اولا. سوريا ولبنان ليس قطبين متباعدين جغرافيا في خريطة العالم. هما جزء من كيان واحد عبر تاريخ يمتد لآلاف السنين، ومنذ الاحتلال الفرنسي قبل اقل من مئة سنة اصبحنا دولتين، ولم نكن يوما الا متداخلين اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، فكل صوت يصدر في سوريا له صداه في لبنان، والعكس صحيح، لم يكن لبنان منذ سبعينات القرن الماضي خارج التجاذب العربي، وخارج معارك الصراع مع (اسرائيل)، فمن احتضانه للثورة الفلسطينية، الى (الحرب الأهلية اللبنانية)، الى الدخول السوري للبنان، الى اجتياح (اسرائيل) له وصولها لبيروت في ثمانينات القرن الماضي، وإخراج الفدائيين منه، الى الهيمنة المطلقة للنظام الاستبدادي السوري على لبنان، واستيلاد حزب الله اللبناني وتحوله إلى القوة الأعظم والمهيمن لبنانيا، الى مقتل رئيس الوزراء الحريري وخروج النظام السوري من الباب اللبناني وبقاؤه عبر حزب الله ومجموع الاتباع الّذين استولدها هناك عبر عقود. في كل ذلك الوقت كان لبنان دولة تابعة موضوعيا وسياسيا للنظام الاستبدادي السوري وعلى كل المستويات
ثانيا. مع ذلك كان لبنان البلد المجاور لسوريا، الذي يستوعب بعض عمالة سوريا الّذين يبحثون عن لقمة عيش، وبعض الهاربين من بطش النظام وقمعه، ونجد هناك من ينصر السوريين المظلومين وان وضعوا أنفسهم عمليا تحت بطش النظام الاستبدادي السوري الذي كان يحكم “بلدين” عمليا سوريا ولبنان…
ثالثا. كنا كسوريين ولبنانيين نعيش هذا الواقع الذي علينا التكيف معه، الى ان جاء الربيع العربي وامتد لسوريا ولقي صداه شعبيا في لبنان. الربيع السوري الذي واجهه النظام السوري بوحشية؛ مما دفع السوريين لأن يتركوا كل شيء خلفهم و يلجؤوا الى كل الدنيا وكان لبنان والأردن وتركيا الأقرب، و لهم الحصة الأكبر، كانت بداية اللجوء إلى لبنان كجزء من الحالة الميدانية نفسها، النظام الاستبدادي الدموي يقول: إن من لا يخنع يُقتل او فليرحل وكان الباب اللبناني مفتوح، وكان النظام اللبناني محرج فهو حليف النظام ولا يستطيع أن يعلن موقفا معاديا له، وتقبل طلائع اللاجئين على مضض، لكن استمرار الحالة وتزايد الأعداد دفع كل الاطراف اللبنانية المختلفة اصلا في السياسة والمحاصصة للدولة والمجتمع، إلى اتخاذ المواقف المناسبة لكل طرف، والكل قد وجد في السوريين اللاجئين مادة للاصطفاف السياسي والصراع المجتمعي أيضا
رابعا. الحكومة اللبنانية رفعت الصوت عاليا بأن اللاجئين السوريين الّذين وصلوا لما يزيد عن مليون ونصف انسان شكلوا عبئا اقتصاديا ومجتمعيا عليها، فهم تجاوزوا الثلث قياسا بعدد السكان، وبدأت تستنجد بالأمم المتحدة والدول المانحة حتى يساعدوها كدولة في مواجهة أعباء اللجوء السوري، والذي حصل أن المنظمات الدولية قد استجابت وان بعض الدول ايضا لكن قليل من المساعدات ما وصل للسوريين، والبقية ضاعت في أروقة الفساد والمحسوبيات والحاجات (الوطنيه اللبنانيه)؟!! التي لها الاولوية، اصبح السوريون مادة لطلب المعونة وهم لا يحصلون منها إلا على القليل
خامسا. لم يقبل الطاقم السياسي اللبناني كله تقريبا باللجوء السوري في لبنان، فالبعض خاف من استمرار العيش في لبنان والتغيير الديمغرافي فيه، لبنان المحاصصة الدينية والطائفية لا يحتمل أي تغيير ولو بعد مئة سنة، لذلك عمل على منع السوريين من إمكانية الاستقرار او اكتساب الجنسية او الاقامة الدائمة وحتى البحث الجدي عن سبل العيش، ونعلم ان اغلب من استقر في لبنان والاردن و وتركيا هم الاكثر فقرا؛ وبالتالي لا يملكون من اسباب العيش شيئا، واغلبهم استقر في عشوائيات و خيام بدائية واسباب عيش معدومة، وجعلت هذه العشوائيات موضوع عملت عليه الدولة اللبنانية والقوى السياسية حسب اصطفافها السياسي مع النظام السوري حيث رفضوا اللاجئين واعتبروهم مخترقين بالارهابيين وانهم عامل تخريب سوري لبناني نموذجهم حزب الله او تيار لحد الذي اصبح رئيس الجمهورية لفترة سابقة، او ممن على مسافة من النظام السوري كتيار المستقبل الذي يرى مشروعية بمطالب السوريين بالتغيير الديمقراطي في دولتهم ولكنه بقي على ارتياب من اللاجئين السوريين، وخاصة بعد ان اصبح رئيسه رئيس وزراء لبنان لفترة سابقة ايضا ضمن توافقات دولية واقليمية، كان ضحيتها التواجد السوري في لبنان، خاصة ان بعض القوى العسكرية تغلغلوا بين اللاجئين؛ والاسوأ حصل عندما قامت جبهة النصرة وداعش بخطف بعض عساكر الجيش اللبناني، واصبح الصراع بين الدولة اللبنانية وهذه المجموعات، وعمليا اصبح الصراع منصبا على اللاجئين السوريين حيث هم في عرسال وغيرها في كل مناطق العشوائيات لاهلنا الضحايا كل الوقت
سادسا. مع توالي السنين على مأساة السوريين اللاجئين في لبنان وغيره، ومع زيادة عبئهم على الدولة اللبنانية ؟!!، ووجود غطاء دولي وإقليمي لحل يعيد إنتاج النظام السوري، ويريد أن يقدمه بصفته الحل الأنسب في سوريا، قياسا بـ داعش أو النصرة المصنفتين دوليا ارهابيين، وفي مواجهة الثوار الّذين استضعفوا ووضعوا في موقع الدفاع عن النفس في مناطق تخفيف التصعيد كمقدمة لحل بعيد المدى أو تقسيم فعلي لسوريا كما حصل بعد ذلك واقعيا . في هذا الظرف قدم النظام الاستبدادي السوري بصفته الحل ليعود الناس الى (بلد الأمان)؟!، ليعودوا إلى أملاك سيدهم النظام؛ كعبيد تحت كل احتمال القهر والهدر بما فيه القتل، وكان للدولة اللبنانية وجيشها واغلب قواها السياسية وخاصة حزب الله المنغمس في الدم السوري دور في ذلك، فعملوا على تحويل حياة أهلنا اللاجئين الى اقرب للجحيم، فلم يكفهم انعدام الخدمات، ومعاملة الذل، وتوريطهم في الدعاره والرقيق الابيض والمخدرات وبعض عصابات الرذيلة، فقد بدؤوا حملة جديدة مدروسة على هذه العشوائيات المسماة (مخميات) عبر افتعال حرائق تأكل كل شيء من أسباب الحياة البسيطة لاهلنا، ثم يتبعها هجوم مسلح واعتقالات عشوائية تنتهي بنكبة الناس بالقليل الذي يعيشون به واعتقال أبنائهم ورجالهم، ليعيدوا بعضهم مقتولا تحت التعذيب (بحجة أنه قضى من المرض أو الحرارة)؟!!، ويحوّل البعض الى السجن ومحاكم الإرهاب: اولادنا كلهم ارهابيين حتى يثبت العكس. كل ذلك ضمن حملة لدفع الناس للعودة الى مناطق سيطرة النظام و يلقوا مصيرهم الأسوأ. على قاعدة أن لا حل آخر
سابعا.نعم ان بعض السوريين استطاعوا أن يغرسوا في التربة اللبنانية، ويجدوا ببعض الشعب حاضنة لهم خاصة من يملك مهنة ما يعمل بها أو بعض مال يعتاش ويعمل به، لكن ذلك لا يغير من حقيقة الصورة العامة التي ذكرت سابقا
ثامنا: لا بد من التحدث عن مستجدات الموقف اللبناني من السوريين بعد مضي ثلاث عشرة سنة على الثورة السورية وبداية اللجوء إلى لبنان وغيره. وان واقع الحال ان الازمة الاقتصادية والسياسية التي يعيشها لبنان منذ سنوات بعيدة نتيجة لسياسات لبنان المحكومة من حزب الله والنظام المستبد السوري وإيران. جعل لبنان في حافة فقر وفاقة وبؤس. مما جعل قوى لبنانية كثيرة ترى أن التواجد السوري في لبنان زاد عبء المواطن اللبناني الذي لم يعد يستطع يقبل تقاسم أسباب العيش – على قلتها – مع السوريين في لبنان. طبعا هناك من ينفخ في نار هذه المشكلة مثل حزب الله وأنصاره ليرفع مسؤوليته المباشرة عن واقع لبنان المزري اقتصاديا و المأزوم سياسيا…
“يجب أن يعود اللاجئين السوريين من لبنان الى سوريا”. نعم هذا هو مطلبهم ويعملون عليه. يجهزون الحافلات ويقررون الأعداد والتوقيت للترحيل.
لكن النظام السوري لا يستجيب بحجج كثيرة اولها ان سوريا غير جاهزة لعودة اللاجئين ابناء سوريا إلى بلداتهم ومدنهم وقراهم؟!!.
وأن سوريا بحاجة لاعادة اعمار وضخ المعونة في بنيتها التحتية التي دمرها “الارهاب الدولي ضد سوريا”. وبالتالي على الدول العربية الخليجية التي عادت تحتضن النظام والعالم الغربي أن يضخ المال للنظام لأجل ذلك…
ثم هناك من المواطنين السوريين “الإرهابيين” العائدين يعتقلون فورا ويلقون مصير مليون ضحية سورية ؟!!…
ثم الأسوأ والمحزن المبكي رد النظام لبعض السوريين بأنه “غير مرغوب بهم” وبالتالي يمنعوا من العودة إلى بلادهم.؟!!. يعني يطردون من وطنهم وإسقاط مواطنيّتهم السورية.؟!!…
كل ذلك يفهم ضمن التخطيط البعيد المدى للتغيير الديمغرافي لسوريا…
.اخيرا. شعبنا السوري اللاجئ في لبنان مستباح الان هناك، والعالم كله صامت فالبعض يعتبر ما تفعله الدولة اللبنانية من أعمال السيادة فهي تريد ان تحمي نفسها من الإرهاب، والبعض يرى ذلك مقدمة لعودة السوريين (كقطيع إلى بيت الطاعة) عند نظام استبدادي قاتل، والبعض يراها أعمال حماية ذاتية من احتمال توطين السوريين في لبنان وتحولهم لمشكلة سياسية واجتماعية واقتصادية. وبكل الأحوال أهلنا السوريين هم الضحية، ومطلوب منا موقف -كسوريين- ننتمي للشعب والثورة: أن ننتصر لأهلنا هناك على كل المستويات؛ القوى السياسية من ائتلاف وهيئة عليا للمفاوضات عليهم أن يبادروا لتوضيح الحقيقة لكل الاطراف الدولية والاقليمية، حقيقة عملية الاقتلاع والهدر والقتل بحق السوريين في لبنان، كذلك علينا أن نعمل مع كل منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإغاثية لدعم أهلنا بأسباب الحياة مهما كانت متواضعة
. والاهم علينا أن ننتصر لثورتنا وشعبنا ونسقط نظام الاستبداد و نحرر بلادنا ونبنيها ونعيد إليها حقوق الناس جميعا: الحرية والكرامة الانسانية والعدالة والديمقراطية حقوق واهداف ما زال مطلوب منا ان نعمل لها ونحققها
عندها سيعود شعبنا المشرد في بلاد الدنيا كلها الى وطننا سوريا لنعيش فيها انسانيتنا دون اي نقصان.
العلاقات الإجتماعية بين عائلات شعبنا بسوريا ولبنات مستمرة لأننا شعب واحد قسمنا بحدود مصطنعة الإستعمار والآحتلال الفرنسي 1920 لذك وشائج التواصل مستمر، واللاجئ السوري لجئ لجيرانه اللبنانيين هرباً من إرهاب وإجرام نظام طاغية الشام، وزواله سيعود شعبنا لأرضه ودياره، وإن القيادات اللبنانية تبرر فشلها بقيادة بلدهم بالخاصرة الرخوة اللاجئ السوري.