هذا العمل للروائي المصري عز الدين شكري فشير، حيث قرأت له أغلب إنتاجه الروائي، وهو كاتب مميز و مواكب للواقع المصري عبر عقود.
هذه الرواية تتحدث بطريقة الخطف خلفا عن حادثة اغتيال تقوم بها أجهزة الأمن والشرطة “لفخر الدين”، وكانت الحادثة قد قيدت ضد مجهول، لكن وكيل النيابة الذي كلف بدراسة ملف القضية “عمر فارس” عاد لفتح ملف القضية مجددا، بعد أن جاءه فخر الدين في المنام يطالب بكشف الحقيقة، وجاءه مظروف فيه اوراق ووثائق من اصدقاء فخر الدين، تثبت أنه قتل اغتيالا، والفاعل هو السلطة التي لم تعد تحتمل وجوده. الرواية تقول لنا من هو فخر الدين: فخر الدين هو مواطن مصري مثله مثل غيره، نشأ في بيئة ريفية، جده شيخ ومالك أرض ، له حضوره و حظوته، والده يعمل في الأرض والمطحنة التي يملكها، أما عمه فيعمل في التجارة، والده وعمه متزوجان من أختين، يقومان بأعمال العائلة بشكل مشترك. توفي والد فخر الدين قبل ولادته مصابا بإحدى آلات مطحنته وهو يصلحها، وهكذا ولد وعاش يتيما في كنف عمه ، الذي يتابع شؤونهم الحياتية الكاملة هو وأمه، ولم يكد يعي حضور والدته حتى توفيت وعمره أربع سنوات، وهكذا أصبح جزء من عائلة عمه، حيث يعيش بينهم، وحيث توجد ابنة عمه التي تكبره بعدة سنوات. عندما وصل الى سن الخمس سنوات أرسله عمه لقرية مربيته ليعيش عندها راعيا للغنم، لكي يتعلم الحياة ويدرك قساوتها، وهناك احتضنته مربيته وكانت له البديل النفسي عن العائله، وكان رعي الأغنام فرصة له ليكتشف ذاته ويعيش احساسه تجاه العالم، عاد لبيت عمه وهو في سن الحادية عشرة، وعاش بينهم كواحد منهم، تعلم وأظهر تفوقا بعلمه، وعندما دخل في سن الشباب فصل بينه وبين ابنة عمه التي كانت تعامله بود، والتي وقعت بحب جارهم الجديد، لكن أهلها رفضوا ان يزوجوها له، ضعفت أثناء لقاءها بحبيبها وسلمته نفسها جنسيا، وعندما علم عمه وزوجته (خالة فخر الدين)، اتفقا أن يزوجا فخر الدين بإبنة عمه، درءا للفضيحة و للحفاظ على أملاك العائلة ، لكي لا تضيع مع الغريب في حال تزوج ابنتهم، رفض فخر الدين ذلك مطلقا، فابنة عمه تحب جارهم، والجار مستعد ان يتزوجها، فخر الدين يرى تزويجه بها حراما و عيبا وعارا، وعندها رفض العم موقف فخر الدين وهدد بقتله ان فضحهم، أو لم يتزوج ابنة عمه، لكن فخر الدين لم يتزوج ابنة عمه، وأخبر أهل القرية بقصة عمه وطمعه، وما بين ابنة عمه وحبيبها، وغادر القرية مقاطعا بيت عمه متوجها للقاهرة ليعيش فيها بقية عمره، ويقال ان عمه طارده خارج القرية وقتله على فضحه لهم؟!. في القاهرة عاش في حي فقير (بين السرايات)، واجتهد ليدخل الجامعة، اصبح طالبا في كلية الحقوق، وصار واحدا من الناشطين في أوساط الطلبة، الاغلب منهم مسيّس، وهو ركّز على حقوق الطلاب المسلكية والسياسية، ورافضا لحضور الأمن الدائم في الجامعة في كل مناشطها، برز كناشط متميز، واصبح يصطدم بالأمن بشكل شبه دائم، سيتعرف على حقيقة تغلغل الأمن في أوساط الطلاب والادارة الجامعية، وأن كل شيء تحت سيطرة السلطة، خطط للقيام بمظاهرة تندد بالأمن وتدخلاته بشؤون الطلبة، فشلت واعتقل مع آخرين، واجهته حقيقة وضعهم كطلاب ضعفاء ومخترقين من الأمن وبينهم الخونة وكتبة التقارير، لكنه لم يستسلم أو ييأس، استمر نشاطه و مناوشته للأمن حتى انهى دراسته الجامعية، في الجامعة تعرف على أصحاب كانوا امتداده النفسي والاجتماعي، فبعضهم أصدقاء العمر ومنهم كانت حبيبته شيرين، التي وجد فيها تعويضه عن يتمه، وغدر العم به، وتسلط السلطة عليه وعلى كل المجتمع، وأنها معه وبجواره تساعده أن يكون نموذجا يبني الحياة معها بشكل أفضل، لكن حبه لن ينجح؛ لأنه عندما عمل في المحاماة لم يفكر بالمال وكيف يحصله، بل بالحق وكيف ينصره، فهو يرفض استلام قضايا فساد او صاحبها مخطئ أو ظالم وان كانت مدرة للمال ومربحه، وأخذ يستلم قضايا المظلومين حتى ولو من غير اتعاب، ولو دفع من جيبه، وهنا اختلف مع حبيبته شيرين ووالدها ايضا يوم ذهب لطلب يدها، فكيف ستعيش ؟، ومن اين تشتري البيت والعربة وتعيش حياة مرفهه ؟، كان يؤمن انه يقوم بدورة وبرسالته الإنسانية، وانه لن يبيع نفسه من اجل المال، وكانت شيرين تريد العيش، ولن تقبل ان تعيش حياة فقر وفاقة لدعوى مساعدة الفقراء، وهي قادرة على غير ذلك، لذلك فشل حبهم، تزوجت شيرين وغادرت مع زوجها لفرنسا. هو التحق بالجيش للخدمة الإلزامية، وكانت كتيبته ممن انتدبوا من الجيش المصري من أجل الذهاب للسعودية للحرب مع التحالف الدولي بقيادة أمريكا لتحرير الكويت ومحاربة العراق، وكان رافضا لذلك منذ البداية، فهو ليس ملزما أن يخوض معركة غير مقتنع بها. وعندما ذهب مع قطعته إلى هناك وعند إعلان الحرب رفض المشاركة، قال ليست معركته ولن يخوضها، ولم يستطع قادته اقناعه، وعندما يئسوا منه، احالوه للمحاكمة الميدانية، التي دافع فيها عن حقه بعدم خوضه لمعركة ليست شرعية، ولا عادلة، وانه يفضل ان يحاكم ويقتل لرفضه الأوامر على أن يموت في مواجهة ليست صحيحة، وحكم عليه بالإعدام فعلا، وفي يوم التنفيذ حصل هجوم لصواريخ العراق على كتيبتهم وبدأت الحرب. البعض يقول انه مات في تنفيذ الحكم أو من جراء الصواريخ العراقيه ؟!. وهكذا يعود فخر الدين الى القاهرة ليشارك في مكتب محاماة مع آخرين، سرعان ما ظهر تميزه وأنه لا يستلم قضايا فساد ولا ينصر ظالمين، وقد يدين موكليه، وأصبح ظاهرة تقض مضاجع القضاء والسلطة ومصالحها، وحوصر وقرروا في نقابة المحامين سحب رخصة العمل منه بعد أن أصبح عبئا عليهم وعلى سلك القضاء كله، وهكذا وجد فخر الدين نفسه دون عمل، لكنه لم يمتنع عن دورة بحل مشاكل ناسه واهله في حييه، عبر توجيههم لكيفية التصرف، أو حل مشاكلهم صلحيا، وبدأ نجمه يلمع وصار مع بعض أصدقائه المحامين قبلة للناس و للمحامين المتدربين، واصبح لهم على ناصية المقهى مكتب محاماة يطال كثيرا من القضايا، مما جعله يشكل عبئا مرة اخرى على السلطة والقضاء واولي الامر و منافعهم ومصالحهم التي تضررت، لذلك قرروا التخلص منه، وفي صباح يوم يستيقظ فخر الدين يرتدي ملابسه البيضاء ليتوجه للمسجد المجاور للصلاة، تكون طوابير من الأمن منتظرين له ، متربصين به من كل الاتجاهات، وعندما يصل الى نقطة محددة يطلقون عليه النار جماعيا ليرديه قتيلا، تسحب جثته وتختفي. وترسل للنيابة شكاوي، ويفتح التحقيق، وتقيد قضية موته ضد مجهول.
.هذا ما وصل إليه المحقق بعد فتح ملف فخر الدين مجددا.
.هنا تنتهي الرواية..
.لكن الرواية لم تنتهي هنا، ففي رواية أبو عمر المصري التالية لها، سيكون القتيل ابن خالته، يسافر فخر الدين إلى فرنسا مبتعثا ليعود من هناك الى السودان ليصبح واحدا من الجماعات الجهادية، ثم ليذهب إلى أفغانستان ويصنع من نفسه قاتلا محترفا متدرعا بعقيدة جهادية، ليعود الى السودان مجددا لينقذ ابنه الضحية للجماعات الجهادية، ولينتقم شخصيا ممن ظلمه، وهو يدرك أن ذلك ليس اكثر من رد اعتبار ذاتي، وان الازمة عامة والفساد والخراب والبطش والظلم من السلطات المستبدة، يتطلب عملا شعبيا جماعيا كثورة، وان الانتقام الفردي ليس أكثر من عمل اجرامي بدوافع مشروعه، يريح صاحبه لكنه لا يحل المشكلة العامة المتفاقمة.
أن الرواية تؤسس لمشروعية الربيع العربي، الذي يأتي لاحقا ليعيد للإنسان العربي حقه بالحياة الإنسانية السوية، في اجواء الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة والديمقراطية والعمل للحياة الأفضل هذه رسالة الروايتين – مقتل فخر الدين وابو عمر المصري – التي وصلتني .
…١٢/١٠/٢٠١٨…
رواية “مقتل فخر الدين” للروائي المصري “عز الدين شكري فشير” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من قبل الكاتب “احمد العربي” رواية تعتبر ممؤسسة للربيع العربي ومطالبه ، تتحدث عن حادثة اغتيال لأجهزة الأمن والشرطة “لفخر الدين”، وقيدت ضد مجهول، وكيل النيابة المكلف بدراسة قضية “عمر فارس” عاد لفتح ملف القضية مجددا، ليتعود من جديد لتسجل إغتيال فخر الدين ضد مجهول أيضاً