صدر كتاب “عربيّة في إيران: الإيرانيون كما لم نعرفهم” للكاتبة السورية الفرنسية ندى الأزهري عن دار الساقي وهى كاتبة ومترجمة وناقدة سينمائية سورية، عملت في صحف عدّة، أبرزها “الحياة”، و”العربي الجديد”، وشاركت في لجان تحكيم سينمائية دولية.
نادرا ما نعثر على كتب عربية تتناول واقع المجتمع الايراني -لا سيما بأقلام عربية- وفي حال وُجدت تكون غالباً لباحثين غربيين. محمد تركي الربيعو حاور لموقع قنطرة الكاتبة السورية-الفرنسية ندى الأزهري عن كتابها حول الإيرانيين.
يتردد اسم إيران كثيراً منذ سنوات في الصحف ووسائل الإعلام العربية. فمن بيروت إلى دمشق والبصرة، بات يظهر باستمرار قادة عسكريون إيرانيون، أو قادة محليون تابعون لهم وهم يتنقلون بين أحيائها ولياليها الساخنة. ولذلك ليس من الغريب رؤية صور الضابط العسكري قاسم سليماني بوصفها أكثر الصور انتشارا عن الإيرانيين في المنطقة، بينما تغيب في المقابل أي صور لمغني إيراني مثلاً.
ويشكّل كتاب الكاتبة والناقدة السينمائية السورية/الفرنسية ندى الأزهري حالة جديدة في عالم الإصدارات العربية المتعلقة بإيران. فبدلا من الخوض في النقاش السياسي والعسكري، تقرر التقاط صور من واقع وحياة الإيرانيين. عاشت المؤلفة في طهران بين عامي 2006 _2010. ثم عادت لزيارتها مرات عدة كان آخرها عام 2019. ومن خلال هذا الاحتكاك، قررت أن تدون لنا تفاصيل عن حياة الناس وأفكارهم.
يبدو النص أحياناً عبارة عن يوميات وملاحظات وهوامش عن حياتها في إيران، لكن هذا الانطباع يتراجع مع تمكِّن المؤلفة من تعميق معرفتنا بمجتمع طهران والروائيين والسينمائيين الإيرانيين.
تتّبع المؤلفة -في فصول من الكتاب- حياة الفتيات الايرانيات وأشكال ازيائهن. وهنا تبدو قلقة حيال بعض التحليلات التي تقرأ محاولة خلع الحجاب باعتبارها دليلا على تطلعات علمانية، في حين بدا لها أنَّ الايرانيين عموما ورغم رغبتهم في التحرر فإنهن في المقابل يُبْدِينَ اهتماماً أيضاً بالانتماء إلى آل البيت.
تتنقل الأزهري عبر تكسي في شوارع طهران، وتنقل لنا أيضاً تفاصيل من قصص شوفيرية التكسي، وصور جديدة ومهمشة عن حياة العمال الأفغان، وعن شمال طهران الغني مقابل جنوبها الفقير.
دخول طهران بقناع فرنسي
تعود أصول مؤلفة الكتاب إلى مدينة حمص السورية، ومتزوجة من دبلوماسي فرنسي خدم لسنوات طويلة في الشرق الأوسط.
في عام 2006 انتقل زوجها للعمل في سفارة فرنسا بطهران، مما أتاح لها الانتقال معه. دخلت الأزهري المدينة بوصفها سيدة فرنسية، كونها تحمل الجنسية الفرنسية، وزوجة فرنسي.
كان رحالة أوروبيون قد زاروا إيران والشرق الأوسط عموما في العقود الماضية، لكنهم اضطروا أحيانا إلى التنكر كحيلةٍ لتلافي الملاحقات الأمنية. وبالرغم من أنَّ الأزهري لم تفكر بهذه الحيلة بدت لها لاحقا لعبة الأقنعة مفيدة لفهم رؤية النخب الإيرانية (البرجوازية) للعرب، خاصة وأنها أخذت تسمع -كما تذكر في مقدمة الكتاب- ما لا يمكن سماعه لو كانت قد حضرت بصفتها العربية. بدا لها المثقفون الإيرانيون مستعدون للبوح في حال وجود أشخاص غربيين، بينما كانوا متحفظين عند معرفتهم بهويتها العربية. ولذلك يشكل كتاب (عربية في إيران)، فرصة لتكوين صورة عن الحياة اليومية في إيران بعيون سيدة عربية. وللمزيد حول الكتاب وفصوله، أجرى معها محمد تركي الربيعو الحوار التالي لصالح موقع قنطرة:
تقول الكاتبة السورية-الفرنسية ندى الأزهري: معارك الحجاب كانت موجودة أيام الشاه في إيران، وحين قرر رضا شاه عام 1936 منع الحجاب تظاهر الناس واحتجوا بشدة. الحجاب جزء من كلّ، جزء مهم للجمهورية، وليس الكلّ، وتركيز الاهتمام عليه لوحده يغفل مطالب أخرى للإيرانيين. الغرب يريد التوقف كثيرا عند كل ما يمسّ المرأة، يعطيه أهمية عظمى ويريد فرض نظرته الخاصة في الموضوع والجميع يتبعه. يجب ألاَّ ننسى أن هناك طبقات متمسكة جدا بالحجاب وبالتشادور التقليدي في إيران مع أن هذا الأخير غير مفروض من الدولة. نلاحظ ذلك خاصة في أصفهان، المدينة المحافظة، حيث ترتدي الصغيرات التشادور حتى وهن يلعبن في الحدائق العامة، فمن أجبرهن؟ التقاليد وليس الجمهورية. الغلاف العربي لكتاب ندى الأزهري: “عربية في إيران: الإيرانيون كما لم نعرفهم”.
*لماذا قررتِ البدء في كل فصل بعنوان أو عبارة من فيلم سينمائي إيراني؟ وبماذا تختلف إيران الواقع عن إيران السينما؟
ندى الأزهري: السينما فنٌ يتيح لي تحقيق ما أحبّ: الكتابة، السفر، التعرف على شعوب وعادات… سافرت إلى بلدان كثيرة وأقمت في عدة وكانت السينما إحدى طرق اندماجي في بلدين على الأقل، هما الهند وإيران. هي مجال عملي ويعود الفضل إليها في التعرف أفضل على إيران عبر حوارات أجريتها مع كبار الفنانين هناك من عباس كيارستمي إلى أصغر فرهادي ورخشان بني اعتماد…
صحيح أني اكتشفت إيران البلد قبل اكتشافي لسينمائِهِ لكن كان لهذا دور كبير فيما بعد في زيادة اهتمامي بالمجتمع والتعرف عليه أكثر وأنا أدين لها بهذا. فكرة العناوين إذاً كانت تلقائية منذ بداية الكتاب حين أشرت إلى فيلم “دماء وذهب” لجعفر بناهي في حديثي عن النظرة إلى المجتمع الإيراني. وكانت كتابتي لبعض الفصول تفرض علي أحيانا صوراً من أفلامإيرانية معينة مثل فصل “الدين والحياة” الذي تذكرت من خلاله فيلم “العظاءة” لكمال تبريزي.
وعن السؤال الثاني -كما في كل مكان في العالم- فإنَّ عالم السينما مختلف عن المجتمع، وأهل السينما والسينما ذاتها عالم قائم بذاته وإن عبَّرَ عن مشاكل مجتمعه فعَبْرَ نظرة خاصة به. لكن يمكن القول إنَّ هذا العالم في إيران أقل انفصالا عن الناس وقضاياهم. كما أنَّ السينما الإيرانية في واقعيتها تهتم بمختلف الطبقات، وإن طغى حضور الطبقة الوسطى فالشعبية، وهي جزء مهم جداً في المجتمع الإيراني لا يصلنا صوته كثيراً، حاضرة كثيراً في الأفلام وعلى نحو صادق وواقعي سواء في مظهرها أم أسلوبها في الكلام أو أمكنتها.
أيضاً هناك ملامح من صفات وسلوك للإيرانيين قد لا ننتبه له لو لم نعِش في البلد وأجد أن السينما تبرزه تماماً. يمكن القول إنَّ السينما الإيرانية تلقي نظرة على إيران تتغذَّى “جيداً” من إيران.
إيران من الداخل…الشعب يرفض إسلام الملالي
العرب والايرانيون: صور نمطية
*بما أنك فرنسية من أصول سورية، يبدو أنَّ الجنسية الفرنسية قد جعلت الإيرانيين يبوحون لك أحياناً بوجهة نظرهم تجاه العرب. سؤالي هنا، كيف يرى الإيرانيون العرب؟
الأزهري: للتوضيح أنا سورية ونلت الجنسية الفرنسية فيما بعد وقَدِمْتُ إلى إيران بصفتي الفرنسية. في الكتاب حاولت تبيان ما رأيت وما لمستُ حول رؤية الإيرانيين للعرب، وأرجو أن أكون تعاملت مع هذا الموضوع الحساس بوضوح وموضوعية.
لا أريد كثيراً الخوض في الأمر لأنه سيكون خارج السياق، فإن قلت هناك مشاعر عدائية تاريخية متبادلة فهذا لن يعبر تماماً عن تعقيدات تلك العلاقة، ما قيل لي قيل من خلال سياق معين. كانت بعض الآراء تصلني بالصدفة على أساس كوني موجودة في إيران لأني فرنسية، وحين كنت أتوجه بالسؤال إلى الإيرانيين حول مشاعرهم نحو العرب كان ذلك يتمّ بمباشرة ووضوح أي بعد كشف انتمائي العربي.
*بالمقابل ومن خلال وجودك لسنوات في طهران، ما هي الصور النمطية التي يرسمها العرب عن الإيرانيين؟
الأزهري: المشكلة أو -لحسن الحظ- أنَّ هناك تقارباً في النظرة، يعيدها الطرفان إلى التاريخ في أغلب الأحوال. لكني كنت أفاجأ في كل مرة أتحدث فيها عن الإيرانيين في سوريا أن الناس يندهشون كثيرا مما أقول ولا يتوقعونه. هم يبنون آراءهم كما قلت من التاريخ وما يرونه من سلوك خلال زيارة الإيرانيين لدمشق مثلا. فيظنون أنَّ جميع الإيرانيين فئة واحدة متشابهة وهذا خطأ يقع فيع الشرق والغرب على حد سواء.
الغرب لا يرى غير الطبقات البرجوازية المتحررة والشرق لا يرى سوى الطبقات الشعبية المحافظة والمتمسكة بطقوس دينية. في كل هذا أفكار مسبقة وعدم رغبة في التعرف على الآخر كما هو بل كما يناسبنا.
تتذكر الكاتبة السورية-الفرنسية ندى الأزهري قائلةً: كنت أستقل التكسي الخصوصي كثيراً في طهران، ونظرا لاشتهار المدينة بزحمة مرور تجعل من أي مسافة طويلة مهما قصرت، كان السائقون يبادرون بالحديث والسؤال عن هويتي. كانوا يحتارون بها، ثم حين يعرفون أني أجنبية يثير ذلك فضولهم ورغبتهم بالحديث ودائماً بتهذيب شديد ودون أن يفرضوا أنفسهم. لم أجد أنهم ثرثارون، كانت أحاديثهم ممتعة طريفة بل وغنية، وبالنظر إلى محدودية لغتي الفارسية كانوا لا يترددون بإعادة الشرح لي مصرين على أن أفهم ما يقولون. الصورة من فيلم “تاكسي” الإيراني من إخراج جعفر باناهي – رحلة سرية داخل المجتمع الإيراني.
الإيرانيون وعدم النسيان
*تذكرين في الكتاب، أنه منذ السنة الثانية لإقامتك في إيران راودك شعور يائس حول إمكانية التعايش بين العرب والفرس. لماذا هذا الشعور؟ وهل يعني ذلك أن التوتر القائم اليوم بين العرب والإيرانيين لن يهدأ بتراجع دور الاسلاميين الإيرانيين؟
الأزهري: راودني هذا بعد مناقشاتي الكثيرة مع الطرفين، العرب والإيرانيين. لمست أنهم لم ينسوا التاريخ ولا يرغبون بنسيانه ولا سيما الطبقات البرجوازية. في سنتي الأولى كان الغيظ يتملكني وأنا أتعرف على آرائهم، لم أكن أظن أن الماضي ما زال ماثلاً إلى هذا الحد. ثم مع اندماجي وتعرفي أكثر على المجتمع كنت أدرك أكثر فأكثر مدى الجهود التي يجب أن تبذل للتقارب وللتخلص من هذه النظرة “الفوقية”، أو لتعديلها، لكن آمالي كانت تذوي مع ما يحصل سياسياً.
أعتقد أن المسألة لا علاقة لها بتراجع، أو بانتهاء نظام، هي مسألة اجتماعية تتعلق بالمجتمع وليس بالنظام. مصادفةً التقيت منذ أيام في فرنسا إيرانياً غادر إيران بعد الثورة وعمره أربع سنوات، لأن أباه كان ضابطا في جيش الشاه، بمعنى أنه معارض للنظام الحالي، وهو ردَّد لي بالضبط ما يقوله إيرانيو إيران في الداخل حول النظرة إلى تاريخهم مع العرب.
فيلم “تاكسي”….رحلة سرية داخل المجتمع الإيراني
*حاولت الكثير من الدراسات فهم التغيرات في إيران من خلال معارك الحجاب. لكن يبدو أنّك لا توافقين على هذه القراءة تماماً، ما السبب؟
الأزهري: معارك الحجاب كانت موجودة أيام الشاه، وحين قرر رضا شاه عام 1936 منع الحجاب تظاهر الناس واحتجوا بشدة. الحجاب جزء من كلّ، جزء مهم للجمهورية، وليس الكلّ، وتركيز الاهتمام عليه لوحده يغفل مطالب أخرى للإيرانيين. الغرب يريد التوقف كثيرا عند كل ما يمسّ المرأة، يعطيه أهمية عظمى ويريد فرض نظرته الخاصة في الموضوع والجميع يتبعه.
يجب ألاَّ ننسى أن هناك طبقات متمسكة جدا بالحجاب وبالتشادور التقليدي في إيران مع أن هذا الأخير غير مفروض من الدولة. نلاحظ ذلك خاصة في أصفهان، المدينة المحافظة، حيث ترتدي الصغيرات التشادور حتى وهن يلعبن في الحدائق العامة، فمن أجبرهن؟ التقاليد وليس الجمهورية.
كنت مرة هناك مع صديقة إيرانية تلبس ثوباً طويلاً ولكنه لا يغطي الكاحلين، فمن ضايقها؟ لم تكن هيئة الارشاد الإسلامي بل امرأة في الطريق نظرت إليها شذرا وطلبت منها تغطية ساقيها جيدا. كما أن ما شهدته إيران من تظاهرات كانت أسبابها سياسية اقتصادية معظم الأحيان في السابق. لكن هذا لا يمنع أنهن محقات في معركتهن، وأضيف أنَّ بعض المحافظين ومؤيدي النظام لا يرون في فرض الحجاب أمراً ضرورياً.
*تشيرين في الكتاب إلى أنّ السلطات الإيرانية منعت عرض ربطات العنق أو البابيون في الواجهات. من منظور سيدة عربية، كيف وجدتِ الرجل الإيراني؟
الأزهري: هناك بعض صفات عامة يمكن أن نصبغها على الإيرانيين، التحفظ والتهذيب وبالطبع عدم مصافحة النساء. المظهر العام ينبئ بخلفيات ثقافية واجتماعية ودينية. المحافظون مثلاً مع لحية قصيرة وبدلة رمادية، فيما يهتم آخرون كثيراً وأحياناً على نحو مبالغ به بمظهرهم كأن يجروا عمليات تجميل للأنف أو يتبنون التسريحات العصرية التي يعتمدها نجوم كرة القدم. كما أنَّ الرجل -إذا صدقنا بعضهم- يقول إنَّ المرأة هي المتحكمة في البيت. وبشكل عام كانت ثقافة الإيرانيين أكثر ما أدهشني وأعجبني.
*خصَّصت قسماً من كتابك للحديث عن أحاديثك في التكسي مع الإيرانيين أو مع سائقي التكسي. ربما ذكرني كلامك هنا ببعض الأفلام التي حاولَتْ رصد تحولات المدينة من خلف عجلات سائقي التكسي. لو أردنا وصف طهران والإيرانيين من خلال جولات التكسي وأحاديثك مع السائقين (في طهران)، ماذا نقول عنهم، ثرثارون؟ محافظون؟
الأزهري: كنت أستقل التكسي الخصوصي كثيراً في طهران، ونظرا لاشتهار المدينة بزحمة مرور تجعل من أي مسافة طويلة مهما قصرت، كان السائقون يبادرون بالحديث والسؤال عن هويتي. كانوا يحتارون بها، ثم حين يعرفون أني أجنبية يثير ذلك فضولهم ورغبتهم بالحديث ودائماً بتهذيب شديد ودون أن يفرضوا أنفسهم. لم أجد أنهم ثرثارون، كانت أحاديثهم ممتعة طريفة بل وغنية، وبالنظر إلى محدودية لغتي الفارسية كانوا لا يترددون بإعادة الشرح لي مصرين على أن أفهم ما يقولون.
ترى الكاتبة السورية-الفرنسية ندى الأزهري أن الثورة الإسلامية في إيران غَيَّرت مكانة النساء في المجتمع الإيراني، وتقول: “تنامى دورهن وبتن محطّ الاهتمام، وساهمت -وعلى نحو قد يبدو متناقضاً- في خلق ضرورة توجه النساء خلف الكاميرا. كان موقف الخميني هو المحفِّز كما قرأت، فهو لم ينكر السينما كفن وأكَّد منذ بداية الثورة أنه ليس ضد السينما أو التلفزيون، ولكنه ضد جوانب غير أخلاقية وإمبريالية فيها. مفهوم “العفة” هذا الذي بات يميز السينما الإيرانية حرر جزءاً من المجتمع الإيراني المحافظ والمتدين الذي لم يكن يثق بالنظام قبل الثورة، لقد خفَّف من حذر العائلات المحافظة تجاه السينما ولم تعد مرتبطة في أذهانها بالتفسخ، كما كان الحال أيام الشاه، بل باتت فضاءً تستطيع عبره النساء التعبير عن أنفسهن”. الصورة لمخرج فيلم إيراني عنوانه -من دونها- ولممثلتين في الفيلم.
الثورة الإسلامية والسينما
*يربط بعض المثقفين الإيرانيين تاريخ السينما الإيرانية بفترة ما قبل 1979. لفت نظري أنَّ لك وجهة نظر أخرى، ترى أنَّ عوالم الرقابة الإسلامية ساهمت في تطور السينما الإيرانية، كيف ذلك؟
الأزهري: عانت السينما الإيرانية من الرقابة قبل الثورة وبعدها. لكن يمكن القول إنَّ الثورة لعبت دوراً مهماً في تطور السينما الإيرانية وفي إقبال النساء على العمل فيها. من خلال حواري مع سينمائيين إيرانيين بدت الرقابة على الأفلام تحدِّياً حقيقياً لهم، يدفعهم لإيجاد الحلول لكل الممنوعات. أصغر فرهادي قال لي مثلا وهو يتحدث عن مشاكل السينما الإيرانية إنها أكبر من قضية وضع الحجاب أو اللمس والقضايا الظاهرية. ولو أنَّ الرقابة تضاعف الصعوبات ومنهكة فقد كانت حافزا للإبداع كما يؤكد كثيرون.
كذلك معروف أن النساء -بعد الثورة- “استولين” على الفن الأكثر شعبية في إيران وباتت السينما وجهة تتشاركها السينمائيات وضرورة لانتقاد المجتمع وإثارة مشاكل المرأة. فقبل الثورة -كما كتبت باحثة في السينما الإيرانية مقيمة في فرنسا- كانت هناك ثلاث مخرجات فقط صنعت كل واحدة فيلماً وحيداً وبعدها وصل عدد المخرجات إلى الثلاثين.
غَيَّرت الثورة مكانة النساء في المجتمع الإيراني، تنامى دورهن وبتن محطّ الاهتمام، وساهمت -وعلى نحو قد يبدو متناقضاً- في خلق ضرورة توجه النساء خلف الكاميرا. كان موقف الخميني هو المحفِّز كما قرأت، فهو لم ينكر السينما كفن وأكَّد منذ بداية الثورة أنه ليس ضد السينما أو التلفزيون، ولكنه ضد جوانب غير أخلاقية وإمبريالية فيها.
مفهوم “العفة” هذا الذي بات يميز السينما الإيرانية حرر جزءاً من المجتمع الإيراني المحافظ والمتدين الذي لم يكن يثق بالنظام قبل الثورة، لقد خفَّف من حذر العائلات المحافظة تجاه السينما ولم تعد مرتبطة في أذهانها بالتفسخ، كما كان الحال أيام الشاه، بل باتت فضاءً تستطيع عبره النساء التعبير عن أنفسهن.
المصدر : موقع قنطرة
“إيران التي لا تعرف العرب ولا يعرفونها” صورة حية لمشاهدات سيدة عربية في طهران تظهر هذه الحقيقة، هل فعلاً غَيَّرت الثورة الإسلامية “الخمينية” مكانة النساء في المجتمع الإيراني؟ أم تم إستخدامها لأجندة ملالي طهران؟ العداء التاريخي بين “الفرس” والعرب لم يكن ذو بعد تاريخي اجتماعي ولكن الثورة “الخمينية غذته تجاه أجندتها الإستعلائية تجاه العرب ، قراءة تحوي الحلو والمر .