كان جورج حاوي ربما هو الارثوذكسي المشرقي الثالث الذي سعى لتكريس الهوية العروبية ليس لطائفته أو طائفتهم بل لمسار الحركة النضالية لعرب المشرق في سورية مع ميشال عفلق مؤسساً لحزب البعث وفي فلسطين مع جورج حبش مؤسساً لحركة القوميين العرب.. وفي لبنان كان جورج حاوي صاحب الفضل الأول في تحول الحزب الشيوعي اللبناني الى تبني القضية الفلسطينية كقضية ترى في الصراع العربي – الصهيوني قضية قومية ووطنية، وليست قضية صراع طبقي يلتقي فيها العامل الفلسطيني مع العامل الاسرائيلي في حلف ضد حلف الرأسمالية العربية والاسرائيلية.
مؤسسا البعث والقوميين العرب انطلقا من ومع صعود الحركة القومية العربية التي تريد استعادة الواقع العربي الى وحدته التي طمستها طيلة قرون سيطرة الامبراطورية العثمانية على بلاد العرب وفق وهم الدولة الاسلامية العامة التي استحالت ممالك وامارات مستقلة متحاربة أحياناً، متصالحة أحيانا أخرى، ومعظمها يسلم لمركز الحكم – الخلافة شكلاً، سواء كانت في دمشق أو بغداد، ثمّ القاهرة الى الآستانة أخيراً.. ويحاربها علناً كما حصل مع مؤسس أسرة محمد علي (التي حكمت مصــر منذ العام 1805 الى حين قيام ثورة 23 يوليو/تموز عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر) حين وصل محمد علي بجيوشه الى جبال الأناضول وكان ابنه ابراهيم باشا منظما حملات الى بلاد الشّام والجزيرة العربية… وكلها كانت ضمن الدولة – الامبراطورية العثمانية.
فلسطين دائماً
عفلق سبق بحزبه ضياع فلسطين عام 1948، وحبش أنشأ حركته استجابة لتحدّي ضياع القسم الأعظم من فلسطين، أمّا جورج حاوي فقد قرر ضربته داخل الحزب الشيوعي بجعل قضية فلسطين هي محور نضاله ورفاقه بعيداً عن صنميّة الشيوعية العربية العابدة لشتاء موسكو الذي يقرر لها متى تحمل المظلات ومتى تتركها حتى في عزّ وغزارة الأمطار..
متى تحرك جورج حاوي ورفاقه؟
مباشرة بعد هزيمة حزيران/يونيو العسكرية عام 1967، فكان المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني عام 1968 هو تاريخ ميلاد الحزب الشيوعي العربي الفلسطيني في لبنان، الذي تكرّس في حمل الحزب الشيوعي السلاح دفاعاً عن ما أسماه الثورة الفلسطينية وعروبة لبنان، مقدماً إيّاه كنهج عن الصراع الطبقي الذي غزل اليسار الجديد ثوبه ليرتديه بعيداً وربما نكاية بالحزب الشيوعي اللبناني.
التقينا جورج حاوي ربما مئات المرات وخصوصاً في المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية اللبنانية، لكن أبرز لقاء ظل حافراً في ذهني كان في دمشق حين خرجت اليها وأسرتي بعد مجزرتي صبرا وشاتيلا في 16 و17 أيلول/ سبتمبر عام 1982… وكنا كمئات الآلاف محاصرين في بيروت أثناء الاجتياح الصهيوني للبنان الذي بدأ في 5/6/1982.. نزلنا ضيوفاً في فندق شيراتون دمشق مع عبد الرحيم مراد وعائلته، وجاءنا من البقاع عمر حرب الذي كان سبقنا الى البقاع وهو ظلّ مدافعاً عن بيروت مقاتلاً حتى نفاذ ذخيرته ورجاله مقاتلو الاتحاد الاشتراكي العربي وكان مقرّه في المصيطبة (الجامعة اللبنانية الدولية الآن).. آخر موقع عسكري مقاتل ضد العدو الصهيوني في بيروت وقد أدّى هذا الموقع ورجاله أعظم دور في المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني تجسّد في إعطاب ست آليات صهيونية عند طريق ونفق سليم سلام في منطقة المصيطبة.
على هذه الخلفيّة التي عرفها جورج حاوي جاءنا الى جناح مراد ليحدثنا عمر حرب وعبد الرحيم وحسن صبرا عن أنه قرر ورفيقه أبو خالد (محسن ابراهيم) بدء المقاومة المسلحة باسم جبهة المقاومة اللبنانية (جمول) ضد الاحتلال الصهيوني للبنان.
وهكذا
عندما قتل همج آل الأسد المناضل جورج حاوي في حزيران / يونيو2005.. كانوا يستهدفون المناضل الوطني – الفلسطيني – العروبي الذي جعل استقلال وسيادة لبنان في صلب قضيته بل هم قضيته المركزيّة الأول حتى ليكاد متابعو مسار هذا القائد الوطني ينسون أنه ابن الثقافة اللينينية الماركسيّة أو أنه أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني.
المصدر: الشراع