيلي هو المسؤول عن مقتل موظفي الأمم المتحدة؛ ويبدو كما لو أن العمال قتلوا على أيدي قوات مجهولة. كما يفشل العنوان الرئيسي في ذكر أن المساعدات التي تقدمها (الأونروا) ضرورية لبقاء الفلسطينيين في غزة. وعلاوة على ذلك، فإنه لا يوضح أن (الأونروا) تكافح في تقديم المعونة بسبب العوائق الإسرائيلية المتعمدة وحملات التشهير ضد الوكالة.‏

كيف حال المدنيين في غزة بعد أن طلبت منهم إسرائيل الفرار؟ ‏‏19 آذار (مارس)، 2024‏

‏لم “تطلب” إسرائيل من الفلسطينيين الفرار، بل أجبرتهم على الفرار بالقصف والهجمات البرية وتدمير البنية التحتية والمجاعة التي من صنع الإنسان. وفي كثير من الحالات، قصفتهم أثناء فرارهم باستخدام الطريق الذي وفرته إسرائيل، وقصفتهم مرة أخرى عندما وصلوا إلى وجهتهم، التي تم تحديدها كمنطقة آمنة.

إغلاق إسرائيل لقناة الجزيرة يسلط الضوء على توترات طويلة الأمد.‏‏ 9 أيار (مايو) 2024‏

‏إن الإشارة إلى هجوم إسرائيل الصارخ على حرية الصحافة باعتباره توترًا “طويل الأمد” تقلل من فظاعة العمل الفعلي -الإسكات المتعمد لوسائل الإعلام العربية. ويقلل العنوان من خطورة الهجمات التي تشنها إسرائيل على الصحافة والصحفيين (قتلت إسرائيل 147 صحفياً فلسطينياً في غزة بحلول 16 أيار/ مايو)، ويقلل من شأن التزام الجزيرة بتغطية جرائم إسرائيل في فلسطين.

مع تصعيد إسرائيل للهجمات، 300.000 من سكان غزة ينتقلون،‏‏ 11 أيار (مايو) 2024‏

‏هذا العنوان سيئ للغاية لدرجة أن ‏‏صحيفة “نيويورك تايمز”‏‏ اضطرت إلى تغييره. لقد وصفت محكمة العدل الدولية “الهجمات” الإسرائيلية بأنها إبادة جماعية معقولة. والقول بأن سكان غزة “يتنقلون” يشوه أهوال الوضع، مستخدمًا نبرة مرحة لوصف تجربة النزوح الداخلي المدمرة المستمرة منذ شهور. وقد نزح معظم سكان غزة مرات عدة، ظاهريا من أجل سلامتهم، لكن عدد الضحايا ونمط القصف الإسرائيلي يحكيان قصة أخرى.‏

غارة جوية إسرائيلية في رفح تقتل العشرات في مكان للخيام، يقول مسؤولون في غزة،‏‏ 26 أيار (مايو) 2024‏

‏وهنا، مرة أخرى، فإن عدم ذكر رقم فعلي للفلسطينيين الذين قتلوا في الغارات الجوية الإسرائيلية يهدف إلى التقليل من مسؤولية إسرائيل في الإبادة الجماعية المستمرة. فقد قصفت إسرائيل مخيما للاجئين مليئا بالأشخاص الذين شردتهم، مما أسفر عن مقتل 35 شخصًا وإصابة كثيرين آخرين. وتهدف عبارة “يقول مسؤولون في غزة” في نهاية العنوان إلى زرع الشكوك حول صحة البيان، في حين أن المعلومات التي نشرها “المسؤولون في غزة” أثبتت في الواقع أنها أكثر دقة من المعلومات الأميركية والإسرائيلية.

الجيش الإسرائيلي ينقذ 4 رهائن في عمليات عسكرية. مسؤولون في غزة يقولون إن العشرات قتلوا‏‏، 8 حزيران (يونيو) 2024‏

‏يوحي استخدام مصطلح “العشرات” الغامض للدلالة على الخسائر الفلسطينية بمحاولة متعمدة لتقليل عدد القتلى – 274 قتيلاً من المدنيين الفلسطينيين، وهي حصيلة هائلة لحادث واحد، وعدة أضعاف العدد الذي تشير إليه كلمة “عشرات”. ولم يذكر العنوان أن الجيش الإسرائيلي قتلهم من أجل إنقاذ أربع رهائن. كما قُتل ثلاث رهائن في هذه العملية، أحدهم مواطن أميركي. ولم يكن لدى تقارير وسائل الإعلام الأميركية الكثير لتقوله عن الرهينة الأميركي الذي قتله الجيش الإسرائيلي الذي كان من الممكن إطلاق سراحه في تبادل للأسرى.‏

الفوضى تعيق جهود الإغاثة في غزة، رغم توقف يومي للقتال‏‏، 19 حزيران (يونيو) 2024‏

‏إن وصف ما يحدث في غزة بأنه “فوضى” بدلاً من إبادة جماعية هو محاولة متعمدة للتقليل من شأن جرائم الحرب الإسرائيلية. والعامل الذي يعيق حقا جهود المعونة في غزة هو رفض إسرائيل السماح بدخول المساعدات، وقصفها العشوائي للمدنيين الذين يقتربون من شاحنات المعونة لأنهم في أمس الحاجة إلى الغذاء، واستهدافها العاملين في مجال الإغاثة، وفشلها في التدخل عندما يعترض المدنيون الإسرائيليون شاحنات المساعدات ويُفرغون إمدادات المساعدات، والافتقار إلى البنية التحتية في غزة بسبب تدمير إسرائيل المتعمد للطرق والمستودعات.

ماذا نعرف عن خطة إسرائيل لإضفاء الشرعية على 5 خمس مستوطنات في ‏‏الضفة الغربية‏.‏ 28 حزيران (يونيو)، 2024‏

‏المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي، ولا يمكن لأي مناورات إسرائيلية “إضفاء الشرعية” عليها. ويخفي استخدام مصطلح “إضفاء الشرعية” حقيقة أن تصرفات إسرائيل تتكون في الواقع من ضم غير قانوني للأراضي الفلسطينية -أي سرقة الأراضي الفلسطينية بشكل أساسي. ويبدو من العنوان كما لو أن هذه المستوطنات تمت المصادقة عليها في فراغ، في حين أنه تمت الموافقة على 24.300 وحدة سكنية إسرائيلية في الضفة الغربية في عام واحد، وهو أكبر عدد منذ بدء مراقبة البناء الاستيطاني الإسرائيلي في العام 2017.

***

عناوين (سي. إن. إن)‏

‏تأتي العناوين التالية من (سي. إن. إن). وباعتبارها معروفة بكونها من أكثر مصادر الأخبار مشاهدة وجدارة بالثقة في الولايات المتحدة، فإن تغطيتها للإبادة الجماعية المستمرة في غزة تستخدم عناوين مضللة لتقليل مسؤولية إسرائيل عن قتل أكثر من 186 ألف مدني؛ أحد التقديرات لمدى ارتفاع عدد القتلى. وتغطي العديد من هذه العناوين الأحداث نفسها التي غطتها عناوين صحيفة “‏‏نيويورك تايمز”‏‏.

منظمات الإغاثة تتصارع مع ظروف صعبة حيث تعاني غزة من انقطاع الاتصالات، ‏‏28 تشرين الأول (أكتوبر) 2023‏

‏”ظروف صعبة” لا تشرع في شمول الوضع الذي تواجهه منظمات الإغاثة في غزة. علاوة على ذلك، لا يعطي العنوان أي إشارة إلى أن ذلك كان تعتيما على الاتصالات فرضته إسرائيل، مما يعفي إسرائيل من اللوم في خلق “الظروف الصعبة” لجماعات الإغاثة.‏

أكثر من 10.000 قتلوا في غزة، ‏تقول وزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس، مع تزايد الإدانة للحملة الإسرائيلية، ‏‏9 تشرين الثاني (نوفمبر)، 2023‏

‏يستخدم العنوان صيغة المبني للمجهول، “أكثر من 10.000 قُتلوا في غزة”، من دون ذكر من قتل 10.000 شخص في غزة. وذكر أن تحديد الأرقام يأتي من من “وزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس” هو محاولة لزرع الشكوك حول عدد الفلسطينيين الذين قتلوا. كما أن استخدام كلمة “الحملة” لوصف أحداث تؤدي إلى مقتل 10.000 مدني هو محاولة لتخفيف الطبيعة العنيفة والوحشية للهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين.‏

القادة الدوليون يتدافعون لوضع حد للعنف في إسرائيل وغزة، ‏‏10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023‏

‏يشير هذا العنوان إلى أن هناك عنفا متساويا في إسرائيل وغزة، في حين أن إسرائيل -بعد أكثر من شهر بقليل من الحرب- شنت بالفعل غزوا بريا كاملا في غزة. وبحلول هذه المرحلة، كان أكثر من 10.000 فلسطيني قد قُتلوا على يد إسرائيل.‏

الأمم المتحدة تنعي مقتل أكثر من 100 عامل إغاثة في غزة، وهو أعلى رقم قتل في أي صراع في تاريخها، ‏‏14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023‏

‏لا يشير العنوان الرئيسي إلى أن إسرائيل قتلت عمال إغاثة تابعين للأمم المتحدة. وعدم ذكر مسؤولية إسرائيل لا يمثل بشكل كاف الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، أو جهود إسرائيل المتعمدة لعرقلة دخول المساعدات إلى القطاع.‏

أكثر من 30.000 قتيل في غزة منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس، تقول وزارة الصحة، ‏‏29 شباط (فبراير) 2024‏

‏لا يخبر العنوان القراء أن القتلى البالغ عددهم 30.000 كانوا مدنيين فلسطينيين. ويمكن فهم هذا الرقم على أنه يشمل الإسرائيليين، مما يعني أن كلا الطرفين يتكبدان خسائر. كما أن إضافة “وزارة الصحة تقول” في نهاية العنوان هي محاولة لزرع الشكوك حول مصداقية الأرقام.

‏مقتل 104 مدنيين أثناء محاولتهم الوصول إلى شاحنات المساعدات الغذائية في غزة، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، ‏‏29 شباط (فبراير) 2024‏

لم يحدد العنوان أن المدنيين قتلوا على أيدي الجنود الإسرائيليين. كما أنه يزرع الشكوك حول مصداقية الأرقام من خلال إضافة “وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة” إلى نهاية العنوان. وعلاوة على ذلك، فإن عدم وجود سياق فيما يتعلق بالجوع المستمر من صنع الإنسان في غزة يزيد من محاولات إعفاء إسرائيل من مسؤوليتها عن عمليات القتل.‏

‏عملية إسرائيلية تنقذ أربع رهائن وتقتل عشرات الفلسطينيين. إليك ما نعرفه،‏‏ 10 حزيران (يونيو) 2024‏

عدد القتلى الفلسطينيين -274 قتيلا- لا يتم نقله باستخدام كلمة “العشرات” ولا يتم ذكره في العنوان. وبالمقارنة، يتم تحديد عدد الرهائن الذين تم إنقاذهم. سيكون من شأن ذكر عدد القتلى الفلسطينيين أن يغير ميزان العنوان ويقدم تحليلا للتكلفة والفائدة لعملية الإنقاذ. وتجدر ملاحظة أن ما يغفله العنوان الرئيسي -مقتل ثلاث رهائن في عملية الإنقاذ نفسها- يثير تساؤلات حول سبب حذف هذه التفاصيل، مع الأخذ في الاعتبار أن أحدهم كان مواطنا أميركيا وسيكون موضع اهتمام القراء الأميركيين.‏

أنقذَ حياة زعيم حماس. ثم قتلوا ابن أخيه، 20 حزيران (‏‏يونيو) 2024‏

الإشارة إلى حماس بـ”قتلوا” (هم) في الجملة الثانية في العنوان تخلق ثنائية “نحن” مقابل “هم”، رجل خيّر مقابل رجل سيئ، عقلية تعزز العداء ضد الفلسطينيين، الذين عانوا من إبادة جماعية على يد إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية.‏

‏ويشير العنوان إلى أن الرجل الذي “أنقذ الحياة” هو ضحية لخيانة حماس. في الواقع، كان زعيم حماس المشار إليه هنا، يحيى السنوار، في السجن عندما شخَّص الإسرائيلي مرضه وأنقذ حياته. وبقيامه بذلك، كان يتصرف وفقا لأخلاقيات مهنة الطب؛ وربما ينبغي أن ينسب إليه الفضل في قيامه بعمله، لأن العديد من الأطباء الإسرائيليين متواطئون في تعذيب السجناء الفلسطينيين. وقد قتل ابن الأخ المعني في 7 تشرين الأول (أكتوبر) في كيبوتس إسرائيلي خلال تبادل لإطلاق النار. ومن المستبعد جداً أن يكون قد تم تمييزه.‏

*‏ليلى ديلبوبو مساري Laila Delpuppo Messari: طالبة في السنة النهائية متخصصة في العلوم السياسية في جامعة ييل، وهي متدربة صيفية في “‏‏تقرير واشنطن”، ومحررة ومراسلة مساهمة في صحيفة “‏‏ييل ديلي نيوز”‏‏.‏ تنحدر من أصول مختلطة، حيث هي نصف برازيلية ونصف مغربية، وتقيم حالياً في افران، المغرب.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Why Deceitful Headlines About Gaza Matter

 

المصدر: الغد الأردنية/– (تقرير واشنطن حول شؤون الشرق الأوسط)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى