ستطلب الحكومة الإسرائيلية من الإدارة الأميركية الاتجاه إلى العمل العسكري لتنفيذ مخطط التعامل الصفري مع القطاع. تتجه إسرائيل، دولة وحكومة عسكرية جديدة، إلى تبني مقاربة سياسية مختلفة في التعامل مع محاولة استثمار المشهد العسكري والسياسي، لتحقيق جملة من الأهداف وليس فقط التعامل مع قطاع غزة، وهو ما برز في التعامل الراهن مع تطورات أزمة القطاع وكيف يمكن إنهاؤها بالصورة التي ينبغي القيام بها، في ظل مخططات تاريخية يُعاد تقديمها وطرحها والترويج لها، وفي ظل حال من عدم وجود رؤية شاملة مع المضي قدماً في إدارة عسكرية للأزمة، وهو ما قد يطيل أمد المواجهة الراهنة مع انفتاحها إلى مسارات أخرى.
إدارة عسكرية
وتدير الحكومة الإسرائيلية الجديدة الأزمة اعتماداً على معطيات عدة فرضت نفسها على الجميع وليس داخل إسرائيل، وذلك في إطار محاولة استعادة القدرة على الردع والانتقال من رد الفعل إلى الفعل المباشر، مع عدم التجاوب مع أطروحات التهدئة التي تتردد، والاتجاه إلى التصعيد كرسالة أولى إلى الجمهور الإسرائيلي بأن إسرائيل لديها خياراتها الكبيرة والمهمة، وأنها قادرة على الحسم عند الضرورة.
لكن القضية الرئيسة تجاوزت ما جرى مع محاولة تأكيد أن لإسرائيل إمكانات وقدرات عسكرية، وأن ما حدث في السابع من أكتوبر (تشرين الثاني) الجاري كان حدثاً عارضاً ستتجاوزه إسرائيل بما تملكه من إمكانات، بخاصة أن العمل العسكري بات يسبق العمل السياسي المفترض أنه جرى وفي سياقات محددة.
ومن ثم فإن الجنرالات الجدد في الحكومة المصغرة يريدون عسكرة الأزمة والانتقال من التجاوب مع المستوى السياسي بضرورة وجود حل سياسي إلى حل عسكري، وهذا يفسّر الاتجاه مباشرة إلى التصعيد العسكري، لا فقط الاتجاه إلى حل أزمة الأسرى أو الرهائن، بخاصة أن مصر وقطر دخلتا على الخط في هذا الملف، وبالتالي فإنه لا يوجد إشكال حقيقي في التعامل مع درس كل العروض المقدمة، بما في ذلك التعامل مع فكرة المؤتمر الإقليمي الدولي الذي دعت إليه القاهرة، باعتباره فرصة جيدة لمناقشة ما سيجري في إطار البحث عن حل وليس فقط الاتجاه إلى تبني حل عسكري.
خيارات السياسة
وتتجه إسرائيل إلى جوار الحل العسكري للبحث عن الحل السياسي، وهو أمر مهم بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والمستوى السياسي الذي يتخوف من ترك الأمور إلى المستوى العسكري لإدارة المشهد بالكامل، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر الخارجي، وفي هذا الإطار تتجه الأمور في إسرائيل على المستويين السياسي والعسكري نحو الإنصات إلى تنمية وتعزيز العلاقات مع إدارة الرئيس جو بايدن، باعتبار أن ما يجري يستحق التعامل معه أميركياً في إطار العمل معاً بعد ترميم العلاقات السياسية والانتقال إلى مرحلة أخرى، بل والتجاوب الحذر والمهم مع المطالب الأميركية التي تعمل مع مصر وقطر في المقام الأول.
ولعل هذا الأمر يفسر حضور وزير الخارجية بلينكن إلى تل أبيب ومشاركته، وهو مسؤول أميركي، في اجتماع الـ “كابينت” مما يعطي أهمية التنسيق الدبلوماسي والسياسي، وهو ما سينطبق على حضور ودعم الرئيس جو بايدن، بخاصة أن للإدارة الأميركية أيضاً حساباتها الداخلية المتعلقة بالانتخابات الأميركية، وتخوّف قيادات الإدارة من اتجاه الكونغرس إلى فتح ملف الأداء الدبلوماسي – الأميركي في ملف القتلى الأميركيين من جانب، وإدارة ملف الرهائن من جانب آخر.
وفي هذا السياق المفتوح على خيارات عدة، تعمل الحكومة الإسرائيلية في اتجاه محدد وهو رفض تكتيكي للخيارات الداعية للتهدئة، واستثمار ما يجري لمصلحة إسرائيل في إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية وتصفية عناصرها، وإجراء “ترانسفير” جماعي للشعب الفلسطيني سواء باتجاه مصر أو الأردن، أو إعادة توزيع الشعب الفلسطيني على الدول العربية المجاورة.
وعلى رغم رفض المجتمع الدولي ذلك المخطط فإن الأمر سيتعلق في المقام الأول بالقدرة العسكرية ورغبة إسرائيل في استمرار التصعيد وعدم الاستماع إلى التهدئة أو غلق الملف منعاً لتكرار ما جرى، على رغم كل الإجراءات العسكرية والاستراتيجية التي جرى اتخاذها خلال الفترة الراهنة والمنتظرة، والتحقيقات التي ستطاول مسؤولين كباراً في الواجهة السياسية والعسكرية، وقد تصل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وكبار القادة في المؤسسة العسكرية، وهو ما يفسر حال التشنج والتوتر التي تصاحب المستوى السياسي والمطالبة بعدم التصعيد وتوظيف ما يجري لمصلحة إسرائيل، والعمل معاً من أجل فرض الخيارات الإسرائيلية سواء السياسية أو العسكرية، مع عدم الاتجاه إلى القبول بحل وسط، وهو ما يفسر استمرار العمل العسكري والتصميم على إدارة المواجهة من منظور عسكري واضح لا وجود فيه للخيارات الدبلوماسية المكررة والمعتادة.
مسارات التعامل
وستطلب الحكومة الإسرائيلية التعامل مع الإدارة الأميركية من منطلق ليس فقط حماية أمن إسرائيل والعمل من خلال رؤية ومقاربة كاملة تعتمد على بناء شراكات مسؤولة فقط، بل من خلال الاتجاه إلى العمل العسكري لتنفيذ مخطط التعامل الصفري مع قطاع غزة، ومن ثم فإن الحكومة الإسرائيلية ستتماهى مع الطرح المصري في ملف رام الله وقطاع غزة، حرصاً منها على استمرار قنوات الاتصال والتعامل، بخاصة أنها تدرك أن بعض الأطراف العربية الأخرى قادر على تقديم حلول وسط أو صيغ للتعامل في القطاع، مثلما تفعل قطر في ملف تحرير الرهائن في الوقت الراهن.
كما تعمل الحكومة الإسرائيلية على توسيع نطاق تعاملاتها الدبلوماسية من الولايات المتحدة والدعم الأوروبي، بخاصة البريطاني والفرنسي، والالتفاف حول إسرائيل إلى الاتجاه إلى روسيا والصين أيضاً بهدف محاصرة الخيارات الأخرى التي قد تعمل لغير مصلحة إسرائيل، وهذا يفسر الانفتاح الإسرائيلي على الموقف الروسي والاتجاه إلى التنسيق في المواقف، بعد أن دخل الرئيس الروسي على خط المناكفات الدبلوماسية والسياسية طرفاً شريكاً في الإقليم، مع ترحيب حركة “حماس” بالحضور الروسي لأهداف سياسية وكاعتراف بوجود الحركة، بخاصة أن الدور الروسي في جمع الفصائل في موسكو لا يزال حاضراً، والسعي الروسي إلى الحضور في ملف القضية الفلسطينية وارد ضمن ملفات أخرى في الإقليم ينبغي التعامل معها بجدية، وتوزيع مناطق الصراع والنفوذ إقليمياً ودولياً بين روسيا والولايات المتحدة ماثل ويعمل في اتجاهات عدة، مما يشير إلى أن إسرائيل تريد بناء موقف دولي حقيقي حول مواقفها وعدم الاتجاه في مسار واحد على رغم ما يجري من دعم أميركي لافت ومهم وفي سياقات محددة مرتبطة بطبيعة العلاقات وخصوصيتها بين البلدين.
والتطورات الجارية سترتبط من الآن وصاعداً بحسابات إسرائيلية حقيقية ربما تتجاوز ما يجري في غزة، لإعادة ترتيب المصالح العليا الإسرائيلية في سياقها الإقليمي والدولي، بعد أن جرى تهديد الأمن القومي الإسرائيلي بالفعل وتعرضت الدولة لخطر حقيقي، ولهذا تتخوف من احتمالات تكراره والاتجاه دورياً إلى خيارات دراماتيكية بالوصل إلى ما بعد منطقة الغلاف إلى الداخل الإسرائيلي في ظل مناقشات مفتوحة.
وتدور خلال التوقيت الراهن في الأوساط العسكرية الخيارات الممكنة والمتوقعة التي تعمل في اتجاهات عدة، وترتبط بالقدرات الإسرائيلية المختلفة، بما في ذلك القدرات النوعية التي تتجاوز النووي إلى اتباع استراتيجية دفع القوى المناوئة لإسرائيل إلى حافة الهاوية.
الخلاصات الأخيرة
ستستمر إسرائيل في البحث عن مصالحها العسكرية والسياسية مع توظيف كل الخيارات المتاحة لتنفيذ ذلك في إطار أولويات محددة يعمل عليها المستوى السياسي، بخاصة أن حل المشكلات بفتح المعبر ودخول المساعدات للقطاع سيليه التزام إسرائيل بالمضي قدماً في خطوات أخرى قد يفهم منها في إسرائيل وأمام الجمهور الإسرائيلي بأنها تنازلات حقيقية على الطريق، وقد توقف ما يجري من احتمالات مطروحة بالاتجاه إلى العمل العسكري الشامل أو الدخول إلى حرب جبهات، وهو أمر وارد في ظل ما يجري في داخل إسرائيل وترقب موقف الأطراف المعنية، ومنها جبهة “حزب الله” والجولان والضفة، وهو ما تتعامل معه إسرائيل بحذر فقد تتجاوب مع بعض الأطروحات بإجراءات وتدابير وقتية، لكنها ستتجه إلى التعامل الكامل والمباشر مع مصادر الخطر القريب والبعيد، وفي إطار اشتعال الموقف في مسارح عمليات عدة في الوقت نفسه في حال فشل مجهودات التهدئة، أو في الأقل وقت تكتيكي للمواجهات لإعطاء الفرص للحل بدلاً من الاتجاه إلى حال التصعيد الذي قد يكون مكلفاً.
وفي إطار سلسلة من البنود المتعلقة ببنك الأهداف الرئيسة لإسرائيل سياسياً وعسكرياً، والمرتبطة بالفعل باستراتيجية التحرك والتعامل من خلال موقف متغير ومتجدد للمستوى العسكري الذي لا يملك فعلياً خيارات عدة في المسار السياسي الذي يجري طرحه عربياً ودولياً، بخاصة أن هذا المستوى العسكري لديه قناعاته التي لن يغيرها في إطار هذه المواجهة، كما أنه يتجه إلى الحلول الصفرية دفاعاً عن أمن الدولة وبقائها في محيطها الإقليمي، مما يؤكد أن العمل العسكري وبصورة أو بأخرى سيظل مطروحاً كخيار إسرائيلي مطلوب لتأكيد قدرة الدولة، وليس فقط قدرة الحكومة الإسرائيلية على الردع، وبناء استراتيجية جديدة من الآن فصاعداً للمواجهة إلى حين الحسم النهائي والأخير.
المصدر: اندبندنت عربية