من شأن إرساء الأساس لاستسلام “حماس” في النهاية أن يكسر الاختيار الثنائي الحالي بين الصراع الأكثر تدميراً ووقف إطلاق النار غير الفعال.
“لو كانت «حماس» تأبه على الإطلاق بحياة الفلسطينيين، لأطلقت سراح جميع الرهائن، وألقت السلاح، وسلّمت القادة والمسؤولين عن أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر”.
الرئيس الأمريكي بايدن، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مقال رأي في صحيفة “واشنطن بوست”.
قد تُعتبَر هذه الدعوة الموجهة لـ “حماس” لإلقاء سلاحها مجرد تعليق عابر في حملة إدارة بايدن لمواجهة صور المدنيين الفلسطينيين الذين يموتون على أيدي القوات الإسرائيلية المسلحة بأسلحة أمريكية. وفي نهاية المطاف، يتضح أن استخدام “حماس” الواعي للمدنيين الفلسطينيين – بما في ذلك النساء والأطفال والمرضى في المستشفيات – كدروع بشرية يُظهِر أنها لا تأبه بحياة الفلسطينيين. لكن عند التمعّن الدقيق كان بايدن على حق في إثارة احتمال استسلام “حماس”. وقد يكون السعي بنشاط إلى تحقيق هذا الهدف أفضل وسيلة لإنقاذ حياة الفلسطينيين وتحقيق الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في الحرب بين إسرائيل و”حماس”.
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تمسّك الرئيس بايدن بشدة بالمبدأ القائل بأن لإسرائيل الحق في شن حربٍ ضد “حماس” وهذا واجبها أيضاً بسبب العدوان غير المبرر الذي مارسته الحركة ضد المجتمعات المدنية في جنوب إسرائيل. وقد وُضِع شرطان لهذا المبدأ الأساسي، الأول تكتيكي، وهو أن تعمل إسرائيل ضمن القانون الإنساني الدولي الذي يتطلب من المقاتلين عدم استهداف المدنيين أو التسبب لهم بأذى غير متناسب. والثاني استراتيجي، وهو أن النصر في ساحة المعركة يجب أن يمهد الطريق لعملية سياسية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، بشروط تتناسب مع المتطلبات الأمنية الإسرائيلية.
ومن جانبها، قبلت إسرائيل القيد التكتيكي. فقد نفّذت العديد من الإجراءات العملياتية لمنع ازدياد عدد القتلى المدنيين المرتفع بشكل مأساوي إلى مستويات أعلى بكثير؛ كما سمحت للسلع الإنسانية التي تم تفتيشها بالتدفق إلى منطقة الحرب. وفي الوقت نفسه، في حين أن إسرائيل لم تقبل أو ترفض المبدأ الاستراتيجي المتعلق بالهدف الطويل الأجل المتمثل في التخطيط “لليوم التالي”، فقد استبعدت قيادتها على الأقل الاحتلال الدائم لقطاع غزة والطرد القسري لسكانه المدنيين. ومع ذلك، فإنها تخطط للحفاظ على وجود أمني هناك في المستقبل المنظور.
ورغم أن واشنطن والقدس لا تتفقان حالياً بشأن المسألة الاستراتيجية، إلّا أن كليهما يدركان أن الشرط المسبق لأي جهد يرمي إلى تجاوز هذه الخلافات هو انتصار إسرائيل على “حماس”. وهذا يعني أن أي حديث عن عملية سياسية بعد الحرب لا معنى له دون نجاح إسرائيل في ساحة المعركة: فلا يمكن إجراء مناقشة جادة بشأن حل الدولتين أو بشأن أي هدف سياسي آخر مع استمرار “حماس” في حكم غزة أو قيادة قوة عسكرية متماسكة.
وهذا الواقع الاستراتيجي – بقدر تعاطفه مع إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر – يحفّز معارضة بايدن لوقف إطلاق النار، الأمر الذي من شأنه أن ينهك “حماس” لكن يُبقيها قوية. وبعبارة أخرى، أدرك الرئيس بايدن في وقتٍ مبكرٍ أن “وقف إطلاق النار الآن” يشكل عقبة لا يمكن التغلب عليها أمام تنفيذ أي “عملية سياسية في وقتٍ لاحقٍ”، وكان قراره – الصحيح والشجاع – هو محاربة الصوت المتعالي المطالب بوقف إطلاق النار والانخراط في اللعبة الطويلة الأمد.
وستزداد صعوبة الحفاظ على هذه السياسة أكثر فأكثر. فقد أظهر بايدن قدرة ملحوظة على الصمود أمام الرأي العام الدولي ورفض الدعوات المطالِبة بوقف إطلاق النار، لكن قدرته على القيام بذلك قد تكون محدودة. وفي أفضل الظروف، ستحوّل إسرائيل اهتمامها قريباً إلى جنوب غزة، حيث ستضطر إلى العمل بتكتيكات مختلفة عن سياسة الأرض المحروقة التي تعتمد على القصف المكثف والتي يبدو أنها دفعت “حماس” إلى حدٍ كبيرٍ إلى الخروج من الشمال.
ومن المؤكد أن نجاح إسرائيل ممكن، لكنه سيستغرق وقتاً. وفي خلال ذلك، قد تؤدي ملاحقة قيادة “حماس” بحد ذاتها في منطقة الأنفاق الشاسعة تحت الأرض أو في بحر النازحين في جنوب غزة إلى ذلك النوع من الكارثة المدنية غير المقصودة التي من شأنها زيادة الدعوات المطالِبة بوقف إطلاق النار. ولا يُعرَف إلى متى يستطيع البيت الأبيض مقاومة هذه الدعوات من داخل حزب الرئيس نفسه وأقرب شركائه الدوليين.
وحتى في هذه الحالة، هناك القليل من الوضوح فيما يتعلق بما يحدد النجاح بدقة – هل هو قتل كبار صناع القرار في “حماس” أم أسرهم؟ أو القضاء على الرتب العليا لقادة “حماس” السياسيين والعسكريين؟ أو تدمير الهيكل التنظيمي للقوات العسكرية لـ “حماس”؟ أو قتل الغالبية العظمى من مقاتلي “حماس” في ميدان المعركة؟ وما هو مزيج هذه الأهداف الذي سينهي سيطرة “حماس” على غزة ويقنع أيضاً الغالبية العظمى من مواطني جنوب إسرائيل الذين تم إجلاؤهم بأنه من الآمن العودة إلى منازلهم من أجل إعادة بناء حياتهم ومجتمعاتهم – وهو الاختبار البشري الأكثر واقعية لنجاح إسرائيل العسكري؟ وهل من الضروري تحقيق 90 بالمائة من هذه الأهداف؟ أو يكفي تحقيق 70 بالمائة؟ وهل ستحظى إسرائيل بالوقت والمكان اللازمين لتحويل 70 بالمائة إلى 90 بالمائة؟
وفي ظل ضباب الحرب في غزة، فإن الشيء الوحيد المؤكد هو أن بقاء قسم كبير من “حماس” سوف يشكل كارثة سياسية ودبلوماسية. فإذا حدث ذلك، سيكون من المستحيل أن تتولى أي قوة عربية أو دولية أو تابعة “للأمم المتحدة” مراقبة بيئة ما بعد الصراع في غزة؛ وسيكون من المستحيل بذل أي جهد تنسقه وكالات “الأمم المتحدة” المتخصصة أو المنظمات غير الحكومية الكبرى أو الجهات المانحة الدولية للاستثمار في الإصلاح وإعادة الإعمار المطلوبين في غزة؛ كما سيكون من المستحيل أن تقود الولايات المتحدة أي مبادرة دبلوماسية دولية للتوصل إلى نتيجة يتم التفاوض حولها للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وفي الواقع، إذا تم وقف إطلاق النار الذي سيترك حركة “حماس” منهكة بل يبقيها قادرة على العمل والسيطرة على أجزاء رئيسية من غزة وبالتالي قادرة على ادعاء النصر، فمن المرجح أن تكتسب إيديولوجية الرفض التي تتبناها “حماس” دعماً كبيراً من الفلسطينيين ومن مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وهذا من شأنه أن يضع الدول العربية في موقف دفاعي، وقد تتردد هذه الدول في المخاطرة لتعزيز دعواتها الخطابية لإعادة تنشيط عملية السلام العربية الإسرائيلية. وعلى المنوال نفسه، قد يثبت بقاء “حماس” رغبة البعض في إسرائيل في وجود “دفاع أمامي” طويل الأمد في عمق أراضي غزة، وهو ما يكاد يضمن حدوث صراع دائم.
لذلك، فمن المنطقي أن تسعى الولايات المتحدة إلى التوصل إلى نتيجة للحرب بين إسرائيل و”حماس” تنتهي بانتصار إسرائيل. ولكن بما أن النجاح في ساحة المعركة غير مؤكد بطبيعته (إذا لم يكن هناك سبب آخر غير أن الخسائر في صفوف المدنيين قد تتجاوز في أي لحظة نقطة التحول التي تجبر إدارة بايدن على الإذعان لدعوات وقف إطلاق النار)، فيجب أن يفكر البيت الأبيض في تبني خيار آخر يخرق ثنائية الخيار المقيّد – الحرب أو وقف إطلاق النار – الذي تجري مناقشته حالياً. وأحد الخيارات التي قد تحقق نتيجة مماثلة للانتصار الإسرائيلي، ولكن مع قدر أقل من المخاطر وسقوط عدد أدنى من الضحايا بين المدنيين، هو استسلام “حماس”.
نادراً ما تنتهي الحروب الحديثة بالاستسلام. ومن النادر أيضاً أن يعني الاستسلام، الإنهاء الفعلي لأحد الأطراف المتحاربة. فقد اضطرت صربيا، على سبيل المثال، إلى الاستسلام لـ “حلف شمال الأطلسي” في “حرب كوسوفو”، ولكن النتيجة كانت انسحابها من أراضي كوسوفو، وليس تدميرها ككيان سياسي. وعلى العكس من ذلك، هناك أمثلة حديثة لحركات التمرد التي قادتها جهات فاعلة غير تابعة للدولة وانتهت بإبادة هذه الجهات – مثل انتصار روسيا على الانفصاليين في “حرب الشيشان الثانية” وانتصار سريلانكا على “نمور التاميل” – لكن كلاهما استغرق أكثر من عقد من الزمن مع فترات متقطعة من الدبلوماسية بالإضافة إلى عدة أضعاف عدد القتلى الحالي في غزة.
ولم يشهد تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أي مثال على الاستسلام – أو، إذا استخدمنا المصطلح الأكثر ملاءمة، “إلقاء السلاح”. فقد انتهت الحروب الماضية باتفاقيات هدنة، وقرارات صادرة عن “مجلس الأمن” الدولي، وحتى معاهدات سلام في بعض الأحيان. ولكن حدثت حالتان كانتا “قريبتين” من الاستسلام وهما: مغادرة نحو 11 ألف مقاتل مسلح في “منظمة التحرير الفلسطينية” بحراً من بيروت في آب/أغسطس 1982، وتوجُّه معظمهم إلى تونس، حيث أعاد ياسر عرفات إنشاء مقر قيادته؛ ورحيل عرفات في تشرين الأول/أكتوبر 2004 من “المقاطعة” في رام الله بعد عامٍ من الحصار، وانتقاله إلى باريس، حيث توفي بعد أسبوعين. ولا يشبه أي منهما الوضع الحالي – فقد ركز الرحيل إلى باريس على التخلص من عرفات فقط، وليس هيكل “منظمة التحرير الفلسطينية”/”السلطة الفلسطينية” برمته، وكان العديد من مؤيدي المنظمة ينظرون إلى مغادرة المسلحين الفلسطينيين إلى تونس على أنها وسيلة للحفاظ على دور “منظمة التحرير الفلسطينية” باعتبارها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني” كما أقرت ذلك «الجامعة العربية». لكن مثال بيروت يقدّم بعض جوانب أحد النماذج، خاصةً لأنه تم بوساطة الولايات المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية من أجل إنهاء الحصار المفروض على العاصمة اللبنانية وحماية سكان المدينة.
وفي الوضع الحالي، ربما ليست “حماس” قريبة بما يكفي من الهزيمة في ساحة المعركة من أجل النظر في خيار إلقاء سلاحها. فهي تحتفظ بقدرة عسكرية كبيرة في جنوب غزة ولم يُقتل سوى عدد قليل من كبار قادتها. ومع ذلك، إذا بدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية في منطقة خان يونس وما حولها وتحتها بتحقيق أهدافها، فقد يتغير هذا الوضع بسرعة. وإذا بدا أن “حماس” قد فقدت القيادة على معظم وحداتها العسكرية أو السيطرة عليها، أو إذا تم القبض على عدد كبير من كبار القادة أو قتلهم، أو إذا تفاقمت الاحتجاجات في الشوارع ضد حكم “حماس” في غزة، فسيصبح السعي إلى استسلام “حماس” خياراً سياسياً حقيقياً. لذلك، من المهم البدء بمناقشة هذه الفكرة وتقييمها الآن.
ومن الناحية العملية، لن تفكر “حماس” على الأرجح في إلقاء أسلحتها ـ أي الاستسلام ـ إلا إذا اعتقدت قيادتها أنها تواجه الفناء الوشيك. وحتى في هذه الحالة، قد يتطلب الأمر إرادة جماعية لتحالف القوى – والذي يشمل الدول العربية الرئيسية، والشخصيات القيادية في “منظمة التحرير الفلسطينية”/”السلطة الفلسطينية”، والعواصم الأجنبية الرئيسية (من بينها تلك المتواجدة في ما يسمى بـ “الجنوب العالمي”) – لتحويل هذا الأمر من موضوع نقاش إلى خيار سياسي ملموس. ولا شك في أن عدداً كبيراً من هذه القوى سيصيغ هذا الاقتراح كوسيلة لتجنيب فلسطينيي غزة المزيد من المعاناة والموت. وعلى نحوٍ مماثلٍ، قد يفترض المرء أن “حماس” لن تبذل قصارى جهدها للإدعاء بأنها تعمل على إنقاذ سكان غزة فحسب، بل إنها قد تضيف أنها كانت تحاول حماية ما تبقى من التماسك التنظيمي (من أجل الحفاظ على خيار القتال في يوم آخر).
ومن جانبها، يمكن أن تفكر إسرائيل في استسلام “حماس” في وقتٍ أبكر بكثير من أجل تفادي انتهاء الوقت السياسي الذي قد يكون قصيراً والذي يمكن استخدامه لشن حربٍ بدعمٍ من حليفها الرئيسي في واشنطن. ولكن مع ذلك، ستنظر إسرائيل إلى موافقة “حماس” على إلقاء أسلحتها كوسيلة لتحقيق أهدافها الأصلية في الحرب، من دون الاضطرار إلى إكمال المهمة العسكرية المتمثلة في تدمير “حماس” في غزة. وستُلقي السياسة الداخلية بثقلها على صنّاع القرار، ليس لأن استسلام “حماس” سيبدو مختلفاً جداً عن تدميرها الموعود فحسب، بل لأن الوصول إلى تلك النتيجة سيتطلب أيضاً تعامل القادة الإسرائيليين بصعوبة مع القضايا السياسية الساخنة التي قد لا يكون كلٌ من “مجلس الوزراء الحربي”، وهو الائتلاف الحاكم في إسرائيل، والأمة ككل مستعداً لها.
وفي هذه البيئة، فإن التوفيق بين وجهتي النظر بشأن استسلام “حماس” هو أمر صعب إنما غير مستحيل، لا سيما إذا كان البديلان هما خوض الحرب حتى النهاية أو فرض وقف إطلاق النار. ويتطلب ذلك الوضوح بشأن العديد من القضايا الحاسمة، من بينها:
– مصير قادة “حماس” داخل غزة وغيرهم من منفّذي هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر (أي هل يؤدي الاستسلام إلى الاعتقالات أم إلى النفي فقط؛ وإذا كانت هناك اعتقالات، فما هي المبادئ التي تحدد من يتم القبض عليه ومحاكمته على جرائمه مقابل من يتم نفيه؟ أين يتم إرسال المنفيين، وما هي شروط نفيهم، ومن سيموّل منفاهم ويشرف عليه ويحرسه)
– توزيع الأفراد العاديين في “حماس” (مَن من بين آلاف مقاتلي “حماس” سيذهب إلى المنفى مقابل مَن سيُسمح له بالبقاء في غزة بعد نبذ العنف وأي انتماء لـ “حماس” أو منظمة إرهابية أخرى؛ هل يغادر المنفيون بمفردهم أو مع عائلاتهم؛ ومَن بين المسؤولين والناشطين المدنيين في “حماس” الذين سيذهبون إلى المنفى مقابل مَن سيتم إعادة تأهيلهم في أماكان وجودهم؛ وإلى أي مدى ستتعمق عملية “إجتثاث «حماس»” في مجتمع غزة)
– تعريف عملية نزع السلاح وآلية ضمان عدم إعادة التسلح لاحقاً وتنفيذهما (أي مَن سيشرف وينفذ جَمْع كافة أسلحة “حماس” المتبقية، من بينها الصواريخ، وتدمير القدرة الصناعية العسكرية لـ “حماس”)
– العلاقة بين استسلام “حماس” في غزة ووضع “حماس” في الضفة الغربية (هل سيخضع نشطاء “حماس” الذين تم أسرهم في الضفة الغربية لنفس شروط الاستسلام التي يخضع لها أولئك الموجودون في غزة)
– العلاقة بين استسلام “حماس” والمقاتلين الإرهابيين الآخرين مثل “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين” (أي، ماذا لو رفضت “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين” ما تقبله “حماس”؟ هل ستختلف شروط الاستسلام بالنسبة لـ “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين”)
– تداعيات استسلام “حماس” على قيادتها الخارجية (هل ستفرض الدول المضيفة الحالية، مثل قطر، شروط الاستسلام على قادة “حماس” المقيمين هناك؛ وهل سيتم القبض على هؤلاء القادة، أو تسليمهم إلى إسرائيل، أو احتجازهم في مكان ما في المنفى؛ هل ستتم مصادرة أصولهم)
– الالتزامات الإسرائيلية في سياق الاستسلام (ما هي الوعود، إن وجدت، التي ستقطعها إسرائيل بشأن ملاحقتها لقادة “حماس” ومنفذي هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر بعد الاستسلام، وحول العقوبة القانونية التي ستفرضها المحاكم الإسرائيلية على المدانين بارتكاب جرائم تتعلق بذلك الهجوم)
إذا لم تكن قائمة القضايا هذه شاقة جدّاً، فلا يمكن متابعة خيار الاستسلام هذا دون تحديد البنية الأساسية للنظام في غزة ما بعد “حماس”. وفي نهاية المطاف، وعلى عكس النتيجة الرمادية التي قد تصاحب حتى التعريف الأكثر قوة للنصر العسكري الإسرائيلي – والذي لا يزال من الممكن أن يشهد الآلاف من الشباب المسلحين الغاضبين الذين يتجولون في أزقة مدن غزة – فإن استسلام “حماس” سوف يكون بمثابة لحظة توضيحية. ومن شأن تنفيذه الكامل، على مدار عدة أسابيع على الأقل، أن يخفف الحاجة إلى وجود أمني إسرائيلي طويل الأمد داخل غزة، ويسمح بدلاً من ذلك بانسحاب إسرائيل إلى ما وراء منطقة عازلة حدودية.
ويعني ذلك أنه من الضروري التخطيط مسبقاً حول تفاصيل المراحل الثلاث لمستقبل غزة ما بعد “حماس” مباشرةً – أي الإدارة المدنية؛ والسلامة العامة؛ والإصلاح/إعادة الإعمار – خاصة أنه ضروري لمنع حدوث فراغ في الحكم والأمن في غزة. علاوةً على ذلك، بما أن الولايات المتحدة والكثير من الجهات الفاعلة الدولية والعربية الإقليمية التي سيُطلب منها أن تلعب دوراً في هذا الجهد تصرّ على ربط نتيجة القتال في غزة بكلٍ من إعادة تنشيط “السلطة الفلسطينية” وإنعاش عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين، فمن الضروري دمج المناقشة المبكرة بشأن هاتين القضيتين في المداولات حول فكرة استسلام “حماس”. ولن يكون من السهل على القيادة الإسرائيلية الحالية أن تناقش أياً من هاتين القضيتين، ناهيك عن تبنّيها.
ثمة قضيتان إضافيتان تستحقان الاهتمام. ففي سياق غزة، قد يكون الاستسلام فعالاً بقدر الهزيمة العسكرية من حيث تقويض جاذبية الإيديولوجية المتطرفة التي تعتنقها “حماس” ـ وهو بالتالي أمر سوف تعارضه قيادة “حماس” ما لم تواجه كارثة وشيكة ـ ولكنه ليس كافياً وحده. ولا يشكل مَلء الفراغ الذي ستخلّفه “حماس” المهزومة مجرد مسألة متعلقة بالحكم؛ وسيتطلب الأمر بذل جهود استباقية لمنع تجسيد “حماس” تحت اسمٍ مختلف. ولن يكفي مجرد فرض اللغة الأصلية الخاصة بـ”اتفاقيات أوسلو” التي تحظر أي حزب سياسي “يرتكب العنصرية أو يدعو إليها أو يسعى إلى تنفيذ أهدافه بوسائل غير قانونية أو غير ديمقراطية”. ومع الاعتراف بأنه “لا يمكن التغلب على شيء باللاشيء”، فسيتطلب ذلك تنشيط بديل سياسي أكثر اعتدالاً، والذي من المرجح أن يعتمد على البنية العشائرية في غزة، وقادة المجتمع والأعمال المحليين، والتكنوقراط الذين يحافظون على الخدمات العامة (ومن بينهم أولئك الذين يديرون ويوظفون عمليات “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين”)، وممثلي غزة السابقين في “السلطة الفلسطينية”. وسيشكل تحديد القادة المحليين وتمكينهم في البيئة التي ستلي مباشرةً حقبة “حماس” مهمة صعبة بل ضرورية.
وعلى نطاقٍ أوسع، لن ينجح تحقيق أيٍ من ذلك دون ردع إيران عن تأدية دور الجهة المخربة. وفي الواقع، تلعب إيران لعبة مزدوجة في الحرب بين إسرائيل و”حماس”. فمن جهة، تحت ضغط الانتشار الأمريكي القوي بشكلٍ غير معتاد في المنطقة عبر حاملتَين للطائرات ومجموعة قتالية برمائية وغواصة نووية، بذلت طهران قصارى جهدها للإشارة إلى نأيها عن هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ كما رفضت التورط بشكلٍ مباشرٍ في الصراع نيابةً عن “حماس”.
لكن من جهة أخرى، أطلقت إيران العنان لوكلائها الحوثيين اليمنيين من أجل إطلاق صواريخ باليستية متعددة على إسرائيل ومهاجمة سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل، في حين زادت الميليشيات الشيعية التابعة لها في سوريا والعراق من ضغوطها على القوات البرية الأمريكية هناك حيث شنت أكثر من 60 هجوماً (حتى تاريخ كتابة هذه السطور) على المنشآت الأمريكية والأفراد الأمريكيين. وبالتالي، فإن العنصر الأساسي في أي خطة قد تضعها إدارة بايدن لملء الفراغ ما بعد حقبة “حماس” ببديلٍ أكثر اعتدالاً وتعزيز دبلوماسية السلام يجب أن يتضمن عنصراً أساسياً هو ممارسة ضغط إضافي على إيران لوقف تدفق الأسلحة والتمويل والتدريب إلى المتطرفين في الساحة العربية الإسرائيلية، وإقناع طهران بأنها ستدفع ثمناً باهظاً مقابل محاولتها تقويض الجهود الأمريكية.
وبينما تتجه كل الأنظار نحو إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين واستغلالهم من قبل “حماس” من أجل تمديد فترة التوقف عن إطلاق النار (والتي انتهى مفعولها) بهدف التوصل إلى وقف فعلي لإطلاق النار، فقد يبدو من السابق لأوانه مناقشة فكرة استسلام “حماس”. ولكن في الواقع، هذا هو الوقت المناسب لبدء هذا العمل الهام.
إن قدرة “حماس” على تمديد فترة الهدنة محدودة. فكما وعد القادة الإسرائيليون، تستعد إسرائيل لاستئناف العمليات العسكرية قريباً (وهو ما حدث بالفعل). وفي الحقيقة، بما أن الإسرائيليين يعتقدون على ما يبدو أن قوتهم العسكرية هي التي أرغمت “حماس” على البدء في المساومة على الرهائن، فكان من المرجح أن يستأنفوا القتال بشراسة متجددة (كما تبيّن). وفي الوقت نفسه، فإن التوقف المؤقت سيعزز دعاة وقف إطلاق النار من خلال منحهم بديلاً عملياً يشيرون إليه؛ ومن المرجح أيضاً أن يكثفوا جهودهم لجعل التوقف المؤقت دائماً. ويؤدي هذا المزيج المؤلف من تجدد الاندفاع الإسرائيلي للقتال وتقوية التزام دعاة وقف إطلاق النار بالضغط لتحقيق مسعاهم إلى جعل هذه اللحظة مناسبة لإدارة بايدن لبدء الجهد الدبلوماسي المعقد لبناء الدعم لـ “حماس” لكي تستسلم. ويرمي هذا المسار الثالث إلى تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية الأساسية، وإنقاذ أرواح الفلسطينيين، وتمهيد الطريق أمام عملية سياسية ما بعد الحرب وما بعد “حماس”.
وعلى أقل تقدير، فإن إعطاء فكرة استسلام “حماس” مضموناً من شأنه أن يؤدي إلى تعميق الهوة بين “حماس” والفلسطينيين العاديين في غزة. ويشكل ذلك بحد ذاته خطوةً إيجابيةً نحو عزل “حماس” والتعجيل بإنهاء هذا الصراع المأساوي.
روبرت ساتلوف هو “المدير التنفيذي – زمالة سيغال” و “رئيس كرسي «هوارد بي بيركوفيتش» لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط” في معهد واشنطن. السفير دينس روس هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز في المعهد. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع “أمريكان بربوز”.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
قراءة صhيونية لطبيعة الحرب بغزة بإنكارها حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال وإن الضحايا المدنيين هم نتيجة استخدامهم دروع بشرية علماً إن الوقائع تثبت العكس، إنها مقاومة وطنية فلسطينية وهناك حرب إبادة وتهجير بمشاركة حلف الغرب بقيادة أمريكا لإنهاء القضية الفلسطينية ضمن صفقة القرن، اصبح للإدارة الأمريكية والغرب سنين ينادوا بوقف الاستيطان وإقامة الدولتين لتكون النتيجة الدولة اليhودية، إنه العهر والنفاق السياسي بامتياز .