نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي حملات اعتقال بحق مئات الفلسطينيين في شمال غزة وفرق بين أفراد عائلات، وأجبر رجالاً على التعري شبه الكامل قبل نقل بعضهم بالشاحنات إلى معسكر اعتقال على الشاطئ، حيث أمضوا ساعات وفي بعض الأحيان أياماً معرضين للجوع والعطش والبرد، بحسب نشطاء حقوق الإنسان، ما أدى إلى ذهول ذويهم والمعتقلين المفرج عنهم أنفسهم.
قال فلسطينيون احتجزوا في بلدة بيت لاهيا المدمرة ومخيم جباليا للاجئين وأحياء في مدينة غزة، إنه تم تقييد أياديهم وعصبت أعينهم وكدسوا على متن شاحنات. كما قال بعضهم إنهم نقلوا إلى مخيم في مكان غير معلوم، وهم شبه عراة مع القليل من ماء الشرب.
وقال إبراهيم اللباد، وهو مهندس حاسوب يبلغ من العمر 30 عاماً تم اعتقاله في بيت لاهيا في 7 ديسمبر/ كانون الأول مع عشرات آخرين من أفراد عائلته واحتجزوا طوال الليل، “لقد عوملنا كالماشية، حتى أنهم كتبوا أرقاماً على أيادينا… كان بإمكاننا أن نشعر بكراهيتهم”.
كشفت عمليات الاعتقال عن أسلوب جديد في الحرب البرية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، حسبما قال خبراء، وذلك في حين يحاول جيش الاحتلال بسط سيطرته على المناطق التي تم إخلاؤها في شمال القطاع وجمع معلومات استخباراتية حول عمليات حركة حماس بعد حوالي 10 أسابيع من عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها مع فصائل المقاومة رداً على جرائم الاحتلال وانتهاكاته.
الاحتلال يحاول تبرير حملات الاعتقال في غزة
وفي السياق، قال يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، “هذا يساعدنا بالفعل، وسيكون حاسماً للمرحلة التالية من الحرب…هذه هي المرحلة التي نقوم فيها بتطهير المناطق من كل فلول حماس”.
ورداً على أسئلة حول سوء المعاملة، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن المعتقلين “يعاملون وفقاً للبروتوكول”، مضيفاً أنه يتم إعطاؤهم ما يكفي من الطعام والماء.
وزعم المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، دانييال هغاري، هذا الأسبوع أن الاعتقالات تتعلق بمسلحي حماس في شمال غزة، وإن المعتقلين طلب منهم خلع ملابسهم للتأكد من أنهم لا يخفون متفجرات.
وأضاف هغاري أنه يتم استجواب الرجال ثم يطلب منهم ارتداء ملابسهم، وأنه في الحالات التي لم يحدث فيها ذلك، سيضمن الجيش عدم حدوث ذلك مرة أخرى.
كما ذكر أنه يتم اقتياد الأشخاص الذين يعتقد أن لهم علاقات بحماس لمزيد من الاستجواب، وأنه تم اعتقال العشرات من عناصر حماس حتى الآن.
وأشار هغاري كذلك إلى أنه تم إطلاق سراح آخرين، وطلب منهم التوجه جنوباً، حيث طلب الاحتلال الإسرائيلي من السكان البحث عن “أماكن آمنة”، غير موجودة فعلياً.
غضب عالمي بعد ظهور الانتهاكات في غزة
أثارت الصور والمقاطع المصورة التي تظهر رجالاً فلسطينيين راكعين في الشوارع ورؤوسهم محنية وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم، غضباً بعد تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميللر، يوم الاثنين إن الولايات المتحدة “وجدت تلك الصور مزعجة للغاية”، وإنها تسعى للحصول على مزيد من المعلومات.
بالنسبة للفلسطينيين، تعد هذه مهانة ومذلة. ومن بين أولئك الذين اعتقلوا صبية أصغرهم عمره 12 عاماً ورجال أكبرهم عمره 70 عاماً، وبينهم أيضا مدنيون عاشوا حياة طبيعية قبل الحرب، وفق مقابلات أجريت مع أفراد من عائلات 15 معتقلاً.
وقال أبو عدنان الكحلوت، وهو عاطل عمره 45 عاماً يعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم ويقيم في بيت لاهيا، “جريمتي الوحيدة أنني لا أملك ما يكفي من المال لأفر إلى الجنوب”.
اعتقل الكحلوت في 8 ديسمبر/ كانون الأول وأفرج عنه بعد عدة ساعات عندما رأى الجنود أنه أضعف وأكثر غثياناً من أن يستجوبوه.
وتساءل “هل تعتقدون أن حماس هم من ينتظرون في منازلنا كي يأتي الإسرائيليون ويعثروا عليهم الآن؟ لقد بقينا لأننا لا علاقة لنا بحماس”.
ويوجد بين هؤلاء المعتقلين مراسل ومدير مكتب “العربي الجديد” في غزة الزميل ضياء الكحلوت، الذي يعاني من تدهور خطير ومستمر لحالته الصحية.
وقال معتقلون أُفرج عنهم إن الكحلوت (37 عاماً)، اقتيد إلى معسكر تحقيق للجيش الإسرائيلي في قاعدة زيكيم العسكرية، وجرى التحقيق المكثف معه على خلفية عمله الصحافي ومصادر معلوماته في التغطية الصحافية، وقد تعرّض مع باقي المعتقلين إلى التعذيب والضرب وسوء المعاملة، ما أدى إلى مضاعفات صحية تهدد سلامته وحياته.
اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 900 فلسطيني على الأقل في شمال غزة، وفق تقديرات رامي عبده، مؤسس منظمة “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان”، ومقرها في جنيف، والتي تعمل على توثيق الاعتقالات.
بناء على شهادات جمعتها، تفترض المنظمة أن الاحتلال الإسرائيلي يحتجز معظم المعتقلين من غزة في قاعدة زيكيم العسكرية إلى شمال القطاع.
الأوضاع ليست أكثر أمناً جنوب غزة
ويعتقد أن عشرات الآلاف من الفلسطينيين بقوا في الشمال رغم الخطر غير قادرين على تحمل كلفة الانتقال وغير قادرين على التخلي عن ذويهم المقعدين، أو هم مقتنعون بأن الأوضاع ليست أكثر أمناً في الجنوب المكدس، الذي يتعرض أيضا لقصف إسرائيلي يومي.
احتمى الفلسطينيون مع عائلاتهم لأيام بينما أمطرت إسرائيل بيت لاهيا وجباليا بنيران الأسلحة الآلية الثقيلة، وقصفت الدبابات واندلعت معارك نارية مع حماس في المناطق التي تقيم فيها عائلات بمنازلها دون كهرباء أو مياه شرب أو وقود أو اتصالات. كما دمرت الجرافات الإسرائيلية مئات المباني وأخلت الطرق للدبابات وناقلات الجنود المدرعة.
إلى ذلك، قال المحامي في “المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان” في غزة، راجي الصوراني، “هناك جثث في كل مكان، تركت لثلاثة أو أربعة أسابيع لأنه لا يمكن لأحد الوصول إليها ودفنها قبل أن تأكلها الكلاب”.
وأضاف أنه رأى عشرات الجثث فيما توجه من مدينة غزة إلى الحدود الجنوبية مع مصر الأسبوع الماضي. وتحتجز القوات الإسرائيلية واحداً من زملائه، الباحث الحقوقي أيمن الكحلوت.
يتذكر الفلسطينيون مشاهد مروعة مشابهة عندما مشط جيش الاحتلال الإسرائيلي بلدات شمال القطاع، إذ توجه الجنود من باب إلى باب مصطحبين الكلاب مستخدمين مكبرات الصوت لأمر العائلات بالخروج وإلا سيفجرون أبواب المنازل بالقنابل اليدوية، وصرخوا في الرجال آمرين إياهم بخلع ملابسهم، وصادروا أموالاً وهواتف محمولة وبطاقات هوية، حسبما قال السكان.
في معظم الحالات، طُلب من النساء والأطفال الابتعاد والاحتماء.
وقال بعض المفرج عنهم إن الجنود الإسرائيليين صاحوا بإهانات جنسية في وجه النساء والأطفال كما اعتدوا بالضرب على الرجال بقبضاتهم وكعوب البنادق بعد اقتحام المنازل.
وأشار آخرون إلى تحملهم إهانة كونهم شبه عراة بينما التقط الجنود الإسرائيليون صورهم التي انتشرت لاحقاً.
وخمن البعض أنهم اقتيدوا إلى مكان على بعد بضعة كيلومترات قبل تركهم راقدين على الرمل البارد.
رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على مكان اقتياد المعتقلين.
اعتقال لمجرد تشابه الأسماء
تعتقد أسرة أبو عدنان الكحلوت أن أفرادها تعرضوا لسوء المعاملة على الأخص لأنهم يتشاركون الاسم الأخير مع أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس.
لكن أفراد العائلة، ومنهم فني كهرباء وخياط ورئيس مكتب صحيفة “العربي الجديد” في غزة وموظفون في السلطة الفلسطينية، يؤكدون على أنهم لا علاقة لهم بحماس في غزة.
وما زال ثلاثة من أفراد العائلة في السجون الإسرائيلية.
لم يتواصل أحد معهم منذ أيام، بينما عاد الأقرباء الآخرون مثل حمزة الكحلوت البالغ من العمر 15 عاماً، وخليل الكحلوت البالغ من العمر 65 عاماً، للديار في 8 ديسمبر/ كانون الأول، ليجدا منزلهما المؤلف من 5 طواقم عبارة عن هيكل متفحم.
وعلى إثر ذلك، فرا إلى مأوى تابع للأمم المتحدة في مدرسة، لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحمه وقام باعتقالهما مرة أخرى، في ظل استمرار حملته القمعية.
وقال سجناء محررون إن معاصمهم أصيبت بتقرحات بسبب القيود الضيقة للغاية وبعد تعريضهم لبرد الليل، وإنهم واجهوا أسئلة متكررة حول أنشطة حماس التي لم يتمكن معظمهم من الإجابة عليها، موضحين أن الجنود ركلوا الرمال في وجوههم وضربوا من تحدثوا في غير دورهم.
وقال العديد من الفلسطينيين الذين احتجزوا لمدة 24 ساعة أو أقل، إنهم لم يحصلوا على أي طعام وأجبروا على تقاسم 3 زجاجات مياه سعة 1.5 لتر مع نحو 300 من زملائهم المعتقلين.
وقال عامل البناء، نادر زندة، إنه حصل على فتات ضئيلة من الخبز على مدى أربعة أيام في الحجز.
ودخل درويش الغرباوي، البالغ من العمر 58 عاماً وهو مدير مدرسة تابعة للأمم المتحدة، في نوبة إغماء بسبب إصابته بحالة جفاف.
وقال محمود المدهون، وهو صاحب متجر يبلغ من العمر 33 عاماً، إن اللحظة الوحيدة التي منحته الأمل هي عندما أطلق الجنود سراح ابنه، حيث أدركوا أنه كان يبلغ من العمر 12 عاماً فقط.
“كان حكماً بالإعدام”
أما العودة للمنزل فكانت لها أهوالها الخاصة، حيث ألقى الجنود بالسجناء في منتصف الليل بدون ملابسهم أو هواتفهم أو بطاقات هوياتهم بالقرب مما بدا أنه المدخل الشمالي لغزة من السياج الفاصل، وأمروهم بالسير عبر منطقة مدمرة، حيث تتمركز الدبابات على طول الطريق والقناصة على الأسطح، حسبما ذكر المفرج عنهم.
ووصف حسن أبو شداخ الأمر بأنه “كان حكماً بالإعدام”، حيث سار شقيقاه رمضان البالغ من العمر 43 عاماً وبشار البالغ من العمر 18 عاماً، وابن عمه نسيم أبو شداخ البالغ من العمر 38 عاماً، حفاة القدمين فوق أكوام من الحطام حتى نزفت أقدامهم.
وتوسلوا إلى أول شخص رأوه من أجل تغطية أجسادهم بالخرق.
وقال أبوشداخ إن نسيم، وهو مزارع من بيت لاهيا، قتل برصاص قناص إسرائيلي بينما كانوا في طريقهم إلى مدرسة تابعة للأمم المتحدة في بيت لاهيا. واضطر إخوته إلى ترك جثة ابن عمهم في منتصف الطريق.
يزعم مسؤولون إسرائيليون إن لديهم أسباباً للشك في الفلسطينيين الذين ما زالوا في شمال غزة، نظراً لأن هذه الأماكن مثل جباليا والشجاعية في شرق مدينة غزة معروفة بأنها معاقل لحماس.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي، “سنواصل تفكيك كل معاقل حماس حتى ننتهي من جباليا والشجاعية ثم نواصل العمل”، مشيراً إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيوسع حملته في الوقت الذي تضغط فيه القوات البرية بشكل أعمق في الجنوب الذي انتقل إليه أكثر من مليون فلسطيني.
وأضاف أن مدينة خانيونس الجنوبية، التي أصبحت الآن مركز القتال، ستكون التالية.
في المقابل تقول منظمات حقوق الإنسان إن الاعتقالات الجماعية يجب أن تخضع للتحقيق.
وقال المدير الإقليمي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، عمر شاكر، إنه “من غير الواضح على أي أساس تعتقلهم إسرائيل، هذا الأمر يثير أسئلة جادة حقاً”.
في غضون ذلك، أطلقت عائلات مناشدات للحصول على معلومات بشأن ذويها الذين اختفوا.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها تلقت 3000 اتصال عبر خطها الساخن من أشخاص يحاولون الوصول لذويهم المختفين منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة حتى 29 نوفمبر/ تشرين الثاني فقط.
المصدر:(أسوشييتد برس، العربي الجديد)
قوى الاحتلال تمارس إرهاب الدولة بحق شعبنا الفلسطيني بالقطاع ، بالرغم من قرار محكمة العدل الدولية 2004 الذي نفي حق قوى الاحتلال الدفاع عن النفس لكونها حكومة احتلال ، ممارسات وحوش بشرية بحق شعبنا لم يمارسها إلا الغزاة بالقرون الوسطى ويدعون بأنها دولة متحضرة وديمقراطية وتلتزم بحقوق الانسان والمعاهدات والمواثيق الدولية ، إنها الدولة المجرمة الأولى بالعالم .