عبر قانون قيصر (أو سيزر)، حتى تمريره في الكونغرس الأميركي، بمراحل عدة، منذ ظهور المسوّدة الأولى عام 2015، حيث عارضت إدارة الرئيس السابق، أوباما، مشروع القانون بشدة، لأنه يتضارب مع أولوياتها في الحوار مع إيران بشأن برنامجها النووي، بغية الوصول إلى الاتفاق الخاص بتجميد نشاطها النووي. وفي الوقت نفسه، كانت إدارة أوباما تتحجج بأن من شأن قانون سيزر أيضا أن يعقد مفاوضاتها السياسية مع روسيا، بغية الوصول إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في سورية.
مع وصول إدارة ترامب إلى البيت الأبيض في بداية عام 2017، كانت هناك رغبة عارمة للرئيس ترامب في إعادة ترتيب العلاقات مع روسيا، بهدف تخفيف التوتر المتصاعد داخليا مع اتهام حملته الانتخابية بالتنسيق مع روسيا، وخارجيا مع فرض مزيد من العقوبات على روسيا، بسبب تدخلها في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، كان مشروع القانون يحظى بدعم كبير من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. وكانت باستمرار تظهر أصواتٌ تطالب بتمرير القانون نوعا من الضغوط على نظام بشار الأسد وعلى روسيا، للوصول إلى حل سياسي في سورية.
لكن وبسبب الانقسامات الحزبية داخل الكونغرس، تأخر القانون أكثر من عامين، قبل أن يقرّر زعيم الأغلبية الجمهورية، وبدعم ديمقراطي، إلحاقه بقانون ميزانية وزارة الدفاع، ليكون ملحقا في نهاية العام الماضي. وفعلا مر القانون بأغلبية كبيرة، ووقعه الرئيس الأميركي ترامب، نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كي يصبح نافذاً.
كان ردة فعل الأسد على قانون قيصر كالعادة خروج مسيرات تأييد إجبارية في مدن سورية، منها طرطوس والسويداء. وفي الوقت نفسه، حاول الأسد حرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية، وتحميل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سورية على قانون قيصر، بوصفها “عقوبات على الشعب السوري”، مبرّرا انهيار الاقتصاد السوري وغلاء الأسعار وارتفاع التضخم وانهيار القدرة الشرائية للمواطن السوري نتيجة قانون قيصر، من دون أن يدرك أن هذا الانهيار هو نتيجة سياسات مالية واقتصادية وسياسية أدّت إلى العجز الحالي، فبعضها يعود إلى أسباب اقتصادية ومالية، من قبيل عدم وجود مخزون احتياطي من العملة الصعبة لدى المصرف المركزي السوري لدعم الليرة، وتحوّل سورية إلى مستورد صافٍ للنفط، وانعدام الدورة الإنتاجية.
وفيما تتصدّر سورية قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم، إذ يقبع 83% من سكانها تحت خط الفقر، بحسب أرقام صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في مارس/ آذار 2019، فالعقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق محصورةٌ بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وليست ملزمةً بقرار أممي، فقد اعتمدت روسيا وإيران على التجارة والاستفادة من نظام الأسد، باعتباره ليس خاضعاً لعقوبات أممية. ولذلك جاء قانون قيصر ليسدّ هذه الثغرة، ويضع الشركات التي تتعامل مع الأسد، بما في ذلك الروسية والإيرانية، ضمن العقوبات الأميركية.
لذلك، من شأن هذه العقوبات زيادة عزلة النظام السوري الاقتصادية، خصوصاً أنها تقلل حظوظه في الاستفادة من حلفائه الروس والإيرانيين، أو التحايل على القانون الجديد. وهو ما من شأنه أن يزيد من انهيار العملة السورية، وبالتالي إيجاد مزيد من الضغط على النظام من حاضنته الشعبية لتغيير السلوك السياسي للنظام، وإجباره على القبول بحل سياسي، بعد الاستجابة للنقاط الست التي تسمح بتعليق العقوبات أو إلغائها، مثل توقف الطائرات السورية والروسية عن قصف المدنيين، وتوقف القوات الحكومية وحلفائها عن تقييد وصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوقف قصف المنشآت الطبية والسكنية والمدارس، وتحقق إمكانية العودة الآمنة للاجئين والنازحين، وتحقق العدالة لضحايا جرائم الحرب، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم. وهو ما يفتح الباب لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 المتعلق بإيجاد حل سياسي في سورية.
ولكن، يبدو هذا السيناريو أشبه بالرغائبي، بالنظر إلى ردة الفعل الأولية لنظام الأسد على القانون، وتبرير إعلامه بأن الرد على ” قيصر” والأزمة الاقتصادية إنما يكون بإغلاق الحدود، عبر تجريم التعامل بغير الليرة، والاعتماد على الذات. بلغةٍ أخرى، عودة إلى سنوات الثمانينيات القاسية التي مرّت بها سورية، بعد إدراجها على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وعانت وقتها سورية من عزلة دولية، كان ثمنها سنوات من الفقر المعمم وتدمير القطاعات الصحية والتربوية والتعليمية، بسبب ضعف الإنفاق الحكومي.
ولكن، واضح من لائحة العقوبات المعلنة أنه ليس هناك أية شركة روسية أو إيرانية (هناك لواء فاطميون الممول من إيران)، وهو الهدف الأساسي للقانون. وهذا يعني نافذة للمفاوضات حتى المرحلة الثانية، حيث يمكن ضم هذه الشركات الروسية والإيرانية، فكل العقوبات تفرض تدريجيا لدراسة أثرها وتقدير الخطوة الثانية من المفاوضات، لكن هذا يرسل رسالة لفتح باب المفاوضات السياسية مجدّداً مع روسيا بشأن سورية قبل تطبيق القانون للشركات الروسية، وخصوصا النفطية التي تسيطر على كل الحقول السورية من النفط والغاز.
المصدر : العربي الجديد
30/6/2020