اتجهت الموارد الاقتصادية في سورية خلال فترة الحرب لتتمحور بالمجمل حول الأعمال والأنشطة التجارية، وتتمركز في أيدي شريحة منظمة من رجال الأعمال وعدد محدود من المستثمرين.
وطغت أشكال حديثة من التجارة أدت إلى تفكك طبقة التجار التقليديين في العاصمة دمشق وحلب وحجّمت أعمالهم، وسمحت باستثمار الحرب ومآلاتها اقتصادياً عبر طرق وأساليب جديدة أزاحت الصناعيين واحتكرت الاستيراد والتصدير و”قوننت” التداول بالعملة الاجنبية بما يساهم في خدمة الهيكل التجاري المستحدث والنظام الاقتصادي الجديد.
الأشكال التجارية الجديدة
انكفأ الإنتاج الصناعي السوري بعد الحرب إلى شكل من الصناعات البدائية والتحويلية السهلة مثل الصناعات الغذائية والألبسة والمحارم والصابون وغيره من الصناعات التي تعتمد في موادها الأولية وتجهيزاتها على الإنتاج المحلي وهذا الحال الملازم للدول المتخلفة عندما تقع في أزمات سياسية وأمنية.
في حين تصدرت التجارة واجهة الاقتصاد لتأخذ اتجاه الاستيراد دون التصدير، والتهريب بالاتجاهين، في حين نشطت التجارة الداخلية معتمدة على رؤوس الأموال المحلية والثروات الطبيعية ورصيد المؤسسات والشركات المنتجة والخدمية في آن.
التلاعب في السجلات
وبدأ الشكل التجاري الجديد يأكل من الرصيد المحلي على حساب الركائز الاقتصادية في البلاد. يقول موظف في دائرة السجل العقاري بدمشق طلب عدم الكشف عن اسمه لـ”العربي الجديد”: منذ سنوات بدأنا نلاحظ في سجلاتنا انتقال ملكيات عامة تتبع لسلطة المحافظة أو الوزارات والبلديات، إلى مصلحة القطاع الخاص، وهذا الانتقال يظهر بوضوح في العديد مما يسمى “الوجائب” داخل المدينة ومناطق السكن العشوائي والمخالفات، ويظهر بكثرة بريف دمشق، خاصة البلدات التي طاولتها آلة الحرب، وفي مناطق الغوطة المحيطة بدمشق.
ويذكر الموظف السوري أن أحد ضباط الأمن يملك في دمشق أكثر من 120 عقاراً على شكل شقق ومحال تجارية وأراض.
اتجار بالمحروقات والكهرباء
تحدث موظف في شركة كهرباء دمشق عن شكل آخر للتجارة، بدأ منذ بداية الحرب السورية باستيراد بطاريات الشحن ومولدات الإنارة ومولدات الكهرباء الصغيرة، ثم ألواح الطاقة الشمسية وصولاً إلى مولدات الكهرباء الكبيرة وبيع “الامبيرات”، وصاحب هذه التجارة الجديدة عمليات اتجار غير نظامي بالمحروقات خاصة المازوت، وأسلاك الكهرباء وكابلاتها المعدة لشبكات التغذية الكهربائية.
والأكثر سوءاً هو تجارة خطوط الوصل الكهربائي المعفى من التقنين “الخط الذهبي” فبات بعض من أصحاب بيع الأمبيرات للمواطنين يعتمد لتشغيل المولدة على المازوت المدعوم أو الخط الذهبي وذلك بحسب قربه من أصحاب القرار في البلاد.
تركز الثروة
اختصر أحد أساتذة كلية الاقتصاد في جامعة دمشق الذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية؛ الشكل الجديد لاقتصاد البلاد عندما قال: “نحن أمام شكل من الاقتصاد يأكل من القطاع العام ويركز الثروة في أيدي قلة من المنتفعين، حيث تجمد أموالها في تجارة العقار أو في البنوك والمؤسسات الخارجية، وتسعى جاهدة للحفاظ على واقع المجتمع الاستهلاكي غير المنتج من خلال حصار الإنتاج الصناعي المحلي وإغراقه وتحويله أو تهجيره”.
وكتب “فارس الشهابي” رئيس غرفة تجارة وصناعة حلب، والمقرب من النظام السوري في 7 مارس/ آذار الماضي عبر الفيسبوك: “إذا كنت تريد أن تنجح إنتاجياً في بلادنا هذه الأيام. عليك اولاً أن تكون بطلاً عالمياً في رياضة القفز فوق الحواجز، وأن تتقن السباحة بين القروش، وتستمتع بالرقص بين أقدام الفيلة، من دون أن تشعر بالألم واليأس من كثرة الخوازيق. وأهم شيء أن تصفق لأصحاب القرارات الاقتصادية المدمرة. وبدون هذه الكفاءات ستخسر وتصبح فاشلاً”.
الملاحظ في سورية خلال سنوات الحرب وما بعدها وجود كل المواد المطلوبة للعيش في الأسواق من سلع غذائية وإلكترونية وصناعية وقطع تبديل وغيرها تماماً كما قبل الحرب مع اختلاف في مصدر الإنتاج والتكلفة وأسعار المبيع، فيما تغيب وتقل الخدمات الرئيسة كالمياه والكهرباء والاتصالات والوقود،
وهنا يتساءل كل مواطن سوري عن ماهية قانون “قيصر” وأهدافه وحصار النظام السوري وما الفائدة من هذا القانون إذا كان يساهم في تمكين السلطة وإضعاف الشعب.
حماية التجارة الموازية
يقول الخبير الاقتصادي “كمال المصري” لـ”العربي الجديد”؛ إن سنوات الحرب الطويلة وما بعدها أنتجت شكلاً جديداً للاقتصاد في سورية، يقوم على تآكل البنية الاقتصادية السائدة ما قبل الحرب من جهة وعلى حماية التجارة “الموازية” غير النظامية من جهة أخرى. وفي الاتجاهين تسير البلد نحو انهيار اقتصادي كبير، فالأول أدى إلى انهيار شريحة التجار التقليديين والصناعيين التي كانت تشكل الطبقة الوسطى في المجتمع والتي تقوم على عاتقها البنى الاقتصادية وفرص التطوير، وكذلك إمكانية الحفاظ على الموارد العامة والخاصة، سواء كانت مادية كالمؤسسات والشركات، أم بشرية.
والثاني أسس لمنظومة من الفساد المنظم طاولت كل شرائح المجتمع دون استثناء، وأنتجت شبكات هرمية قاعدتها المواطن بأي عمل أو اختصاص ورأسها يتجاوز المسؤول في أي قطاع ليصل إلى أعلى الهرم في الدولة.
وأصبح الاقتصاد السوري يتصف باقتصاد العصابة، فكل مقر على شكل دائرة أو مؤسسة أو مركز قوامه رئيس ومرؤوس هو منشأة “اقتصادية” تتبع نظام العصابة في الإنتاج، حتى لو كانت بعيدة كل البعد عن الاقتصاد، وهذا النظام لا يستثني المؤسسات المدنية أو الخدمية مثل القضاء والصحة والتعليم والنفوس ومنظمات العمل الإنساني ومنظمات الإغاثة الدولية وغيرها. ومن ثم يسير الاقتصاد السوري إلى مرحلة الفشل في المؤسسات والانهيار.
المصدر: العربي الجديد
الأنظمة المستبدة الديكتاتورية تصطنع حاشية من المنتفعين ذو الخلفية التافهة والفاسدة ليتم إستخدامها كمطبلين لإستبداده ويبرروا ديكتاتوريته، نظام طاغية الشام أستبدل الطبقة التجارية التاريخية والصناعيين السوريين العريقين بطبقة جديدة فاسدة لتحقيق تطلعاته وخدمة أجندته، إنه الفساد ومن ثم الفساد المنظم .