حصل تفجير قبل أيام في الكلية الحربية في حمص أثناء وبعد تخريج ضباط وصف ضباط جدد لجيش النظام. لم يتم التأكد من مصدره ،هل هو عبر عبوات ناسفة زرعت في مكان الحفل ، ام قصف من طائرات مسيرة في الجو.
لن أقف عند الحادث بذاته فقد اُشبع درسا وتحليلا:
لماذا حصل ولم يكن فيه اي مسؤول عسكري أو سياسي من السلطة السورية. ولا حتى من الدول الحليفة للنظام إيران وروسيا خاصة ؟.
ظهر التفجير وكأنه مقصود أن يصيب عدد كبير من طلاب الضباط وعائلاتهم العاديين من حاضنة النظام، وأغلبهم من الطائفة العلوية، فليس سرا أن أكثر من تسعين بالمئة من منتسبي الجيش السوري من المتطوعين خاصة كضباط مستقبليين هم من العلويين طائفة النظام… هذا ديدن غير معلن عنه منذ بدايات سيطرة الأسد الأب على حكم سوريا قبل أكثر من نصف قرن…
اولا: لم يعد خافيا المآل المأساوي لسوريا والسوريين بعد مضي اثني عشر عاماً على الثورة السورية التي واجهها النظام السوري وحلفاؤه بالعنف والقتل والتدمير ، حيث انتجت اكثر من مليون ضحية ومثلهم مصابين ومعاقين وأكثر من نصف الشعب السوري حوالي ١٣ مليون إنسان مشردا خارج سوريا وداخلها . وأصبحت سوريا محتلة واقعيا من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني مع الميليشيات الطائفية، هذا غير سيطرة ال ب ي د فرع حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك المسيطرين على شرق الفرات حيث النفط والغاز وسلة غذاء سوريا. مع وجود عسكري أمريكي. كذلك المناطق المحررة من سيطرة النظام في إدلب وجوارها والمدن والبلدات المحاذية لتركيا مناطق غصن الزيتون ونبع السلام…
كل هذا يعني أن واقع حال سوريا الفعلي انها مقسمة كسيطرة وفاعلية وتحكّم الى أربع كيانات في أجزاء سوريا المبعثرة..
ثانيا: ليس خافيا أيضا أن اعتماد النظام السوري المجرم على روسيا وايران في كل سنوات الحرب على الشعب السوري وتقديم رصيد الدولة السورية المالية والاقتصادية لهاتين الدولتين وتراكم الديون على الدولة السورية، بحيث قام النظام بتأجير اغلب منافذها الاستراتيجية ميناء طرطوس واللاذقية وهو أقرب لبيع واستعمار لعشرات السنين . كذلك مصادر المواد الخام مثل الفوسفات وغيره. بحيث أصبح النظام في حالة عجز اقتصادي عن أن يؤمّن التغطية المالية للدولة السورية. مما انعكس على انهيار حقيقي للعملة السورية اقترن مع غياب اكثر السلع الاساسية للعيش بالنسبة للشعب السوري. هذا غير عدم التناسب بين المعاشات الممنوحة لموظفي الدولة بما فيهم الجيش والأمن مع احتياجات الناس. مما أوقع النظام في مأزق أمام حاضنته الشعبية واغلبهم موظفين في الدولة والجيش والأمن. بحيث أصبحوا يتململون من أن دولتهم لا تشبعهم…
ثالثا: بالعودة الى السنوات السابقة نعلم إطلاق النظام ليد الجيش والأمن والشبيحة حتى ينهبوا كل ما تصل اليه ايديهم في البلدات والمدن التي استباحها النظام وازلامه. مما شكل دافعا مباشرا لهؤلاء لمزيد من الوحشية بحق السوريين. والصمت عن الضحايا الذين سقطوا من حاضنة النظام المقدرين بمئات الآلاف…
أما في السنوات الأخيرة حيث حصل شبه توقف للعمليات العسكرية. وثبت الصراع ومناطق النفوذ، مما أدى الى زوال الموارد التشبيحية لجيش النظام وأمنه وشبيحته. مما زاد التململ عند حاضنة النظام عندما زادت الضائقة الاقتصادية…
رابعا: وبما أن النظام السوري المجرم لم يكن لديه حل، فالحنفية الإيرانية الروسية أغلقت بوجهه. وطالبوه إيفاء ديونه العاجز عن إيفائها. فقد اعتمد رأس النظام على حل اعتقده انقاذي لكنه في الواقع كان انتحاريا بالنسبة له. فقد رفع معاشات منتسبي الدولة واغلبهم من حاضنة النظام بنسبة مئة بالمئة. وزاد في نفس الوقت من ثمن المحروقات. بحيث فرّغ الزيادة من مضمونها. بل زادت الحياة المعيشية غلاء وقسوة. وهذا زاد من ارتفاع الأصوات الاحتجاجية ضد النظام وخاصة من حاضنته. ورغم اعتماد النظام على اسلوبه الأمني بالبطش بكل معترض حتى من حاضنته العلوية. فمع ذلك لم يتغيير من واقع التذمر وارتفاع الصوت الاحتجاجي لدى حاضنة النظام وبالطبع لدى كل الشعب السوري بالداخل. ولم يكن أمام النظام ما يفعله… لا حل لديه…
خامسا: اعتمد رأس النظام على الظهور الإعلامي مع قناة سكاي نيوز وغيرها ليكرر ذات الاسطوانة المشروخة عن المؤامرة على سوريا وشعبها، محيلا كل ما يحصل في سوريا للعقوبات الدولية ومنها قانون قيصر والارهابيين الذين دمروا سوريا وقضوا على بنيتها التحتية وسرقة موارد سوريا من الاعداء. لقد وضع نفسه ونظامه في موقع الحمل الوديع ضحية ذئاب العالم… وكأنه لا يعلم ان كل ما حصل في سورية هو من فعله هو ونظامه وحلفائه اولا وقبل كل الآخرين. وانه يحصد ما زرعته يداه من قتل وخراب ودمار…
مع ذلك ظهوره الإعلامي لم ينفعه أيضا بقي الناس من حاضنته الشعبية يظهرون في فيديوهات ويتحدثون: لقد وصل الجوع والفاقة لأسرهم ولا حل عندهم…
سادسا: لا بد أن نمر على محاولة الدول العربية الخليجية بزعامة السعودية ان تقدم حل انقاذي للنظام ، عبر دعوته لجامعة الدول العربية وحضوره مؤتمر قمة واستعادته لمقعده في جامعة الدول العربية. وكانوا قد اشترطوا عليه ان ينهي او يحجم على الاقل الحضور الايراني وهيمنته على السياسة السورية وعلى الأرض السورية أيضا. وان يدخل النظام في مسار حل سياسي في سوريا أساسه القرار الدولي ٢٢٥٤. وعندها سيقدمون له يد المساعدة لاعادة دعم النظام السوري في الاقتصاد وإعادة الإعمار .. الخ. لكن رأس النظام تصرف مع قادة العرب بعنجهية واتهمهم بأنهم هم من خرّب سوريا ودمرها بدعمهم للارهاب وأنهم مسؤولون عن إعمار سورية. كذلك لم يستجب لمطلب تحجيم إيران وأدواتها في سوريا، او لم يستطع. كذلك لم يقبل ولم يتقدم باتجاه أي خطوة جدية في مسار حل سياسي حقيقي في سوريا. مما جعل الخطوات التطبيعية مع النظام أقرب لخطوات في الهواء لم يكن لها جدوى وعاد النظام إلى مربع أزمته الاقتصادية المجتمعية التي لا حل لها…
سابعا: عندما وصل النظام إلى مرحلة العجز عن تقديم حل الى حاضنته الشعبية التي تعنيه في وجود واستمرار حكمه ونظامه. اعتمد على البحث عن حل خارجي بالاستغاثة بالصين. حيث ذهب هو وزوجته كسائح لحضور ألعاب أولمبية هناك. لقد استعرض هو وزوجته هناك بطريقة المضحك المبكي مهاراتهم ولغتهم العربية وتعامل الصينيين معهم وكأنهم لعب اطفال. وعندما حصلت مقابلات صحفية مع رأس النظام من قبل الصينيين. قدم ذات الافادة عن سوريا الضحية ونظامها المظلوم، مع رسالة ضمنية موجهة للصينيين : أن في سوريا ما يمكن استثماره من قبل الصينيين. لكن الصينيين يدركون واقع الحال السوري وأنهم كلاعبين سياسيين ناجحين دوليا غير معنيين أن يقدموا طوق نجاة للنظام الذي دمر سوريا وشعبها. عاد رأس النظام وزوجته من رحلة “سياحة جميلة”. مع محاولة سياسية فاشلة، ولو كان غير ذلك لرشح بالإعلام ما يدل عليه…
ومازال حال السوريين من سيء الى اسوأ…
ثامنا: لقد كان حراك أهلنا في السويداء الذي مضى عليه أكثر من شهر آثار قاسية على النظام حيث زادت من ظهور عجزه وغياب الحل عنده لمطالب الناس بمخارج حياتية على كل المستويات…
بدأ الحراك خجولا ومطلبي وبسيط وسرعان ما توسع ليصبح معبرا عن السويداء كاملة مدينة وبلدات. مع اغلب المرجعيات الدينية الموحدية الدرزية الوازنة اجتماعيا. والتحق بالمطالب الحقة للسويداء العشائر العربية المجاورة لهم وكذلك الكثير من بلدات درعا التي استطاعت التحرك رغم وجود النظام وجيشه وأمنه وقمعهم المستمر…
لقد وصلت المطالب في السويداء الى اسقاط النظام والمطالبة ببناء دولة ديمقراطية لكل السوريين تضمن لهم الحرية والكرامة والعدالة.
وبما أن الحراك تم من مكوّن سوري معتبر من “الاقليات”، قال النظام انه كان يحميه مع المسيحيين والعلويين..الخ. لقد قدم النظام نفسه للعالم على انه يحمي الأقليات في سوريا. وهاهم “الأقليات” يطالبون بإسقاط النظام.
كما ارتبك النظام أمام الحراك في السويداء خوفا من ردود فعل دولية. لم تقبل روسيا أن تكون في مواجهة أهل السويداء. كذلك ايران، وامريكا عبرت عن دعمها لحراك اهل السويداء. كما أن الكيان الصهيوني يراقب عن كثب فأي متغير في جواره هو معني به. لذلك اعتمد النظام مع حراك السويداء على محاولة التأليب الداخلي وزرع الفتن والتجييش المجتمعي . لقد فشل في كل ذلك. وفي كل يوم يزداد تجذر الحراك هناك وتزداد قوته وتوسعه… مما شكل ازمة للنظام زادت من مشاكله المتراكمة اصلا…
تاسعا: من خلال إدراك كل هذه الخلفيات لواقع الحال في سوريا والخيارات أمام النظام لمعالجة واقع عجزه عن تقديم أي حل حقيقي لسوريا كلها. وحاضنته الشعبية بشكل أساسي. فهي مصدر شرعيته…
لذلك قام النظام وهذا تحليلي الشخصي بمجزرة الكلية الحربية في حمص محاولا تغيير المناخ العام السياسي في حاضنته الشعبية:
١ . أراد النظام أن يقول لحاضنته العلوية انتم في خطر من الإرهاب المتمثل بفصائل الثورة السورية وداعميها. وان النظام مازال الحامي لهم من مصائر مأساوية قادمة لهم ان لم يلوذوا به ويحتمون به. ويتحملون شظف العيش لكي لا تكون حياتهم ذاتها مهدورة على يد “الإرهابيين”.
٢ . بالطبع لن نكرر ما قلناه بداية عن افتعال التفجير وعدم سقوط مسؤولين فيه. وأن المقصود به الحاضنة العلوية لكي تفكر كثيرا قبل ان تعارض النظام الذي من المفترض أنه يحميها…
٣ . اتبع النظام التفجير بتوجيه الاتهام للفصائل المسلحة المعارضة المتواجدة في إدلب وجوارها. وبدأ في حملة قصف بكل الاسلحة بما فيها الطيران الروسي. طالت الناس في بيوتهم ومخيماتهم. ولم يظهر أنها وجّهت سلاحها ضد أي جماعة مسلحة. إنها حرب إبادة وتهجير مستمرة للآن بدأ على إثرها عشرات الالاف الناس من اهلنا مغادرة بلداتهم ومخيماتهم والاقتراب من المناطق الحدودية السورية التركية حيث الخط الأحمر التركي ، تهجير متكرر حيث الحياة اصبحت اقرب للجحيم والعالم كله لا يتكلم ولا يسمع ولا يرى…
الحالة هكذا على الأرض الآن وفي حالة سيولة لا نعلم ما يحدث من مستجدات في الأيام القادمة.
اخيرا: اننا نرى ان ما فعله النظام السوري المستبد المجرم من خلال افتعال مجزرة حمص لضباط وصف ضباط متخرجين جدد وعائلاتهم . محاولة لأن يعيد ربط الحاضنة العلوية به. بصفته الحامي والضامن ورمز الأمان لهم. لكنه سيفشل حتى بهذه المجزرة فلن يقدم لهم حلولا حقيقية لمشاكلهم الحياتية و لقمة عيشهم المفقودة…
هذا غير ان بعض الناشطين العلويين الذين انفضوا عن النظام وبدأوا يفضحوا العابه. اتهموه بالمباشر بهذه المجزرة الجريمة وأنها تراكم مع جرائم النظام التي يجب ان يحاسب عليها، ولو بعد حين.