إحدى قواعد احتواء الأزمة هي إبقاء فمك مغلقًا، وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران تقوم بعمل جيد جدًا على هذا الصعيد يوم الجمعة بعد الضربات الإسرائيلية بالقرب من مدينة أصفهان الإيرانية.
ربما كان الصمت هو الرسالة الحقيقية في ان جميع الأطراف ترغب في منع التصعيد بالقول أو الفعل.
رأينا خلال الأسبوع الماضي ما يبدو لي وكأنه قرار مدروس من قبل إسرائيل لإعادة تشكيل استراتيجيتها بمهارة لردع إيران ووكلاء إيران، حماس وحزب الله. إن الردع الإسرائيلي يدور عادة حول الاستخدام المكثف للقوة العسكرية الهجومية، وتقوم على توجيه ضربة قوية تسعى إلى فرض الامتثال من خلال الإكراه.
ولكن هذه المرة كان الامر مختلفا، عندما أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ والطائرات بدون طيار في نهاية الأسبوع الماضي رداً على الغارة التي شنتها إسرائيل في الأول من نيسان/أبريل على القادة العسكريين الإيرانيين في العاصمة السورية دمشق استخدمت إسرائيل نظام القبة الحديدية الدفاعي ومساعدة الحلفاء لاستيعاب الضربة، وكان ما تم الإبلاغ عنه عن تدمير 99% من الذخائر القادمة إلى إيران بمثابة عرض مذهل للدفاع الصاروخي.
أراد بعض الإسرائيليين الرد فوراً بوابل مضاد كبير لكن تحت ضغط من الرئيس بايدن، انتظروا.
وعندما جاء الرد الإسرائيلي في وقت مبكر من يوم الجمعة، كان صامتا حيث تشير التقارير الإيرانية والإسرائيلية إلى أن القوات الجوية الإسرائيلية هاجمت موقعًا بالقرب من بعض أكبر المنشآت النووية الإيرانية، ولم تتضرر تلك المنشآت، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن إسرائيل بعثت رسالة مفادها أنها قادرة على اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية وضرب أهداف استراتيجية عندما تختار ذلك.
كانت إسرائيل تريد الكلمة الأخيرة في هذا التبادل، ويبدو أنها نجحت، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجمعة، بعد محادثات مع مسؤولين في طهران، إن “إيران لا تريد التصعيد”، وقد سخرت التصريحات العامة الإيرانية من هذا الإجراء المحدود، لكن إسرائيل أظهرت أنها قادرة على توجيه ضربات عندما تريد – في هذه الحالة صفعة صغيرة، ولكن في المرة القادمة، ربما سيكون الامر اكبر، وبهذا المعنى، حافظت إسرائيل على ما يسميه الاستراتيجيون “هيمنة التصعيد”، وهي من نفذت الضربة الأولى والأخيرة في هذا العرض.
كيف نفسر تصرفات إسرائيل خلال الأسبوع الماضي؟ وما الذي يفسر ضبط النفس الذي تمارسه، في وضع كان فيه الصقور في الحكومة الإسرائيلية يصرخون يطالبون بشن هجوم شامل؟
إليكم رأيي: إسرائيل تتصرف كزعيمة تحالف إقليمي ضد إيران، وفي ردها المدروس، بدا أنها تزن مصالح حلفائها في هذا التحالف – السعودية والإمارات والأردن – الذين قدموا جميعهم مساعدة هادئة في إسقاط الطائرة في نهاية الأسبوع الماضي أي انها بمعنى اخر تمارس لعبة الصبر الطويل، وهذا من شأنه أن يشكل نقلة نوعية بالنسبة لإسرائيل.
فبدلاً من النظر إلى نفسها باعتبارها الدولة اليهودية المحاصرة التي تقاتل بمفردها من أجل البقاء ضد كتيبة من الأعداء العرب والمسلمين، تدرك إسرائيل أن لها حلفاء وعلى رأس القائمة الولايات المتحدة كما هو الحال دائما، لكن الدول العربية التي تعارض إيران ووكلائها بقدر معارضة إسرائيل لها، تنضم الى الولايات المتحدة ايضًا.
هذا هو الشكل الجديد للشرق الأوسط، لكن في الوقت الحالي على الأقل، يجب أن تظل هذه الصداقة الناضجة بين إسرائيل وخصومها السابقين في المنطقة غير معلن عنها.
لقد اكتسبت إسرائيل خلال الأسبوع الماضي رصيدا ثمينا آخر، فبعد استيعاب الهجوم الصاروخي الإيراني ببراعة كبيرة، اصبح يُنظر إليها على الفور على أنها ضحية للهجوم وأستاذة في الدفاع عالي التقنية، وهذا امر مرحب به، بعد ستة أشهر من القتال العنيف ضد حماس في غزة، والذي شوه بشدة سمعة إسرائيل الدولية.
يبدو أن إسرائيل تحظى الآن بدعم مجموعة الدول الصناعية السبع المتقدمة بعد سلسلة الصواريخ الإيرانية والرد المحدود من القدس.
سيقول المتشددون الإسرائيليون إن إدارة بايدن الضعيفة مارست ضغوطا على إسرائيل لحملها على التراجع، وفي المعركة الوحشية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط اما ان تقتل او تُقتل، وقد يبدو هذا المفهوم الإسرائيلي الصارم للردع مقنعًا، ولكنني كنت أراقب النهج الذي تنتهجه إسرائيل في التعامل مع الأمن منذ ما يقرب من 45 عاماً، وأود أن أقول إن نتائجه كانت مختلطة، في أفضل تقدير.
نحن ننظر إلى شيء جديد، بعد “بنادق إبريل”.
ربما الأسوأ لم يأت بعد، خصوصًا إذا قررت إيران الحصول على أسلحة نووية، أو شن حزب الله هجمات من الشمال، أو اختارت إسرائيل شن حرب وقائية مدمرة ضد حزب الله في لبنان، ولكن سواء كان جيدًا أو سيئًا، فهذا فصل جديد في القصة.
إن التوصل إلى نهاية سريعة للحرب في غزة أمر ضروري الآن.
نحن عند نقطة انعطاف، حيث اصبح من المصلحة الساحقة لإسرائيل والفلسطينيين والشرق الأوسط بأكمله إنهاء هذا الصراع، وكما لاحظ الدبلوماسي المخضرم دينيس روس مؤخراً، فإن إسرائيل تقوم بإنجاز عملية تجريد حماس فعلياً من السلاح، مع القضاء على تسع عشرة كتيبة من كتائبها الأربع والعشرين، وقد اصبح التحالف العسكري الفعلي للمملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى مع إسرائيل سرًا مكشوفًا ونحن نتحرك أخيرًا نحو “اليوم التالي”.
يحتاج بايدن إلى مساعدة إسرائيل على إنهاء الحرب في غزة، وإيجاد طريق، بمساعدة عربية، إلى دولة فلسطينية في نهاية المطاف.
البيت الأبيض لا يعلق على كل هذا بالطبع ولكن كما قال مارك روثكو في شرح سبب توقفه عن تسمية لوحاته: “الصمت يوحي بتفاصيل دقيقة للغاية”.
المصدر: واشنطن بوست