بعد عامين على توقيع اتفاقية التسوية في درعا، بين النظام وفصائل المعارضة، لا تزال المناطق التي تديرها المعارضة تعاني واقعاً خدمياً سيئاً، بسبب التمييز الذي يمارسه النظام ضدها، مقابل تركيز الخدمات في مناطق أخرى خضعت لسيطرته بشكل كامل.
واقع مزرٍ
تنقسم المناطق في محافظة درعا إلى قسمين، الأول خاضع بشكل كامل لسيطرة النظام، والثاني خارج عن سيطرة النظام أمنياً ولا يزال تحت إدارة ما تبقى من فصائل التسوية واللجان المركزية، التي حافظت على استقلالية هذه المناطق إدارياً وأمنياً عن النظام وفق ما نصت عليه اتفاقية المصالحة عام 2018.
لكن النظام ومقابل عدم السماح بفرض سيطرته الكاملة على هذه المناطق، خفّض من المخصصات المالية لتخديمها، وبات ملاحظاً الفارق في مستوى الخدمات التي تقدم في مناطق سيطرة النظام وتلك التي تديرها المعارضة.
علي الصلخدي، رئيس “مجلس محافظة درعا الحر” قال ل”المدن”، إن “الواقع الخدمي مزرٍ للغاية في المناطق التي تخضع شكلياً لسيطرة النظام، حيث تكاد تنعدم أدنى المقومات، ولا جديد سوى إصلاح بعض الطرقات الرئيسية وهي عبارة عن وصلات ذات مسافات قصيرة لا يتجاوز طول الواحدة منها ال100 متر”.
أما مياه الشرب فتكاد تكون معدومة في معظم المناطق، ولا يوجد من يعمل على تأمينها للأهالي، كحال معظم أحياء بلدة المزيريب التي تنعدم فيها المياه الصالحة للشرب تماماً، وبالنسبة للشبكة الكهربائية فقد لوحظ وجود تحسن طفيف على الشبكة في بعض المناطق لكنها لا تغطي الحد الأدنى من الحاجة الأساسية للسكان.
وبالحديث عن الجانب الصحي في ريف المحافظة الغربي، فقد باتت حكومة النظام تلزم المواطنين بتحمل جزء من تكاليف العلاج الذي يُفترض أنه مجاني في المشافي والمراكز الصحية الحكومية.
ولم يقتصر التدهور في الوضع العام على الخدمات فحسب، بل تعداه إلى الوضع الأمني الأخطر والأكثر حساسية، فلا زالت المحافظة تعيش مسلسل الاغتيالات التي تستهدف المقاتلين السابقين ومعارضي النظام، بالإضافة إلى انتشار المخدرات في كافة المناطق، سواء الخارجة عن سيطرة النظام أو الخاضعة له، وتتهم جهات على صلة مباشرة بالنظام و”حزب الله” بالوقوف خلف ترويجها.
حلول صغيرة لمشاكل كبيرة
وعلى صعيد قطاع التعليم، فقد عانت المحافظة خلال الموسم الدراسي المنقضي من قلة الكادر التعليمي، فمعظم المدرسين في الثانويات ليسوا من المؤهلين ومعظمهم طلاب في الجامعة، مع غياب الإشراف على سير العملية التعليمية وتتفاقم هذه المشكلة بشكل خاص في المناطق النائية.
أحد المسؤولين عن قطاع التعليم في درعا أكد أنه “ورغم خطورة هذا الملف إلا أن النظام يتعمد إفقار المحافظة على صعيد الكادر التدريسي، وهناك غياب كبير في المتخصصين بغالبية المواد لمرحلتي التعليم الاعدادي والثانوي بعد استشهاد واعتقال الكثيرين من المدرسين وفصل عدد كبير منهم بسبب مواقفهم السياسية وهجرة قسم آخر”.
وبالإضافة إلى ما سبق، تعاني المدارس من تضرر كبير في بنيتها التحتية نتيجة الدمار الذي لحق بقسم كبير منها بسبب قصف قوات النظام لها، وفي هذا السياق قامت بعض المنظمات بتأهيل بعض المدارس ليتم استيعاب 3986 طالباً، لكن لا تزال الحاجة ماسة إلى مدارس إضافية لاستيعاب باقي الطلاب الذين يضطر أكثرهم لقطع مسافات بعيدة بشكل يومي من أجل مواصلة تعليمهم.
جهود محلية
تقوم اللجان المحلية التي حلت محل السلطة السياسية والإدارية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بالسعي لتوفير أكبر قدر من الخدمات، لكن الدمار الكبير الذي طال المرافق العامة بسبب قصف النظام على تلك المناطق، يجعلها بحاجة الى مبالغ كبيرة لا تتوفر للإدارات المحلية، بينما يواصل النظام حرمان هذه المناطق من المخصصات المالية.
ولمعالجة هذا الخلل شكّل الأهالي في درعا البلد لجنة خاصة بالخدمات منبثقة عن خلية الازمة التي تتواصل مع النظام في الملف الأمني، لكن هذه اللجنة يقتصر دورها على رصد الاحتياجات الخدمية في مناطق درعا البلد ومخيم درعا وطريق السد ونقلها للنظام الذي لم يستجب لأي مطالب على هذا الصعيد.
وحسب مصادر محلية، فإن تنسيقيات العمل الخدمي والإغاثي التي كانت جزءاً من المجلس المحلي التابع للمعارضة، وكذلك المنظمات التي كانت تنشط في مناطق سيطرتها لم يعد لها وجود هناك حالياً، وتسلمت مهامها مؤسسات الدولة التي لا تملك ما تقدمه لهذه المناطق بسبب عدم توفر ميزانية لها، وهو ما تحاول منظمات مثل الهلال الاحمر السوري وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالإضافة إلى مؤسستين واحدة فرنسية واخرى دنماركية تغطيته بالتنسيق مع مجلس المحافظة التابع للنظام.
خدمات حسب الولاء
الدكتور عبد الحكيم المصري وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة أكد في تصريح خاص ل”المدن”، أن الخدمات في مناطق النظام سيئة أصلاً قبل الثورة، وتدهورت حالياً بسبب الظروف السائدة، وعلى الأغلب فإنها ستصبح كارثية في المستقبل القريب مع تطبيق قانون “قيصر” إذ من المتوقع أن يلجأ النظام إلى تقليص كبير في ميزانية الخدمات.
وأشار المصري إلى الدور الذي يلعبه النظام في حرمان بعض المناطق التي لا يسيطر عليها بشكل كامل من الخدمات الأساسية، بل ويحاول حصارها بكل السبل المتاحة في المناطق المؤيدة له، حيث تشهد مناطق سيطرته ومناطق أخرى مثل طفس ودرعا البلد تمييزاً كبيراً على هذا الصعيد، في محاولة منه لإرضاخ المناطق المعارضة بشكل كامل، لكنه يواجه ضغوطاً غالباً ما تكون روسية تمنعه من فرض الحصار الكلي أو إيقاف الخدمات كلياً عن الجزء الذي لا يسيطر عليه بشكل كامل في درعا.
المصدر: المدن