سافر وزير الدفاع يوآف غالانت أول أمس إلى حيفا، ليشاهد عرضاً عن أعمال قيادة الجبهة الداخلية حيال هجوم صاروخي من لبنان أو سوريا أو من إيران. استغل غالنت الفرصة ليساهم بنصيبه في جملة التهديدات المتبادلة. “سنعمل في أماكن عملنا فيها”، وعد. “سنعمل في أماكن يعرفها العدو وفي أماكن لا يعرفها”.
منذ 7 أكتوبر وغالانت يكثر من التهديد؛ يهدد حماس وحزب الله وسوريا وإيران. وعندما أسمعه، أتساءل ما الذي في أقواله جزء من روتين عمل وزير الدفاع، أنت تهدد إذن أنت موجود، ما الذي يشكل جزءاً من حوار واع ومحسوب هدفه ردع العدو، وما الذي يقال كدفع للحجة قبيل الكارثة التالية، وما الذي يسعى ليعزف على مخاوف الإسرائيليين من حرب تنالهم في بيوتهم، عميقاً في الجبهة الداخلية. بإيجاز، لست واثقاً من يهدد، الإيرانيين أم نحن. يجدر به الركض إلى السوبرماركت ليشتري ماء.
نتنياهو يضيف إلى تهديدات غالانت سلسلة تهديدات خاصة به: يهدد الأمريكيين، والأوروبيين، والمنظمات الدولية، وقطر، ومؤخراً الأردن ومصر.
حسن مهداوي، قائد “فيلق القدس” في سوريا، كان إصابة سيئة. إسرائيل فتشت عن رأسه لزمن طويل. آمل أن من قرر إطلاق الصاروخ نحو السفارة الإيرانية في دمشق أجرى الحساب حتى النهاية، فما منفعة هذه الخطوة، وما ضررها. لست واثقاً أن هكذا كان. بخلاف الانطباع الناشئ لدى الجمهور منذ 7 أكتوبر، تخوض إسرائيل حرباً متدحرجة. ثمة أماني ولكن دون استراتيجية. الانتصار المطلق ليس موجوداً إلا في خطابية نتنياهو الكاذبة. عندما كتبت هذه الأمور هنا في الأسابيع الأولى من الحرب اتهمني قراء بالانهزامية والخيانة وباختيار حماس. مرت ستة أشهر، ولا بشائر طيبة. الصفقة لإعادة المخطوفين عالقة بين القاهرة والدوحة؛ والسنوار ناج ومسيطر، ومحوط برهائن؛ 100 ألف نازح منقطعون عن بيوتهم وحياتهم؛ الدولة انكمشت في الشمال والجنوب، تنتظر بقلق الضربة التالية. حتى لو تغلبنا على كل هذه الضربات فالخطر الأكبر في المدى البعيد هو فقدان أمريكا. ثمة سياقات تاريخية ليست قابلة للإصلاح: حلف بني على مدى 100 سنة، وتعمق في الرأي العام وانتشر على كل الساحة السياسية، قد ينهار ويتفكك أمام عيوننا. بمفاهيم عديدة يحصل هذا الآن.
أي من أصحاب القرار، سواء في الجيش أو المستوى السياسي، لم يتخيل حصول هذا. الترددات حول ما العمل في أعقاب كارثة 7 أكتوبر تركزت في الخطوات العسكرية. غالانت وقيادة الجيش دفعوا نحو عملية دراماتيكية في لبنان؛ وغانتس وآيزنكوت عارضا؛ ورئيس الأركان دفع نحو عملية برية في غزة؛ ونتنياهو خاف من ثمن ضحايا الجيش الإسرائيلي. أما اليوم، في نظرة إلى الوراء، فثمة ألوية وفرقاء متقاعدون يسألون لماذا بدأوا العملية البرية في شمال غزة وليس في جنوبها، في منطقة رفح. في الأسابيع الأولى من الحرب، كان يمكن تحقيق تعاون مع المصريين في منطقة الحدود والصعود شمالاً.
كانت هناك أمنية بانهيار حماس تحت الضغط العسكري، وعبرة لنصر الله أيضاً. لم يحصل هذا. ما حصل شيء آخر تماماً: تحت الضغط العسكري نزح قرابة مليون ونصف غزي جنوباً، آلاف الأطفال والنساء والشيوخ قتلوا في القصف. الضائقة في غزة حقيقية. الصور القادمة من هناك احتلت الشبكة وشطبت التأييد الذي حظيت به إسرائيل في العالم في أعقاب المذبحة. الميل المناهض لإسرائيل لم يعد مشكلة إسرائيل وحدها: أصبح مشكلة سياسية تهدد كل حكومة صديقة. إسرائيل بمثابة جنوب إفريقيا الأبرتهايد، روسيا بوتين.
سواء أحببنا أم لم نحب، هذا هو العالم اليوم. قد نصدم من انعدام النزاهة في الحوار عبر الشبكة، ومن الأكاذيب، ومن المظاهر اللاسامية، لكن لا عالم آخر لنا.
ولد إخفاق 7 أكتوبر من إغماض عيون في ضوء قدرات حماس المكشوفة. إخفاق ما بعد 7 أكتوبر نبع من إغماض العيون في ضوء قيودنا. مسؤولية نتنياهو لما حصل في 7 أكتوبر جزئية؛ ومسؤوليته عما حصل من اليوم إياه وما بعده كاملة. هو المسؤول للرفض في كل ما يتعلق بالمساعدة الإنسانية؛ هو الذي تنكر لحقيقة أن التأخير في المساعدة يخلق لإسرائيل مشكلة استراتيجية. هو المسؤول عن التوقف قبل الأوان لجولات تحرير المخطوفين؛ هو المسؤول عن تحويل احتلال رفح – بيضة لأسباب عسكرية طاهرة لم تفقس بعد – إلى خصام وضع إسرائيل أمام الغرب والدول السنية كلها؛ هو المسؤول عن المواجهة الحادة مع إدارة البيت الأبيض.
هو المسؤول عن الفراغ الذي خلقته إسرائيل في غزة، فراغ يسمح لحماس بالعودة للسيطرة على المناطق التي أخليناها ويشتد فيها الجوع ويقتل الأبرياء. هو المسؤول ومعه كل أعضاء كابينت الحرب، سواء حذروا أم لم يحذروا.
لقد أجبر موت سبعة عاملي منظمة الإغاثة المطبخ المركزي العالمي حكومات العالم للقول: حتى هنا. فقد دفن، مؤقتاً او نهائياً، خيار رفح. خوسيه اندراوس، الشيف الذي يترأس المنظمة هو أحد الشخصيات المحبوبة للغاية لدى الشبان الليبراليين في الولايات المتحدة، لا يمكن لبايدن أن يخسره. الخطأ في هذه الحالة كله من نصيب الجيش الإسرائيلي، لكن الغرب يريحه إلقاء الذنب على نتنياهو. في القدس يتظاهرون ضد نتنياهو الرجل؛ في العالم يمقتون نتنياهو الرمز.
“كفى”، في عنوان ضخم، يقول مقال افتتاحي في الصفحة الأولى لصحيفة “الإندبندنت البريطانية”. “السبعة الذين قتلوا أصبحوا رمزاً لكل انعدام القانونية والتسيب الذي يدير فيه نتنياهو الحرب. حان الوقت لعمل كل ما يلزم لإجبار إسرائيل على وقف الحرب”.
لا أعتقد أنه ينبغي لحكومة إسرائيل أن تأخذ الأوامر من صحيفة بريطانية. ولا من حكومات العالم. لكن ربما حان الوقت لإجراء حساب المنفعة/الكلفة، ما الذي تبقى لنا لنربحه من استمرار القتال في غزة وما الذي نخسره؟ فقد تلقينا الضربات؛ أكلنا السمك الفاسد؛ فما الذي يجعلنا نواصل إلى أن نطرد من المدينة؟
المصدر: يديعوت أحرونوت /القدس العربي