قراءة في رواية: القانوني … السيف لا يقيم العدل

أحمد العربي

بداية: هذه الرواية الثانية للكاتب أوقاي ترياقي أوغلو التي نقرأها ونكتب عنها.. الأولى كانت عن السلطان سليم (ياووز).. وهذه الرواية الثانية في التسلسل التاريخي بعد تلك فهي تتكلم عن جزء من حياة السلطان سليمان ابن السلطان سليم .الملقب بسليمان القانوني…

.الرواية محبوكة وفق طريقة السرد الروائي لمجموعة شخوصها تتحدث في الزمن الحاضر وبالمباشر .فهي تتالى في موقع السارد بين الثلاثي ابراهيم باشا كبير مستشاري السلطان سليمان وكبير استخباراته ورجل المهام الخاصه وهيمي جلبي .والسلطان سليمان نفسه..

. الرواة يطلون على الاحداث من مواقعهم . فهذا ابراهيم الايطالي الذي اختطف هو ووالده من قراصنه اتراك. وبيع في سوق النخاسة واشترته ارملة ثريه وتعاملت معه كأم .ومنعته من المكاتبه للخروج من العبوديه. حيث كان العثمانيين قد اصدروا قانونا يعطي للعبد حق المكاتبه مع سيده على زمن عمل او انجاز مهمه او دفع مال ما ويحصل على الحريه. كان يعيش حياة الترف ولكنه مسكون دوما في مشاعر العبودية وذلها.. حام حول مواقع صيد سليمان ولي العهد الوحيد لسليم خان وتوصلوا لبعضهم .. وكونوا صداقة كانت مقدمة ليكون احد اهم رجال السلطان سليمان بعد ذلك.. واما وهيمي جلبي فهو ابن لاحد قادة السلطان سليم الذي تمرد عليه وقتله .ولكنه احتضن ابنه وجعله واحدا من الجيش الاستخباراتي السري عنده.رجل المهمات الخاصه في السلطنه وفي خطوط الاعداء خارجها ..ورثه السطان سليمان فيمن ورث عن والده .. في حكمه الذي جاء سريعا ومفاجئا بالنسبة له.. صحيح انه الوريث الوحيد لعرش ابيه لكن موت سليم المفاجئ والمبكر جعله يتحمل المسؤولية مباشرة.. سليمان شخصية مختلفة عن والده. فابوة كان قاسيا ولا يحتمل الاختلاف فقد قتل اغلب من خدم معه. كما فتل اخوته لكي لا ينافسوه . سليم الذي نذر نفسه لحماية السلطنه ولتوسعها وصناعة مجدها .توسع ليصل لبلاد الشام والعراق ومصر ومكة والمدينة .. ووضع حدا لإسماعيل الصفوي في ايران.. المهم سليمان نشأ دون اخوة يعني لا منافسة على الحكم .ونشأ في اجواء علم وتفكير عميق بالحكم وكيف يحافظ عليه وكيف يتوسع وينتصر ايضا.. وتوصل ان العدل والحقوق هي مفتاح النجاح والنصر ايضا .وان ذلك يتثبت بالقانون الذي يجب ان يطال الكل.. كان سليمان يدرك ان الشرق مفتوح امامه وان اسماعيل الصفوي تحجم وان بلاد العرب معه .وان مشكلته الاساسيه مع الغرب الاوربي.. حيث كانت المماليك والامارات بين صراع وتحالفات.. بعضها مهيمن على البحار والبعض وصل الى امريكا .وكلهم ينظرون بعين الريبة للسلطنة العثمانية. ويرونها عدوا متربصا بهم ويقف حائلا لهم من الامتداد في الشرق .وهم قريبوا عهد بالحملات الصليبية . ادرك سليمان ان الاوربيين لن يسكتوا عن سلطنته .فقرر ان يبادر للهجوم والتوسع غربا في اوربا نفسها.. عمل جاهدا على دعم المصلح الديني المسحي مارتن لوثر الذي كان محتميا بالسلطنه . وذلك استمرارا على نهج والده. وذلك ليشتت جهد بابا الفاتكان. وليصنع حلفاء ممن وجدوا بلوثر مجددهم الديني.. وكذلك عمل على خلق تحالفات مصلحية مع البعض من الاوربيين كالفرنسيين ضد امارات اخرى.. وكانت بداية حملته في الهجوم على جزيرة رودس وبلغراد وغيرها . مسيطرا على مداخل البحار .محققا ماعجز عنه جده الفاتح وغيره.. حارب بحملتين كبيرتين ودخل بلاد المجر وتوسع بها وزرع بها حكما تابعا له وصار في وقت قياسي اكبر قوة على الارض . دخلنا أجواء الحروب عشناها بماساعرية مشاركيها. اكتشفنا ان القتل هو أسوأ شيئ في الحروب .وان كل المبررات العقائدية او السياسيه ليست الا غلافا لوحشية الانسان. وان ذلك لن يغير من حال وحدته وفنائه كانسان وكفرد بشيئ. وان كل من يحارب هو معتدي ظالم .او مدافع عن نفسه من اعتداء وظلم وبكل الاحوال الجميع ضحايا وخسارة للانسانيه   .. سليمان كان يدرك ان الحكم لا تحميه القوة فقط .بل العدل اهم. وادرك ان الجيش السلطاني يجب ان يكون بقوامه جنودا من الاتراك. ولا يجب ان يستمر على الانكشارية فقط من العبيد وطبقة المقاتلين .الذين كادوا ان يصبحوا عبئا على السلطنه والناس ايضا .فهم مستعدون للتمرد وهم لا بتقنون عملا وجاهزون للبطش والنهب حينما تتناقص عليهم الارزاق.. وادرك ايضا ان السلطنة تحتاج للتجارة والاعمال والانتاج من كل نوع. ولذلك اقتطع الأراضي ودفع الناس للزراعة والانتاج.. سليمان ايضا كان الانسان الذي ادرك صعوبة مهمته وانه يحتاج للصديق الوفي. فكان ابراهيم رغم ادراكه ان إبراهيم لن يخرج من شعورة كعبد ينتقم من عبوديته عبر السلطان. وما يحصله من سلطة ونفوذ. وكان السلطان يحتاج الحب فكانت جاريته حرم التي اعتقها وتزوجها.. كانت مؤنسة الانساني رغم كثرة زوجاته وجواريه.. وحرم لم تتجاوز احساسها بالاحتفاظ بسليمان. مما جعله ضحية مؤامرات القصر بين حرم وزوجات السلطان الاخريات . وابراهيم  ووهيمي الذي كان حريصا ان يخدم السلطان ويحميه.. وكان يدرك ان لابراهيم مطامح تصل لدرجة اقصاء زوجته حرم وابنه عن السلطة ووراثة العرش. وحتى العمل لقتلهم ان امكن لصالح زوجات السلطان الاخريات واولادهم..

.الرواية تنتهي بعد عودة سليمان من نصرة العظيم من فتح بلاد المجر وكشف محاولة تسميم يرعاها ابراهيم ضد حرم وابنها ويكشفها وهيمي.. انها قوانين الصراع على السلطة ..سليمان يستوعب الحالة ويترك تصرفه مفتوحا..لكل الاحتمالات..

.في الرواية تاريخ موثق ..وفيها الانسان الشاعر والمحب ..فيها البشر المسكونين بالخير والشر وحب السلطة والمال.. فيها حضور للمرأة .ومتى لم تحضر المرأة في الرواية او الحياة .فيها كلام يومئ للواقع الحالي كتشابه او استمرار صراع الهيمنه بين الغرب والشرق .وتخالفات وصراعات.. اختلفت الازمنه والشخوص لكن لم تختلف قوانين صراع القوى على الهيمنه.. ما اقرب البارحه باليوم..

.نحن امام نمط روائي لا يسيئ للتاريخ ولكن يلبسة لبوسا انسانيا يجعله مفهوما ومبررا وممتعا ايضا.

.وعند اسقاط الرواية على الحاضر سنكتشف ان نهر التاريخ ما زال يجري ..امم تسعى للهيمنه وامم ضحيه. وفي كل عصر… تختلف الرايات والادعات.. والواقع نفسه.. ظلم دولي لمصالح خاصه بالأمم او الحكام او الطبقات الثريه والبشر بكل الأحوال ضحايا..

.متى تنتصر الإنسانية على وحشها الكامن في نفسها وفي سلوكها الحياتي..

6.11.2014…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى