يذهب كثيرٌ من الساسة والمتابعين للشؤون الدولية العامة إلى أن ثمة طرفيْ صراع في الشرق الأوسط، هما الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وهذا الصراع القائم بينهما منذ وصول الخميني إلى السلطة عام 1979 هو الجذر الذي تتفرّع عنه مجمل الصراعات الأخرى في المنطقة العربية على وجه التحديد، بالطبع هذا لا يعني غياب الصراعات الأخرى، وما أكثرها، كالصراع العربي الإسرائيلي مثلاً، إلّا أن ثنائية الصراع الأمريكي الإيراني هي الضابط الفعلي لإيقاع بقية الصراعات، وربما لهذا السبب يعتقد البعض أن مسألة الاستقرار أو التصعيد في المنطقة هي شأن منوط بطرفي الصراع الرئيسيين. بالتأكيد ثمة من له مصلحة في تعزيز هذا الرأي، ولعل إيران هي أول من يحاول ترسيخ هذه القناعة لدى الرأي العام، إذ قبل أيام قليلة صدر تصريح صحفي للسفير الإيراني في دمشق، المدعو (حسين أكبري) ادّعى فيه أن إيران تسلّمت من الولايات المتحدة الأمريكية عرضاً يتضمن رؤية لحل جميع مشاكل المنطقة، من خلال حوار وتفاهم أمريكي – إيراني، ولكن إيران رفضت العرض الأمريكي، وفقاً للسفير الإيراني الذي لم يكشف عن فحوى العرض الأمريكي ولا عن أسباب الرفض الإيراني.
واقع الحال نحن أمام مقولتين، والمطلوب تصديقهما، ومن ثم الالتزام بمقتضياتهما العملية، أمّا الأولى فتتمحور حول العداء الأمريكي الإيراني الذي زاد الطرفان في سعيره الإعلامي منذ عقود، فالخميني كان يدعو الأمريكان ب( الشيطان الأكبر) بينما واشنطن لا تنظر إلى إيران سوى على انها منبع للشرور ومصدر رئيسي من مصادر عدم الاستقرار في المنطقة، إلّا أن التجسيدات العملية لهذه الثنائية العدائية لم تشهد على مدى خمسة عقود من الزمن أي صدام مباشر بين الطرفين، بل اقتصرت على الحرب بالوكالة، ولكنها الحرب التي تحافظ على قواعد الانضباط ولا تذهب بعيداً إلى درجة اللاعودة أو القطيعة النهائية، بل يمكن القول إن هذه المواجهة بالوكالة شهدت المزيد من المهادنة المبطنة أحياناً والمعلنة أحياناً أخرى، فمن المهادنات المبطّنة كان غضّ النظر الأمريكي في وقت مبكّر عن تزويد إسرائيل بالسلاح النوعي لإيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ) مقابل إفراج الخميني عن الرهائن الأمريكان، الأمر الذي فُسّر على انه دعمٌ إيراني للرئيس رونالد ريغان في الانتخابات الرئاسية الأمريكية آنذاك، أمّا المهادنات المعلنة التي وصلت إلى درجة التناغم التام فقد أُنجِزت مع الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، بل يمكن التأكيد على أن لإيران الدور الأكبر في تسهيل احتلال أمريكا لكلٍّ من العراق وأفغانستان معاً، الامر الذي جعل من العراق حديقة خلفية لطهران بعد ان كانت بغداد حائط الصدّ المنيع أمام نزوع الخميني نحو الهيمنة على الخليج العربي.
أصبحت إيران بعد عام 2003 دولة إقليمية كبرى تملك أذرعاً عسكرية في أكثر من دولة عربية، وتستطيع من خلال هذه الأذرع أن تناور وتساوم واشنطن على تقاسم المصالح في معظم الدول العربية، الأمر الذي حقق لإيران من حوامل القوة ما يمكّنها من الاستمرار في سياساتها العدوانية الرامية إلى الهيمنة وفرض ( الخُوَّة) على من تشاء من العرب.
في العام 2015 قرّر الروس تدخّلهم العسكري المباشر في سوريا لحماية نظام الأسد من السقوط، كما أقدم الروس على رسم تخوم النفوذ بينهم وبين إيران على الجغرافيا السورية، وكان كل ذلك بتأييد ومباركة أمريكية، ولعل أماكن تموضع الميليشيات الإيرانية ومراكز نفوذها باتت واضحة المعالم على الأرض السورية، كما لم يعد سرّاً مدى تحكّم إيران في مفاصل الدولة السورية عسكرياً وسياسياً وإقتصادياً، ولا يغيّر من هذا الواقع قيام إسرائيل بهجمات جوية مستمرة على أهداف ومواقع تتبع لإيران، ذلك أن هذا الاستهداف الإسرائيلي لا يرمي إلى نقض التفاهمات الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية القائمة في سوريا، بقدر ما يريد ردع إيران عن تمدّدها إلى خارج ما هو متاح أو مُتفقٌ عليه لا أكثر.
أمّا المقولة الثانية المطلوب منا تصديقها فهي الركون إلى قناعة تامة تفضي إلى اللجوء إلى إيران كمرجعية لحل جميع المشكلات والتي تحول دون الاستقرار في سوريا، أي طالما أن إيران هي من تتقاسم النفوذ مع أمريكا، وكذلك هي من تتحكّم بمصير الأسد، فلماذا لا يلجأ السوريون لطرق أبواب إيران بدلاً من التوهّم بمقاومتها؟ ولئن أثار هذا الطرح حفيظة أكثر السوريين ممّن قتلتهم وشرّدتهم أدوات إيران وارتكبت بحق أهلهم أبشع الفظائع، إلّا أن نفراً كبيراً من الإسلاميين لا يجدون حرجاً من تأييد هذا الطرح والانسياق وفق ما تمليه عليهم مشروعاتهم الإيديولوجية، وهؤلاء بالذات هم أنفسهم من يرون في أدوات إيران وميليشياتها أبطالاً يقارعون المحتل الصهيوني نصرةً لفلسطين وأهالي غزة.
وبين الولايات المتحدة الامريكية التي تحرص على قواعد انضباط الخصومة مع إيران أكثر مما تحرص على نزيف الدم السوري، وبين القاتل الإيراني الذي لا يتورّع عن ممارسة الإبادة حفاظاً على ذراعه الأسدي، يطالب المجاهدون الإسلاميون وحلفاؤهم من الممانعين بإقناع السوريين بالتغاضي عن مأساتهم وفجائعهم، والاصطفاف خلف قاتليهم من جديد لخوض المواجهة الكبرى مع العدو الصهيوني.
المصدر: موقع المجلس العسكري
الكيان الصهيوني ونظام ملالي طهران يتنافسان على قضم والسيطرة بالنفوذ على المنطقة العربية وضمن منهجية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ، ليكون هناك محددات للنفوذ والسيطرة بحيث لا يخرقان القواعد ، و”الشيطان الأكبر” أو”محور الشر” و “تحرير القدس” شعارات تروج لتغطية المنهجية والسيطرة وجر الأنظمة العربية للحظيرة .