منذ أن جرى أول اتصال بين ملك الأردن ورأس نظام الأسد وما تبعه من تطبيع وزيارات متبادلة بين الدولتين، وفتح للمعابر وعودة لرحلات الطيران، كان المسؤولون في الأردن حريصين في كل مرة ينتقدون فيها سلوكيات النظام على عدم ذكر الأسد بشكل مباشر، وكانوا يكتفون بالعموميات ويتحدثون عن وجود مشكلات في مسار التطبيع ويعلنون عن تذمرهم من عدم إيفاء النظام بالتزاماته، وخصوصا تلك المتعلقة بوقف تجارة الكبتاغون. لكن ما حدث في الأيام الماضية قلب المعادلة وباتت أسهم النقد الأردني تصوب تجاه الأسد شخصياً.
ملك الأردن هو من بدأ حفلة الرمي هذه حين شكك بسيطرة الأسد على الأمور ولمح إلى وجود شركاء كثر في القرار في إشارة لإيران وميليشياتها المتعددة الجنسيات، ثم واصل وزير الخارجية تصويب سهامه نحو الأسد حين تحدث بالتفصيل عن عدم سيطرة الأسد على الوضع الميداني، وعن أن تهريب المخدرات زاد في الفترة الأخيرة أي بعد عودة النظام للجامعة العربية، وعن استخدام المهربين لمعدات متطورة، بدورها الصحافة الأردنية واصلت هجومها المباشر على رأس النظام وحملته مسؤولية فشل الجهود العربية التي كانت تريد تعويماً مرحلياً للنظام بمبادرة سميت خطوة بخطوة.
هذا التحول في الخطاب الأردني الرسمي وشبه الرسمي جاء سريعاً ومباغتاً، لأن الأردن هو من قاد جهود تعويم الأسد، وهنا يجب أن نقرأ جيداً ما خلف هذا التصعيد خصوصاً أنه ترافق مع تصريحات سعودية شبه رسمية تحمل الأسد فشل المسار العربي، وكما هو معلوم في بلداننا العربية حين يتحدث مسؤول سابق فهو ينطق بلسان حال المسؤول الحالي، المفاجأة الأخرى جاءت من الإمارات والتي كانت أول دولة عربية تلتقي وتدعم الأسد سياسياً، واستقبلته وفتحت سفارتها في دمشق وفي مرحلة ما قدمت له الدعم المادي السخي بحجة دعم متضرري الزلزال، الإمارات وعلى لسان المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة حملت النظام فشل المساعي العربية وركز المستشار على قضية تهريب المخدرات للأردن، ومنها إلى دول الخليج واتهم النظام بعدم القيام بأي تحرك جدي لوقف تجارة الكبتاغون.
إذا نحن أمام إعلان عربي رسمي بفشل هذا المسار بعد توقف لجنة المتابعة العربية عن عملها، وهناك تركيز واضح من قبل كل الدول التي سعت لتعويم الأسد على قضية المخدرات والتي باتت تؤرق كل دول الإقليم وخصوصا الأردن والخليج، والسؤال المطروح الآن ماذا بعد هذا الإعلان وكل هذا التصعيد الذي يقوده الأردن؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب البحث بالخيارات المتاحة الآن أمام الأردن ومن خلفه الدول العربية لأجل وقف التهديد المتصاعد من قبل النظام وشركائه من الميليشيات الإيرانية، سنجد أن هناك خيارا واحدا ممكنا ومتاحا وهو إنشاء منطقة آمنة-عازلة في جنوب سوريا، الواقع السياسي والميداني يشي بأن هذه المنطقة باتت حاجة ملحة للعرب والسوريين معاً، ومع تواصل احتجاجات السويداء في الجنوب وقرب خروج المحافظة عن سيطرة النظام بالكامل ومع وجود جيوب كثيرة لفصائل المعارضة بالجنوب سيكون أمر إنشاء هذه المنطقة متاحاً في حال كان هناك قرار عربي واضح لدعمها، طبعا لا يوجد ربط بين اتهام النظام لمتظاهري السويداء بأنهم يريدون الانفصال وبين الحاجة لهذه المنطقة، لأن من تسبب في احتجاجات السويداء هو النظام ومن أفشل المسار العربي وجعل العرب يبحثون عن بدائل جدية أيضا هو النظام، لا أحد يريد تقسيم سوريا ولا الانفصال عنها لكن سياسات النظام القمعية وتدميره البنى التحتية للدولة وفشله في إدارة الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها هو من جعل السوريين سابقاً في شمال سوريا يسعون للبحث عن ملاذات آمنة، ومناطق عازلة خارجة عن سيطرته، وهو من سيجعل السوريين في الجنوب يسعون لهذا الملاذ على أمل أن تكون هذه المناطق أداة لتحقيق مكاسب سياسية وميدانية لاحقة على طريق خلاص السوريين من هذه الطغمة الحاكمة.
إنشاء منطقة عازلة أو آمنة بحاجة إلى قرار عربي وغطاء دولي، وبعد هذا التصعيد العربي يبدو أن العرب وجدوا ألا خيار آخر أمامهم والتطورات الأخيرة تدعم هذا التوجه، فحين يعلن الأردن عن أنه قصف بالطائرات الأراضي السورية أكثر من مرة لكنه لم يعلن عنها في وقتها، وحين نرى أن مسار العلاقات السعودية الإيرانية يواجه اختبارا صعبا قد يؤدي إلى انهياره بالكامل بعد أن قصف الحوثي قوات التحالف الذي تقوده السعودية وقتل ثلاثة جنود بحرينيين، وحين نرى كل هذا الزخم الأميركي في قاعدة التنف بعد كسر حصار مخيم الركبان وزيادة فاعلية حلفاء أميركا في التنف ومحيطها، هذا يعني أن حدود المنطقة الآمنة بدأت ترسم بهدوء عبر التصريحات ونيران الطائرات الأردنية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا