المشهد المتحرك في انتفاضة السويداء المستمرة يشير إلى استحالة توقفها، أو نكوصها، ضمن المتغيرات الحاصلة والمتواصلة، ومن ثم فإنه لا يبدو أبدًا أن احتمالات فشلها واردة أو ممكنة، وفق كل التحليلات الموضوعية المتوفرة في الواقع السوري. فهي موجة جديدة في مسارات الربيع السوري، آلت على نفسها أن تتابع مسيرتها على هدي ورؤية ما قامت عليه ومن أجله ثورة الشعب السوري إبان انطلاقتها الأولى أواسط شهر آذار/ مارس ٢٠١١ وهي ضمن وعبر ومن خلال هذه السياقات تحاول الاستفادة من كل عثرات وانتكاسات ثورة الحرية والكرامة، وكذلك المراكمة على نجاحاتها الكثيرة، بدءً من فعل كسر الحاجز النفسي الذي قامت به ثورة السوريين منذ ما يزيد عن ١٢ عامًا، وتمكنت منذ تلك المرحلة من إنتاج حالة شعبية سلمية لم تعد في مخيالها مطلقًا كل عوامل وأدوات القمع والعسف الأسديين، ولا كل ممارسات العصابة التشبيحية التي وقفت في مواجهة السوريين منذ مايزيد عن خمسين عامًا مضت، أي منذ أن خطف البلاد الأسد الأب بانقلابه المعروف صبيحة ١٦ تشرين ثاني/نوفمبر ١٩٧٠ .
نعم فقد استطاع الشعب السوري منذ ما يزيد عن عقد من الزمن الإمساك براية الحرية والكرامة، واجتراح الحلول والأدوات التي يمكنها أن تكون ماضية في طريقه على إنهاء الفاشية الأسدية وإزاحة الطغيان الأسدي الكبتاغوني، وكل آلياته وأدواته بإرادة شعبية مليونية، طالما كانت في حالة إصرار على الوصول إلى مبتغاها، في إنتاج دولة المواطنة، وسيادة القانون، وكنس كل تجليات الدولة العصبوية الاستبدادية الغارقة والوالغة في الدم السوري، عبر عقود متتابعة من القمع وكم الأفواه وإلغاء السياسة من المجتمع السوري.
واذا كانت انتفاضة السويداء الآن المستمرة والمتصاعدة اضطرادًا ماضية بحق وجد ووعي، ضمن جميع أنساقها المجتمعية، واتكاءً على حالة التماسك والوعي المطابق المجتمعي، في جبل العرب وكل حوران سهلًا وجبلًا، فإن القادم من الأيام قد يكون الأكثر صعوبة والأشد وطأة، وبالتالي لابد من البحث في الحلول، والإمساك في أتون أدوات جديدة ومتجددة، عصية عن الكسر وممتنعة من الاختراق في مواجهة اشتغالات أخطبوطية مستمرة وحثيثة وعلى كل الصعد، من قبل أدوات القمع الأسدي وداعميه، من ميليشيا إيرانية محتلة لوطننا السوري، ومن شذاذ الآفاق الذين أتت بهم إيران/ الملالي إلى الجغرافيا السورية، من أجل إنفاذ مشروعها الفارسي الطائفي الممتد، على طريق إعادة إحياء امبراطورية (كسرى أنوشروان) الآفلة والبائدة، ضمن مشاريع أطماع إيرانية فارسية تمتطي على الدين والتشيع زورًا وقهرًا واستغلالًا وابتزازًا، وصولًا إلى غاياتها العدائية مع المحيط العربي، حيث مازال المشروع الإيراني يتلطى للإقليم منذ أن (انتصف العرب من العجم) ومابرح المشروع الفارسي ذاك يحاول إعادة إنتاج نفسه، والاستمرار في استغلال كل الأدوات الممكنة في سورية ولبنان والعراق واليمن، وقد يكون في شمال أفريقيا .
من هنا فإن الالتفاف اليوم حول ثورة السوريين في موجتها الجديدة في محافظة السويداء الأبية، لابد أن يأخذ أبعادًا أخرى أكثر جدوى، وأقدر على حماية انتفاضة السويداء، من تآمر آل الأسد ومن والاهم، وبث روح الحياة فيها وعبرها، على أساس ومن منطلق أنها كانت ومازالت جزء لايتحزأ من ثورة السوريين ضد الطاغية واستمرارًا لثورة الحرية والكرامة، التي لايجوز أن تنتكس أو تتراجع مهما تخلى الأصدقاء عنها، ومهما أصابها من أمراض وعثرات، ليس خارجها موضوعي الأسلمة المتشددة، أو ظاهرة العسكرة التي ثبت عدم قدرتها وفق الظروف المحلية والإقليمية، على إنجاز ماقامت من أجله الثورة السورية، وهي تقترب من إتمام عامها الثالث عشر.
لقد أثبتت انتفاضة أهلنا في محافظة السويداء أنها قادرة شكلاً وموضوعًا على المتابعة والانجاز ضمن سياقات موضوعية فاعلة ومتمكنة، ومستفيدة من كل أنواع وحالات الأخطاء الكبرى التي وقعت بها ثورة الشعب السوري، وهو يمسك بناصية ثورته في مواجهة قوى البغي أو الهيمنة في الإقليم والعالم، على حساب الشعب السوري الذي مازال يجاهد ويناصل بالعقل والحكمة والفكر والصدر العاري في مواجهة الاستبداد الطاغوتي الطغياني الفاشيستي ومن يدعمه.
المصدر: مجلة الوعي السوري