إنها المرة الأولى التي أشعر فيها بالعجز في الكتابة حول ذكرى الثورة السورية، في عامها الثالث عشرة. وماذا أكتب ومن أين أبدأ بالحديث وهل هناك ما يجب أن أقوله ولم يتم التطرق إليه سابقًا. الثورة التي انطلقت بداية بحراك خفيف في دمشق في ١٥ آذار ٢٠١١ كي تتحول الى مظاهرات عامه في ساحة درعا في ١٨ آذار ومن ثم تنطلق تباعا في ساحات سورية بدءا بعامودا وصولا الى درعا مرورا بحمص وحماه واللاذقية وريف دمشق وحماه ودير الزور… والهتافات الموحدة واللافتة للنظر كانت.. واحد واحد الشعب السوري واحد… الله سورية حرية وبس…وكأن العقل الباطني للإنسان السوري ينبه حاله الى خطورة سياسات التهميش والاقصاء وتحويل الطائفية الى طائفية سياسية في المجتمع.
اليوم وبعد مرور تلك السنوات ورغم الدمار والخراب والتهجير لانزال نعاني من خطورة الانقسام المجتمعي والذي تطور الى انتقال سورية من سلطة مركزية غاشمه الى سلطات امر واقع تتقاسم فيها الجغرافيا السورية.
إدلب وشمال حلب يحكمها الجولاني من جهة مع حكومة الانقاذ واخرى يحكمها الجيش الوطني والحكومة المؤقتة بإشراف تركيا ورغم هذا الاشراف فقد بقيت تلك المناطق متوزعة بين حكومتين وتحت سيطرة فصائل مدعومة تركيًا ولكنها متحاربة مع بعضها في بعض المفاصل.
والساحل السوري اضافة الى غربي حمص ومعها حماه والغاب وقسما من حلب تحت اشراف روسي والمنطقة الشرقية من الجزيرة السورية والتي تخضع لقوات سورية الديمقراطية فهي تحت اشراف امريكي وإيران تنتشر في الجغرافيا السورية عبر الحوزات الدينية من جهة وعبر ميلشيات تحاول تأمين مسارا ثابتا لها من إيران وصولا الى لبنان مرورا بسورية والعراق ورغم كل الضربات الإسرائيلية لها فان تمددها يتسع وان كان التضييق عليها في عدم تواجدها على حدود متاخمه لكيان الاحتلال الاسرائيلي والذي يحتل الجولان اضافة الى فلسطين.
إذا لم تعد ثورة الشعب السوري ثورة شعب ضد نظام غاشم مستبد مجرم، لقد انتقلت الثورة الى متغير آخر ورغم ذلك لاتزال تفتقد المشروع الوطني والقيادة السياسية السورية التي تناضل لتحرير سورية من سلطات الأمر الواقع بكل تنوعها.
أحد اهم الاخطار التي تحدق بسورية انها تخضع لسيطرة احتلال ايراني روسي تركي امريكي اضافة للإسرائيلي دون اعتراف من هؤلاء انهم قوى احتلال لأنهم يحكمون من خلال سوريين وليس بشكل مباشر رغم تواجد قواعد عسكرية لهم وهذا يزيد في تعقيد الحل للقضية السورية وتجعل من الاحتلال هذا شكلا خاصا بالعلاقات الدولية ويخفف الاعباء عن هذه الدول لان تصنيفها هو إشراف وليس احتلال.
الاحتلالات ظاهرة موضوعيه لم يعد بالإمكان طرح حلول في القضية السورية بتجاهل لها، وفي هذا السياق المعقد يأتي حراك السويداء ليعيد للثورة بعضا من روحها التي بدأت تغيب وسط تحكم سلطات الامر الواقع وتعيد هتاف واحد واحد الشعب السوري واحد وبعد شهور لانطلاق هذا الحراك تظهر وثيقة ٨ آذار كمبادرة في بدء توحيد النضال ما بين درعا والسويداء وشمال سورية وكمخرج يتم فيه انقاذ السويداء من عزلها ودفعها بالتدريج كي تعلن شيئا من الاستقلالية والتي ترفضها اليوم ورفضتها تاريخيا.
في ذكرى الثورة الثالثة عشرة نقف امام تحديات جدية، المظاهرات في منطقة الجولاني احدى المنطقتين التابعة للاحتلال التركي تطالب بإسقاط الجولاني ومنظومته الأمنية والعسكرية والسويداء تثور على الاسد ومنظومته الأمنية والعسكرية.
ومبادرات ومسودة عقد اجتماعي تصدر في المنطقة التي تتحكم بها قوات سورية الديمقراطية والاسد لايزال دوليا هو من يمثل سورية في الامم المتحدة رغم تواجد امريكا وروسيا كقوى احتلال في سورية.
تحديات لا اعتقد هناك ما يشبهها سابقا في تجارب الدول. هل ستفرض علينا هذه التحديات نهجا وطنيا مختلفا عن كل الاطروحات السابقة. هل ستفرض تنوع سلطات الامر الواقع واقعا وطنيا سوريا جامعا يواجه فيه تقسيما يكاد يتحول لواقع مستدام لكنه غير آمن ويؤسس لحروب اهليه دائمة.
التحديات والمواجع عميقة ويظل الأمل بمشروع وطني يمثل التنوع القومي والديني والطائفي والاثني بعيدا عن المحاصصات التي يتم دفع سورية والسوريين إليها.
ملاحظة:
يتم نشر هذا الملف في ذكرى ثورة الحرية والكرامة، ثورة الشعب السوري بالتزامن في كل من موقع ملتقى العروبيين، وموقع المدار نت وموقع الحرية أولًا وموقع مصير