لم يكن مفاجئا خبر إغلاق قناة أورينت (المشرق) الذي نزل على عامليها كالصاعقة دون سابق إنذار، فمالك القناة رجل الأعمال السوري غسان عبود أكد لموظفي القناة بأنها ستغلق أبوابها خلال شهر أي قبل نهاية العام، وقرار الإغلاق يشمل جميع المنصات: «النيو ميديا» و«قسم الأخبار» والبرامج والسوشيال ميديا، والإذاعة، وبمعنى آخر كل ما يتم إنتاجه في المكتب الكائن في مدينة إسطنبول، والذي يضم أكثر من 80 موظفا.
عبود الذي قام بتأسيس القناة في شباط/ فبراير من العام 2009 في سوريا «لتكون منبراً لكل السوريين دفعه لمواجهة مع نظام الأسد في خطوة كلفته 18 مليون دولار» كما جاء في تقرير يحكي قصته على الموقع الإلكتروني. كوافد سوري إلى دولة الإمارات لا يملك شروى نقير استطاع عبود بحنكته أن يجمع ثروة هائلة من بيع وشراء السيارات المستعملة، وقطع التبديل التي فتحت له بابا واسعا في عالم المال والأعمال ليصبح من كبار رجال الأعمال ويمتلك محلات مختلفة من بيع للسيارات وقطع التبديل، والسوبر ماركيت في أستراليا والإمارات وسواها.
في سوريا تعرضت القناة وموظفوها (تجاوز عدد الموظفين 100 موظف منهم عشرات الصحافيين) للمضايقات والتهديد من قبل أجهزة مخابرات النظام السوري، انتهت بمداهمة مقر القناة والسيطرة عليها وتوقيف بثها، وهذا لم يكن غريباً على نظام الأسد الذي كان ولا يزال يقمع كل صوت معارض مهما كان شكله، ويخضع كل وسائل الإعلام لسيطرته ويجبرها على ترديد خطاباته المزيفة للحقائق والتضليل وعدم الخروج عنها. لكن النظام لم يكن يتوقع أن شرارة محمد البوعزيزي في تونس ستصل إلى دمشق لتندلع الثورة السورية الكبرى في جميع أنحاء المدن السورية في العام 2011. وهذه الثورة كانت مناسبة لتنطلق القناة من جديد في مدينة دبي في دولة الإمارات تحت اسم «أورينت ميديا» وفتح فرعين في عمان وإسطنبول. لكن القناة تعرضت حتى في الإمارات لمضايقات عديدة حيث قامت السلطات الإماراتية بتوقيف بثها الفضائي بسبب تجاوز المحتوى الإخباري المحدد حسب قوانين البث الإماراتية بسبب أن القناة لم تكن قناة إخبارية متخصصة بل أن رخصتها كانت كقناة منوعة.
اضطر عبود على إثرها بنقل استوديو الأخبار إلى القاهرة، ومع تفاقم الثورة السورية والجرائم التي ارتكبها نظام الأسد بحق الشعب السوري قامت الجامعة العربية بتجميد عضوية النظام السوري، وقطعت عدة دول عربية علاقاتها الدبلوماسية مع النظام ومنها دولة الإمارات، وهذا ما سهل عودة القناة إلى دبي وبناء استوديوهات كبيرة وتحولت القناة إلى قناة إخبارية معارضة وكانت بمثابة صوت الثورة السورية، لفقدان هذا الصوت لدى المؤسسات التي انبثقت عن الثورة (المجلس الوطني، ثم الائتلاف الوطني) اللذين لم يعيرا اهتماما كبيرا للشق الإعلامي وتأسيس وسيلة إعلامية تتحدث باسم المجلس الوطني أو الائتلاف كممثلين شرعيين للشعب السوري (مع أني عندما كنت عضوا في المجلس الوطني تقدمت بمشروع إنشاء قناة تتحدث باسم الثورة السورية ووافق عليه رئيس المجلس حينها الدكتور برهان غليون، لكن تم إهماله فيما بعد لأسباب مختلفة، ومنها عدم اقتناع البعض بأهمية الصوت الإعلامي واعتمدوا على قناة أورينت كصوت جاهز يقوم مقامه) خلال أحداث الثورة المتأججة قامت قناة أورينت بتغطيات جريئة في الميدان بشبكة مراسلين دفع عدد منهم حياتهم، وقدمت برامج حوارية ناجحة مستضيفة نخبة من المحللين والفاعلين في الثورة السورية، واكتسبت انتشارا واسعا في الأوساط السورية، وكانت الوحيدة في الساحة لنقل الخبر السوري بوسيلة إعلام تلفزيونية سورية معارضة، واكتسبت الكثير من المصداقية، واستقطبت مجموعة كبيرة من الصحافيين والصحافيات السوريين الذين كانوا يتمتعون بخبرات سابقة كعاملين في قنوات عربية وأجنبية. لكن المفاجآت لم تنته بالنسبة للقناة، فتغير السياسات في العالم العربي تتغير معها المواقف وخاصة ما يتعلق بالإعلام وحرية الرأي والتعبير.
فبعد موجة التطبيع التي أطلقتها دولة الإمارات مع النظام السوري في العام 2020، ومع دولة الاحتلال التي لا يتوافق معها تواجد قناة معارضة على أراضيها، أصبحت القناة غير مرغوب فيها في دبي الأمر الذي دفع بعبود (الذي كان يعتقد ويخطط لاعتلاء كرسي سياسي ما في سوريا عن طريق طرح نفسه كمعارض مستقل والترويج عبر القناة لإسقاط النظام) بنقل جميع الكوادر إلى إسطنبول، وقام توقيف البث الفضائي، مع الاستمرار ببث برامجها وخاصة البرامج الحوارية الناجحة كـ «تفاصيل» و«هنا سوريا» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقصص قصيرة عبر منصات «تيلي أورينت» و«أورينت تورك» وعلى موقعها الإلكتروني أيضا الذي يبث كل الأخبار والمقالات المتعلقة بسوريا لكنها فقد الكثير من أهميتها.
لا شك أن غياب أورينت سيشكل فراغاً في المشهد الإعلامي المعارض لنظام الأسد وسيصب في مصلحته، وليس مستبعدا أن يكون إسكات القناة مطلبا من النظام نفسه تقدم به بشار الأسد خلال زياراته لأبو ظبي، ودبي، وبقرار عبود المفاجئ والسريع يؤكد أنه تعرض لضغوط كبيرة لاتخاذ مثل هكذا قرار الذي يفقد معه قناته بعد 14 عاماً من تأسيسها، وحلمه السياسي في سوريا. وبالتأكيد ستحاول قنوات أخرى سد هذا الفراغ.
لا تزال هذه الثورة ينقصها صوت يمثلها ويتحدث باسمها وهذه المسؤولية تقع اليوم على عاتق الائتلاف الوطني السوري الذي لم يول هذا الجانب الأهمية الكافية رغم ضرورته واكتفى بتأسيس موقع هزيل على الشبكة العنكبوتية لا يهتم به أحد، خاصة وأن الثورة السورية عادت لتتأجج من جديد في انتفاضة جبل العرب، وخطورة الأحداث الجارية في الشرق الأوسط ككل الذي ربما سيتحول إلى مسرح لمواجهات عسكرية واسعة بعد انطلاق عملية «طوفان الاقصى» والهجوم الوحشي لدولة الاحتلال على غزة، وإذا ما توسعت هذه الحرب ستكون سورية أول بلد في عين العاصفة.
٭ كاتب سوري
المصدر: القدس العربي
ليس إغلاق قناة أورينت إجراء طارئ ، إنه نتيجة مضايقات الأنظمة التي يتم البث منها الأقنية التلفزيونية التي تعارض نظام طاغية الشام ، قراءة دقيقة لمراحل نشأت القناة من أيام “بردى” وحتى الآن ، إنها من جريمة المؤسسات الرسمية الممثلة للثورة السورية الائتلاف والحكومة المؤقتة و.. لأنها لم تستطع أن تشكل إعلام حر متكامل .