ليلة عيد الميلاد (25 ديسمبر/ كانون الأول) 1979، اجتاحت القوات السوفييتية أفغانستان، ونصبَّت حكومة عميلة لها بقيادة بابراك كارمال بعد فترة اضطرابات تلت إطاحة الملك ظاهر شاه عام 1974. على الأثر، قرّرت إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر الدخول في حرب وكالة هدفها استنزاف السوفييت ومنعهم من التفكير بغزو باكستان والوصول إلى بحر العرب، والتحكّم، من ثم، بإمدادات النفط من الخليج العربي. تولى مستشار الأمن القومي زبغينو بريجنسكي مهمة تنفيذ هذه السياسة، وعلى الأثر زار المنطقة، واجتمع بقيادات أجهزة استخبارات حليفة، وانتهى إلى إنشاء “كونسورتيوم” أو “ناد أمني” ضمّ إلى جانب الولايات المتحدة كلا من السعودية، ومصر، والمغرب، وباكستان، وباشر العمل على تنظيم حرب عصابات ضد القوات السوفييتية في أفغانستان، بما يشمل تقديم السلاح والأموال والتدريب وتجنيد المقاتلين. وشجّعت الدول العربية الأعضاء في النادي مواطنيها على الذهاب إلى أفغانستان للجهاد ضد “جحافل القوات السوفييتية الكافرة”، وأدّى ذلك إلى ظهور ما سميت حينها ظاهرة “الأفغان العرب”.
نجحت الخطة الأميركية نجاحا عظيما، وخلال عقد فقط تمت هزيمة موسكو عسكرياً وإخراجها من أفغانستان. وقاد ذلك لاحقاً إلى تفكّك الاتحاد السوفييتي وانهياره، وخروج موسكو حتى من جمهوريات آسيا الوسطى المحاذية لأفغانستان. ومع انتهاء الصراع بهذه النتيجة، بدأ المجاهدون العرب العودة إلى بلدانهم، وقد صار الجهاد، بالنسبة إلى أكثرهم، مهنة وعقيدة، فبدأوا الاصطدام بالنظم الحاكمة في بلدانهم بعدما اتهموها بالكُفر والعمالة للغرب، وظهرت بذلك ما تُسمّى ظاهرة “العائدين من أفغانستان”. ونتيجة ذلك، شهدت دول عربية، خصوصا مصر والجزائر، ابتداء من مطلع التسعينيات، أعمال عنفٍ واسعة، إذ شنّت حركات، مثل تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر، هجمات كبرى طاولت خصوصا قوات الأمن والسياح الأجانب، فيما فعلت “الجماعة الإسلامية المقاتلة” في الجزائر، وجل أعضائها من الأفغان العرب، الشيء نفسه، إنما على نطاق أوسع بعد انقلاب الجيش على العملية الديمقراطية عام 1992. وقد أسفر ذلك عن سقوط مئات الآلاف من القتلى. عانت السعودية ودول خليجية أخرى أيضاً، وإنْ على مستوى أقلّ، من الظاهرة التي بلغت ذروتها في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول (2001) ضد الولايات المتحدة التي لم تسلم هي الأخرى من ارتدادات السياسة التي تبنّتها والظاهرة التي ساهمت في صنعها.
على مدى أكثر من عقد من الحرب في سورية، بعد تحول ثورتها إلى نزاع مسلح إقليمي ودولي، أنشأت إيران “جيشاً شيعياً” عابراً للحدود، عبر تجنيد آلاف المقاتلين الشيعة من العراق ولبنان، وباكستان، وأفغانستان، وأذربيجان، ونظمتهم في نحو 70 فصيلا مسلحا وزجّت بعضهم (زينبيون، فاطميون، حيدريون، محمديون، نجباء… إلخ)، في أتون الحرب السورية. بعض حكومات البلدان التي ينتسب إليها هؤلاء المقاتلون (باكستان وأذربيجان وأفغانستان خصوصا)، بدأت تُعرب علنا عن خشيتها من بروز ظاهرة “عائدين شيعة” أو “عائدين من سورية” تنعكس سلبا على استقرارها، بعدما اكتسب هؤلاء “خبرة قتالية” في الحرب السورية. لكن جانباً آخر غير معروف سابقاً برز أخيراً، خلال الحرب الإسرائيلية على غزّة، وبدأ يطاول إيران نفسها، إذ أخذت مصادر عديدة تتحدّث عن احتمال فقدان إيران السيطرة على بعض المليشيات التي صنعتها.
ورغم أنه لا دليل يُعتدّ به على صحة هذا الزعم، بدليل أن مليشيا “كتائب حزب الله” العراقية أعلنت عن وقف هجماتها على القوات الأميركية فور بروز احتمال تلقّي إيران ضربة أميركية بعد الهجوم على قاعدة البرج 22، شمال الأردن، ورغم أن هذه المزاعم قد تكون مجرّد تسريبات مصدرها إدارة بادين نفسها لإعفاء إيران من المسؤولية لتجنّب مواجهة معها، إلا أن هناك احتمالا، ولو ضئيلا، على أنه بعد مقتل عرّاب تلك المليشيات قاسم سليماني بدأت بعض فصائل جيش إيران الشيعي العابر للحدود تتصرّف بطريقة مستقلة نسبيا عنها، ما يعني أن الأدوات التي صنعتها إيران لردع خصومها عن ضربها وإبعاد الحرب عن نفسها قد تكون سبباً في جلب الحرب إليها، عندها تكون إيران قد وقعت في ما وقع فيه غيرها، فقدان السيطرة على فرانكشتاين!
المصدر: العربي الجديد
فراءة موضوعية على تشكيل الميليشيات المتطرفة، نظام ملالي طهران ضمن مبدأ التقية التي يتبعها قامت بتشكيل العديد من الأذرع وتدعمها مدعية تحرير القدس وهي لم تطلق رصاصة تجاه الكيان الصهيوني، وإدعاء وحدة الساحات ولم يشارك بحرب غزة ولو من خلال الأذرع ، ليس فقدان السيطرة ولكن سياسة الملالي بقيادة أذرعهتا .