أعاد النظام السوري مسار التقارب السياسي مع تركيا إلى نقطة البداية، حيث رد، السبت، على مبادرة الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، الذي دعا قبل أيام نظيره السوري، بشار الأسد، إلى تركيا “في أي وقت”، مؤكداً أن هذا الطرح يجب أن يبنى على انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.
وقالت وزارة الخارجية السورية، في بيان، إن “أي مبادرة في هذا الصدد يجب أن تبنى على أسس واضحة ضماناً للوصول إلى النتائج المرجوة والمتمثلة بعودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية”. وأكدت الوزارة أنه في مقدمة الأسس أن تقوم تركيا بسحب قواتها المتواجدة بشكل غير شرعي على الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات التي وصفتها بالإرهابية التي لا تهدد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضاً.
وأكدت أن سوريا تنطلق دائماً من قناعتها بأن “مصلحة الدول تُبنى على العلاقة السليمة فيما بينها وليس على التصادم أو العدائية”، مشيرة إلى حرص دمشق على التعامل بإيجابية مع مختلف المبادرات التي طُرحت، بما في ذلك “المبادرات الخاصة بتصحيح العلاقة السورية التركية”.
وكان اردوغان، قد قال، الأسبوع الماضي: “وصلنا الآن إلى نقطة أنه بمجرد أن يتخذ بشار الأسد خطوة نحو تحسين العلاقات مع تركيا، سنظهر له النهج نفسه”.
إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، السبت، عن اقتراب عقد اجتماع في بغداد يضم مسؤولين سوريين وأتراكاً، مشيراً إلى أن “هناك مبادرة من العراق للتوسط بين أنقرة ودمشق، والتواصل مستمر في هذا المجال”.
وقال حسين، في تصريح تلفزيوني من واشنطن، إنه التقى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في واشنطن من أجل ترتيب لقاء في بغداد مع الجانب السوري”، وفقاً لوكالة الأنباء العراقية (واع).
وتابع قائلاً: “هناك أيضاً تواصل مستمر من قبل العراق مع الجانب السوري، وسيتم تحديد موعد لعقد هذا اللقاء في بغداد”، مبيناً أن “العراق لا يأخذ الضوء الأخضر من الآخرين، ولكن نتباحث مع الأصدقاء والحلفاء بشأن الخطوات التي نتخذها وخاصة ما يتعلق منها بأمن واستقرار المنطقة”.
ويرى محللون وخبراء أن تركيا لا تملك الثمن المناسب لا لصفقة مع النظام ولا لصفقة مع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن مسار التطبيع يسير في حدود استرضاء الضغط الروسي فقط، في حين ترجم مراقبون الرد السوري الأخير بأنه “موافقة على البنود العامّة المُقترحة في التسوية”، والنظام السوري في طور السير بها.
وحول تأكيد النظام السوري في دمشق على أن “أي مبادرة يجب أن تبنى على أسس واضحة” متمثلة بانسحاب القوات التركية المتواجدة على الأراضي السورية، قال الباحث السياسي، محمود إبراهيم، لـ”القدس العربي” إن النظام في سوريّا لم يرفض المُبادرة الإقليميّة مُطلقاً عبر التصريحات الأخيرة، بل أكّد على اتجاهها.
وأضاف: “المُطَّلِع على أبجدياتِ الصياغة الخطابيّة التي يتبعها في البروتوكول الدبلوماسي المعتمد لديه، يعرّف بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ ردّه، السبت، كان الموافقة على البنود العامّة المُقترحة “في التسوية”، وهو في طور السير بها. مع العِلم أنّ المبادرة قديمة، والنظام وطابوره المُعارِض جزءٌ منها وتوافقا على بنودها “السريّة” منذ 2019″.
وقبل اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد في 2011، كانت تركيا حليفاً اقتصادياً وسياسياً أساسياً لسوريا. إلا أن العلاقة بين الطرفين انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد النظام. فقد دعت أنقرة بدايةً حليفتها إلى إجراء إصلاحات سياسية، لكن مع قمع التظاهرات بالقوة وتحولها تدريجياً إلى نزاع دام، دعا اردوغان الأسد إلى التنحي “منعاً لإراقة الدماء”.
وحول محددات موقف النظام من العرض التركي لتطبيع العلاقات، قال الباحث السياسي لدى مركز مشارق ومغارب عباس شريفة، لـ “القدس العربي” إن ما تعرضه تركيا عبارة عن عرض تكتيكي متعلق بتفاهمات روسية – تركية، كما يعبر عن غضب تركي من الولايات المتحدة محاولة كسب أوراق في المعادلة الانتخابية، وأضاف: “النظام يريد تطبيع العلاقات بما لا ينقض السردية السياسية التي يتمسك بها والمتعلقة بالسيادة ورفض الاحتلال الخارجي لذلك هو يصر على الانسحاب التركي من الشمال أو وضع جدول زمني لذلك، كما أن النظام غير قادر على تحقيق المطالب التركية المتعلقة بمحاصرة قسد خصوصاً أن مؤسساته وجيشه داخل مناطق سيطرتها ولن يقبل بعودة اللاجئين قبل الشروع بإعادة الإعمار”.
وقال شريفة: “يربط النظام تعاونه مع تركيا في مكافحة تنظيم قسد بشروع تركيا بتفكيك “التنظيمات الإرهابية” التي تدعمها تركيا من وجهة نظره، كما يعتبر أن المضي في التطبيع مع تركيا دون تحقيق الشروط السابقة سيسهم في توتر العلاقة مع إيران وهي خسارة سياسية لا تقارن بالثمن البخس الذي تعرضه تركيا. أضف لذلك فإن النظام لن يقبل بأن يخطو خطوة تجاه تركيا بدون ثمن اقتصادي حقيقي لا يتوقف عند مجرد فتح المعابر الداخلية، وإنما يتعلق بإدارة المعابر الخارجية وتحصيل ضرائبها وقضايا أخرى تتعلق بمعامل المدينة الصناعية لحلب والتي خرجت أكثرها إلى تركيا.
وبالنسبة لإيران “فهي وحدها من تملك ثمن التخلي عن قسد بالنسبة للولايات المتحدة. وأمريكا وحدها من يملك ثمن قبول النظام بمشروعية قسد”.
لذلك، اعتبر المتحدث أن تركيا لا تملك الثمن المناسب لا لصفقة مع النظام ولا لصفقة مع الولايات المتحدة، وبالتالي التطبيع بين النظام وتركيا لن يتم، إلا في حدود استرضاء الضغط الروسي. مضيفاً أن قسد ورقة بيد النظام السوري “معروضة حالياً للبيع والمساومة على طاولة البازار التركي وطاولة البازار الأمريكي، تركيا تريد تفكيكها والولايات المتحدة تحتاج لاعتراف النظام بشرعيتها بعد فشل إدخالها في مسار الحل السياسي، وبالنسبة للنظام الثمن الذي بيد أمريكا أكبر وأفضل من الثمن الذي تعرضه تركيا”.
المصدر: «القدس العربي»