يشكل الخليج مجالاً بالغ الأهمية للمناورة في التحول العالمي نحو التعددية القطبية، حيث تعيد الحرب الروسية في أوكرانيا صياغة ما يريده كل لاعب، وما يعتقد أنه قادر على تحقيقه.
ويوضح مقال روكسان فارمانفارمايان في “ريسبونسبل ستيتكرافت”، وترجمه “الخليج الجديد”، أكثر بالقول أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تريد تمديد “اتفاقيات أبراهام” لتشمل السعودية، حتى تتمكن من الإشارة إلى إنجاز رئيسي في السياسة الخارجية قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل، مع إعادة الرياض إلى داخل الخيمة الأمريكية الإسرائيلية.
وبدلا من ذلك، يريد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إبعاد الرياض عن واشنطن حتى يتمكن من قيادة محادثات عدم الانحياز والحصول على الفضل في حل حرب أوكرانيا مع روسيا، رغم أنه، جانباً، طالب بإنشاء مصنع لتخصيب الأسلحة النووية وإقامة مشروعات نووية، فضلا عن أسطول من الطائرات المقاتلة من طراز (إف-35) للنظر في طلب واشنطن تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
وتريد إيران، التي خرجت من العزلة بعد احتجاجات “النساء، حرية الحياة” العام الماضي من خلال التوقيع على اتفاق تطبيع مع السعودية بوساطة الصين، إحباط أي توسع لـ”اتفاقات أبراهام” خارج البحرين والإمارات وتعمل جاهدة على ذلك.
ووفقا للمقال، تريد إسرائيل توسيع الاتفاقيات لتشمل الرياض، معتبرة أنها فرصة نادرة للسياسة الخارجية لتحقيق التوازن بين مشاكل نتنياهو الداخلية الناجمة عن حكومته اليمينية المتطرفة المثيرة للجدل وتعزيز التحالف الأمريكي المناهض لإيران في الخليج.
ويضيف: “إن نفط الخليج وثرواته المذهلة، وانقسامه في المنتصف بين إيران والدول الموالية للغرب، والتوازن غير العملي بين منتجي الطاقة العالميين اللذين يواجهان بعضهما البعض عبر مضيق هرمز الضيق والاستراتيجي السخيف، كلها تجعل المنطقة واحدة من أعلى ملاعب الرهانات في العالم”.
ويتابع: “كما أن حرب أوكرانيا تغير أهداف المنطقة وتقدم الصين بهدوء جوائز، مثل محطات الطاقة النووية، للجهات الفاعلة الإقليمية؛ وتستعرض دول مجلس التعاون الخليجي عضلات جديدة في عملية إعادة التنظيم الجيوستراتيجي الجارية”.
ويشير المقال، إلى أن الروس يغرقون الخليج، إنهم يشترون كل شيء من أغطية المصابيح إلى المعدات الثقيلة في الأسواق الإيرانية ويتجنبون العقوبات عن طريق شحنها برا وعبر بحر قزوين.
وتجري السعودية محادثات مع شركات تصنيع الأسلحة الروسية الخاضعة لعقوبات الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، شهدت الفنادق في أبوظبي ودبي وعلى طول الساحل العماني قفزة بنسبة 200% في الحجوزات الروسية هذا العام (376 ألف نزيل شهريًا في أبوظبي وحدها/ 3 أضعاف متوسط العام الماضي) بالرغم من ضعف الروبل.
وقد دخل كل من بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، إلى الميدان للتفاوض على اتفاق سلام بين موسكو وكييف.
وفي حين خفض إنتاج النفط طوعاً في يوليو/تموز لتعزيز الأسعار، مما أزعج واشنطن (مرة أخرى)، حيث من المرجح أن تدعم هذه الخطوة عائدات النفط الروسية.
ويرى المقال أن محاولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال رحلته إلى الرياض في يوليو/تموز للترويج لـ”اتفاقيات أبراهام”، وإقناع بن سلمان بعدم تغيير الأهداف، وكذلك الانضمام إلى نظام العقوبات ضد روسيا، لم تنجح.
ومع جولة جديدة من الاحتجاجات بمناسبة ذكرى المظاهرات النسائية التي بدأت في سبتمبر/أيلول الماضي، تحتفل القيادة الدينية بعام من إعادة التأهيل المفاجئ في الخليج وفي مناطق أخرى على نطاق أوسع.
كما أعادت السعودية وإيران إنشاء سفاراتهما في عاصمتيهما، مما يوفر الضوء الأخضر لعلاقات أكثر دفئًا (وأكثر جوهرية) بين طهران والعواصم في أعلى وأسفل الساحل الغربي للخليج.
وبالنسبة للرياض، لم تشكل علاقات طهران الدافئة مع موسكو ودعمها العسكري للمجهود الحربي الروسي عقبات كبيرة، مع تزايد قربها الدبلوماسي من روسيا.
ووفقا للمقال، تدرك كلتا الدولتين أن علاقاتهما مع موسكو واقعية، إن لم تكن خالية تماما من المشاكل، وكما هو الحال مع الكثير من الوفاق المستمر بينهما، فإنهما أكثر تركيزا في الوقت الحالي على تجزئة نقاط الخلاف لبناء حسن النية، بدلا من الإضرار به.
وبالرغم من العلامات السوداء التي تشوب سمعة كل منهما في مجال حقوق الإنسان، فقد تم الترحيب بحرارة بالدولتين النفطيتين الثقيلتين في مجموعة البريكس (جنبًا إلى جنب مع الإمارات).
ويشير هذا إلى النفوذ والتنوع المتزايدين في الجنوب العالمي، فضلاً عن الاستعداد الواضح لتحدي قواعد القوة العظمى الراسخة، مما دفع مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان على ما يبدو إلى رفض البريكس بعد الاجتماع باعتباره غير مهم من الناحية الجيوسياسية.
ويعتقد المقال أنه بالرغم من أن المشاركة العسكرية الأمريكية والالتزامات المالية لا تزال هي المهيمنة في الخليج، إلا أن واشنطن لم تعد تقود العمل، وغالبًا ما تفشل هذه الأيام بسبب قيام بكين بتحريك أهداف الهدف من وراء ظهرها.
وفي أعقاب انقلابها الدبلوماسي باتفاق التطبيع الإيراني السعودي المفاجئ، عرضت الصين الأسبوع الماضي فقط بناء محطة نووية على الحدود السعودية مع قطر والإمارات دون تضمين نفس الشروط التي طالبت بها الولايات المتحدة لمنع التخصيب والتسلح النووي المحتمل.
ويأتي ذلك في أعقاب رحلة بلينكن إلى الرياض للترويج لاتفاقيات أبراهام، والتي وصفها بأنها “حجر الزاوية” لسياسة إدارة بايدن في الشرق الأوسط على أساس أن المزيد من اندماج إسرائيل في المنطقة يساهم في تحقيق استقرار أكثر ومنطقة أكثر أمنا وازدهارا.
ولكن مع استمرار تصاعد التوترات بين حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة والفلسطينيين، فإن الرياض غير مقتنعة بأن الإعلان العلني عن الصداقة مع إسرائيل يعد أمراً حكيماً من الناحية السياسية أو من شأنه أن يساهم في الاستقرار في الخليج، خاصة وأن التجارة والثقة والدبلوماسية بين البلدين قد نمت بشكل مطرد دون ضجة التطبيع.
بالنسبة لبن سلمان، فإن مخاطر الانضمام إلى الاتفاقيات لا تشمل فقط إثارة غضب سكان المملكة والمجتمع الإسلامي الأوسع إذا نظر إليها على أنها تقلل من شأن القضية الفلسطينية، لكنها قد تعيق أيضًا التقدم مع طهران، التي قد تنظر إلى مثل هذه الخطوة على أنها استسلام الرياض للضغوط الأمريكية وانضمامها مرة أخرى إلى المعسكر المناهض لإيران.
وبينما تنشر المملكة جناحيها، فمن الواضح أنها تعطي الأولوية لجوار الخليج والانفراج على صداقة الولايات المتحدة.
ووفقا للكاتب، فإن المكان الذي أحرزت فيه واشنطن تقدماً، ولو من دون دعم إسرائيل، فهو ترتيبات خلف الكواليس مع إيران لتخفيف حدة تخصيبها النووي مقابل الوصول إلى 6 مليارات دولار من احتياطياتها المجمدة التي تحتفظ بها كوريا الجنوبية.
وتحت مظلة صفقة تبادل الأسرى، التي تأمل واشنطن الانتهاء منها خلال أسبوعين أو 3 أسابيع، تم إعداد تحويلات مصرفية، وقامت إيران بهدوء بإبطاء تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهي الآن بصدد تخفيف مخزونها.
وهذا هو الاختراق الأول على الجبهة النووية منذ انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي في عام 2018.
وبالرغم من أن ذلك يعني التفاوض مع “عدو لدود”، وعندها فقط من خلال وسطاء، لا سيما عمان وقطر، فإنه يظهر أن واشنطن قادرة على المناورة ببراعة حتى عندما تتغير أهداف الخليج.
ووفقا للمقال، فإن الأمر الأقل وضوحًا هو ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على التحلي بالمرونة نفسها في توسيع “اتفاقيات أبراهام”، حيث تلاحقها كل من الصين وإسرائيل، وتبددت الآن آمالها في التقارب الليبي الإسرائيلي، ويتجه مجلس التعاون الخليجي – إلى الأمام.قبالة في اتجاهات مختلفة.
ورغم أن حرب أوكرانيا تدور رحاها على الساحة الأوروبية، فإن تداعياتها في الخليج لافتة للنظر.
ولقد فتحت آفاقا جديدة لروسيا والصين للمشاركة بشكل هادف في أمن المنطقة والطاقة، في حين أعطت زخما جديدا للقوى المتوسطة في المنطقة ليس فقط لمتابعة أجنداتها المتوسعة، ولكن أيضا لإيجاد قضية مشتركة في مجتمع محوره الخليج يمكنه تجنب تقلبات منافسة القوى العظمى.
المصدر | روكسان فارمانفارمايان/ ريسبونسبال ستيتكرافت – ترجمة وتحرير الخليج الجديد