فرنسا تبشر بقرب ميلاد قوة “الرد السريع” الأوروبية

ماكرون يدعو إلى تعزيز دفاعات القارة العجوز ويبدي قلقه في شأن مستقبل التكتل

عزا وزير الجيوش الفرنسي أهمية قوة “الرد السريع” الأوروبية إلى وجود “عديد من الأزمات التي ليست من اختصاص (الناتو)، والتي غالباً ما تنفذ فيها فرنسا عمليات بمفردها.

أعلن وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو اليوم الجمعة أن “قوة الرد السريع” الأوروبية التي تحدث عنها الرئيس إيمانويل ماكرون أمس الخميس والمخصصة لعمليات مثل إجلاء المواطنين من البلدان التي تشهد أزمات، يمكن أن تبصر النور العام المقبل.

وقال لوكورنو خلال مقابلة مع قناة “فرانس 2” التلفزيونية “إنها قضية أساس، وآمل في أن نتمكن من تحقيقها في العام المقبل من خلال استجابة فعالة وسريعة للغاية”. وعزا هذا المشروع إلى وجود “عديد من الأزمات التي ليست من اختصاص (الناتو)، والتي غالباً ما تنفذ فيها فرنسا عمليات بمفردها”، مشيراً على سبيل المثال إلى إجلاء المواطنين من السودان العام الماضي. وأوضح “لقد أطلقنا عملية في الخرطوم أخرجنا فيها 1080 شخصاً من جنسيات مختلفة، أو ألف شخص، و200 فرنسي أو 250 على ما أذكر، وأنشأناً جسراً جوياً مهماً بطائرات من طراز A400M، مع قوارب وتبين أن فرنسا كانت بمفردها عملياً”.

وأضاف لوكورنو أنه من الطبيعي تقاسم هذا العبء الذي “له ثمن وشأن”، لافتاً إلى أن “هناك مهام تمت عسكرتها، ولكن لا يتعين على (الناتو) أن يعرف عنها لأسباب عديدة، والتي نقول عنها الآن: دعونا نقم بها أوروبياً، ويشكل ذلك بالنسبة لنا براغماتية”. وأكد أن قوة “الرد السريع” هذه المخصصة “لتوفير أمن الرعايا الأوروبيين والمواطنين البرتغاليين والإيطاليين والألمانيين والفرنسيين، يجب أن نكون قادرين على تشكيلها بسرعة كبيرة”.

وفصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الخميس رؤيته لأوروبا، مشيراً خصوصاً إلى مجالات الدفاع والسياسات الاقتصادية والتجارية، بعد أن قيم سجل الاتحاد الأوروبي منذ عام 2017.

“ذات أهمية خاصة”

وأيد رؤساء برلمانات دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم الثلاثاء الماضي في إسبانيا فكرة إنشاء قوة رد سريع مشتركة في الاتحاد قوامها 5 آلاف جندي تهدف للاستجابة السريعة للأزمات الناشئة.

وذكرت وكالة الأنباء الإسبانية “EFE” اقتباساً مما جاء في الوثيقة الختامية للاجتماع، “يعد رؤساء البرلمانات أن مبادرة الاتحاد الأوروبي في شأن أداته العسكرية، والتي من شأنها ضمان حماية أمن مواطني الاتحاد ومصالحه وقيمه الديمقراطية، ذات أهمية خاصة، وفي هذا الصدد، ونؤكد ضرورة وجود نحو 5 آلاف جندي للانتشار السريع في حالة حدوث أزمة من أي نوع”.

وأشار رؤساء البرلمانات أيضاً في الوثيقة إلى أن الاتحاد الأوروبي قد طور بالفعل عديداً من المهام والعمليات التي تهدف إلى استقرار الوضع في البلدان والمناطق المجاورة.

واستمر طرح فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد طوال السنوات الـ10 الماضية في الأقل، وقد أصبح الأمر أكثر أهمية خلال الفترة التي شغل فيها دونالد ترمب منصب الرئيس الأميركي، إذ أوضح أن بلاده لم تعد مستعدة لتوفير “المظلة الدفاعية” لأوروبا في إطار “الناتو”.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 أعلن مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الاتحاد سيرفع قوة “الرد السريع” المكونة من 5000 عسكري إلى الاستعداد التشغيلي الكامل بحلول عام 2025.

وانعقد الثلاثاء اجتماع لرؤساء برلمانات دول الاتحاد الأوروبي في جزيرة مايوركا الإسبانية.

صورة مثيرة للقلق

ورسم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الخميس صورة مثيرة للقلق لأوروبا، مؤكداً أنها “مهددة بالموت” و”مطوقة” وتواجه خطر “التراجع” في مواجهة منافسة القوى الكبرى الأخرى، داعياً إلى قوة دفع جديدة للمشروع الأوروبي بحلول عام 2030.

وقال ماكرون بخطاب في شأن مستقبل أوروبا “يجب أن نكون واضحين اليوم في شأن حقيقة أن أوروبا مهددة بالموت، ويمكن أن تموت”. وأضاف أمام 500 ضيف من بينهم سفراء الدول الـ26 الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وطلاب وباحثون وأعضاء حكومته، “الأمر يعتمد فحسب على خياراتنا، لكن هذه الاختيارات يجب أن نتخذها الآن” لأنه “في أفق العقد المقبل هناك خطر كبير يتمثل في إمكان أن نضعف أو حتى نتراجع”.

وتحدث الرئيس الفرنسي عن أوروبا “المطوقة” في مواجهة قوى إقليمية كبرى. واعتبر أن قيم “الديمقراطية الليبرالية” الأوروبية “تتعرض لانتقادات وتحديات متزايدة”. وحذر من أن “الخطر هو أن تشهد أوروبا تراجعاً، وقد بدأنا بالفعل في رؤية ذلك على رغم كل جهودنا”، داعياً إلى “أوروبا قوية” قادرة على “فرض احترامها” و”ضمان أمنها” واستعادة “استقلالها الاستراتيجي”.

وفي سياق جيوسياسي تطغى عليه الحرب في أوكرانيا دعا إيمانويل ماكرون الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز دفاعاته داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مشيراً بصورة عابر إلى إمكانية تجهيز التكتل بدرع مضادة للصواريخ.

ووصف سلوك روسيا بعد اجتياحها لأوكرانيا بأنه “جامح” وقال إنه لم يعد من الواضح أين تكمن “حدود” موسكو. وأضاف أن “الشرط الذي لا غنى عنه” للأمن الأوروبي هو “ألا تنتصر روسيا في الحرب العدوانية في أوكرانيا”. وقال “لقد تغيرت قواعد اللعبة” بسبب قوى مثل روسيا وإيران، معرباً عن أسفه لـ”الصحوة التي لا تزال ضعيفة للغاية في مواجهة إعادة التسلح الواسعة في العالم”.

“مفهوم استراتيجي”

وأعلن الرئيس الفرنسي في هذا الصدد أنه سيدعو الأوروبيين إلى بناء “مفهوم استراتيجي” لـ”دفاع أوروبي”. وكذلك دعا أوروبا إلى تعزيز صناعتها الدفاعية والحصول على “قرض أوروبي” للاستثمار في التسلح.

ودافع إيمانويل ماكرون أيضاً عن “إعطاء الأولوية للموردين الأوروبيين في شراء المعدات العسكرية”.

على الصعيد التجاري، دعا ماكرون إلى “مراجعة” السياسة التجارية الأوروبية “من خلال الدفاع عن مصالحنا” في مواجهة الممارسات التجارية الصينية والأميركية. وقال “لا يمكن أن ينجح الأمر إذا كنا الوحيدين في العالم الذين يحترمون قواعد التجارة كما كتبت قبل 15 عاماً، إذا لم يعد الصينيون والأميركيون يحترمونها من خلال دعم القطاعات الحيوية”.

دعاية انتخابية

ينظر إلى هذا الخطاب على نطاق واسع على أنه بداية للحملة الانتخابية في ظل تراجع معسكر الرئيس في استطلاعات الرأي قبل ستة أسابيع من الانتخابات الأوروبية المقررة في التاسع من يونيو (حزيران) المقبل، والتي يتصدر حزب التجمع الوطني (يمين متطرف) توقعاتها إلى حد كبير.

وفق استطلاع رأي أجرته مؤسسة “أوبينين واي” حول الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو، ونشر الجمعة، فإن قائمة الغالبية الرئاسية حصلت على 19 في المئة من نيات التصويت، أي إنها متخلفة كثيراً عن قائمة حزب التجمع الوطني (29 في المئة)، لكنها حافظت على تقدم واضح على قائمة الاشتراكيين (12 في المئة).

من جانبه، نفى قصر الإليزيه أن يكون للخطاب أي نيات انتخابية، مؤكداً أن ماكرون يريد “التأثير” في جدول أعمال المفوضية الأوروبية المقبلة بعد انتخابات يونيو.

وتفاعلاً مع خطاب ماكرون قال المستشار الألماني أولاف شولتز عبر منصة “إكس”، “تريد فرنسا وألمانيا معاً أن تظل أوروبا قوية. خطابك يحوي أفكاراً جيدة حول كيفية تحقيق ذلك. معاً ندفع أوروبا إلى الأمام سياسياً واقتصادياً”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى