نعيش هذه الأيام الذكرى الثالثة عشر لإنطلاق الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، ودخول الثورة السورية عامها الرابع عشر، في ظل تراجع الزخم الثوري وضغوطات اقتصادية على الحاضنة الشعبية للثورة في المناطق الخارجة عن سيطرة عصابات الأسد، وفي دول المهجر المتاخمة للوطن.
فبعد أن استنفذ الوضع السوري طاقته الداخلية القادرة على إحداث تغييرٍ جذريٍّ لما استقرّ على الأرض، وصار بالتالي رهينة توافق إراداتٍ خارجيةٍ، دون الوصول إلى مخرج من حالة الإنسداد الذي سببها انعدام الإرادة الدولية لإيجاد حل للقضية السورية من خلال تطبيق القرارات الدولية. وأبرز تمثيل لهذه الحالة التباين الواضح في آلية التعامل مع الحالة السورية الراهنة التي تتوزّعها سلطات عديدة ليست “الدولة السورية” سوى واحدة منها. فهذه “الدولة”، لا تزال تتمتّع باعتراف قانوني دولي، وإن كانت لا تمتلك في الواقع ما يسند هذا الاعتراف، لا القبول الشعبي العام ولا الولاية الكاملة على الأرض.
مما يسلط الضوء مجدداً على حقيقة كون عصابات الأسد مرتهنة أساساً للغرب فهي ضمن أركان النظام العالمي الذي هزته الثورة السورية دون قصدٍ من خلال التظاهرات السلمية التي كانت امتداداً طبيعياً للربيع العربي الذي اجتاح قلاع التسلط والإرهاب في الوطن العربي. فالثورة التي انطلقت تطالب بالحرية والكرامة يبدو أنها مست أحد مراكز استقرار النظام العالمي، ففي اللحظات التي كانت فيها عصابات الأسد تجتاح المدن والقرى السورية بكامل عتادها، ووصل بها الأمر إلى استخدام البراميل المتفجرة تلقيها على المناطق الخارجة عن سيطرته، كانت شركاتٌ غربية تبيع المواد الكيميائية لعصابات الأسد، وتغذّي آلته العسكرية باحتياجاتها، ليصل به الأمر إلى استخدام السلاح الكيماوي في العديد من النقاط التي هددت استقرار إمساكه بالسلطة.
وإن كانت استمرارية الثورة تتطلب النشاط الثوري إما في مواجهة السلطة الحاكمة في مناطق سيطرتها، أو ببناء الهيكل الحر الديمقراطي الذي نادى به الثوار في المناطق الخارجة عن سيطرة عصابات الأسد. أما تسقيط سلطة من خارج النطاق الجغرافي لفعاليتها ومن وراء البحار ومن خلف شاشات الكمبيوتر فلا ينتمي إلى العمل الثوري، ولا يتعدى المناصرة للثورة وحاضنتها الشعبية، التي بدأت تعاني من تآكل الدعم الدولي والإقليمي وهجرة الكوادر الشابة بحثاً عن الحلول الفردية لمشاكلها الشخصية، بدلاً من العمل على تشبيك طاقات السوريين وتصعيد فعلهم الإيجابي، ورتق ماتمزق من النسيج الاجتماعي والسياسي نتيجة الصراع الإقليمي والدولي على الأرض السورية، تمهيداً لتشكيل أرضية سورية تصلح لاستقبال حل دولي يمكن استدعائه من خلال تصدير مشروع وطني يستجيب لتطلعات الحاضنة الشعبية للثورة، ويبتعد عن أن يكون باعثاً للاحتساب على المعسكرات المتصارعة في المنطقة العربية.
وإن كان العام الأخير من عمر الثورة السورية قد شهد مراوحة القضية السورية في مكانها، إلا أنها شهدت العديد من محاولات إيجاد اختراق للقوى الإقليمية والعربية لمعسكر عصابات الأسد وداعميه. وإن كانت محاولات تقارب الحكام العرب مع عصابات الأسد، ناهيك عن محاولات لقاءات تركية سورية، احتسبت كلها في سياق محاولات إعادة تدوير عصابات الأسد، بالرغم من عدم إمتلاكه إمكانية إتخاذ أي قرار مستقل بعيداً إرادة داعميه، وفي انتهاك واضح للقرارات الدولية، وفي تجاوز لجميع الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري، ودون الحصول على التزامات واضحة من هذه العصابة بشأن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والكشف عن مصير عشرات آلاف المعتقلين، وتحريك العملية السياسية المعطلة لحل القضية السورية، على أساس القرارات الدولية أو بما ينسجم معها.
وفي خضم هذا التراجع الإقليمي والعربي والإنسداد الدولي لإيجاد حل عادل للقضية السورية وفقاً للقرارات الدولية، كان الرد الشعبي بانطلاق الحراك المجتمعي في محافظة السويداء، والذي تبنّى شعارات الثورة الأولى ودعا إلى تطبيق القرارات الدولية وتحريك العملية السياسية التي لم تشهد أي تطور إيجابي خلال عام مضى. ما عُدّ تجديداً لهذه الثورة واستمراراً طبيعياً لها، خصوصاً أن الشمال السوري رحّب بهذا الحراك، وشهد تظاهرات حاشدة تأييداً له، في انعطافة للمسار الذي فرض على القضية السورية عربياً وإقليمياً، مما فرض تحدياً جديداً على عصابات الأسد لم يكن ضمن حساباته، وما يزال في ذروة زخمه السياسي والشعبي، ودخل دائرة الاهتمام الغربي. إذ أن عصابات الأسد وصلت إلى مرحلت ثقة بأن المناطق الخاضعة لسيطرتها باتت عصيّة على أي حراك شعبي ضدها بسبب الوحشية التي مارسهتا ضد الثورة في سنواتها الأولى، إلا أن محافظة السويداء أكدت من خلال حراكها أن أسباب الثورة ما تزال مستمرة، فكسرت جمود المشهد وأعادت إلى واجهة الحدث مطالب أغلب السوريين في تحقيق تغيير حقيقي يطال رموز النظام ومرتكزاته الأمنية والسياسية والإقتصادية ويحدث النقلة النوعية التي تعيد لسورية شعبها لعيش بحرية وكرامة.
وفي خضم أحداث الجنوب السوري، الذي واكبه طوفان الأقصى مما أعاد لنا جميعاً إمكانية تحقيق انتصار أمام قوى الطغيان والتجبر، بدء الحراك الشعبي يجتاح منطقة إدلب في محاولة لإعادة صياغة الحياة السياسية والاقتصادية في هذه المنطقة التي حولها أمراء الحرب إلى معقل لتبييض الأموال في ظل حالة من التراجع الشديد لكل قيم الثورة، وتخبط عاشته المنطقة بعد سلسلة من الصراعات بين رموز القوى العسكرية المتحكمة في المنطقة، مما أوجد مناخاً هيئ لجموع الناشطين كي يستعيدوا دورهم في تصدر الحراك الشعبي المنادي بإعادة ضبط المنطقة الخارجة عن سيطرة عصابات الأسد، ومنع تحولها لمرتع لأمراء الحرب، ومعبر لتبييض الأموال.
وإن كان الحراك الشعبي في السويداء والانتفاضة التي تعيشها إدلب الخضراء هما ما توج العيد الثالث عشر للثورة السورية، فإننا يجب أن نأمل بهذا الحراك أن يكون منطلقاً للنخب الثورية التي مازالت متشبثة ببقايا إيمانها بأهداف الثورة، وعاقدة العزم على مواصلت العمل من خلال الحاضنة الشعبية للثورة على أرض الوطن أو على الأقل على حدوده، أملاً في استحداث اختراق في الانسداد الحاصل في القضية السورية على طريق استعادة الثورة لألقها وعنفوانها فالطريق إلى الحرية والكرامة لم يكن يوماً مزروعاً بالورود.
ملاحظة:
يتم نشر هذا الملف في ذكرى ثورة الحرية والكرامة، ثورة الشعب السوري بالتزامن في كل من موقع ملتقى العروبيين، وموقع المدار نت وموقع الحرية أولًا وموقع مصير
بالذكرى الثالثة عشر للثورة السورية ، الحراك الشعبي على الأرض بالسويداء ودرعا ومناطق النزوح بإدلب وريف شمال حلب ودول اللجوء يؤكد إستمرار الثورة حتى تحقيق أهدافها ، فهل ستصل للنخب الوطنية الثورية لتعيد تقييم الـ 13 عاماً من الثورة وإعادة النظر بإسلوب انجح للنضال لتحقيق أهداف ثورتنا ؟.