سلطت الباحثة والناشطة الحقوقية، ريما فليحان، الضوء على الانتفاضة الشعبية في محافظة السويداء السورية ضد نظام الديكتاتور، بشار الأسد، مشيرة إلى استمرار الاحتجاجات منذ 20 أغسطس/آب.
وذكرت ريما، في مقال نشرته بموقع “المجلس الأطلسي” وترجمه “الخليج الجديد”، أن المتظاهرين أغلقوا مقر حزب البعث بالمحافظة الجنوبية وأزالوا صور الأسد من شوارع ومباني المدينة، في إطار حراك لتغيير النظام السوري والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الذي وضع خارطة طريق لعملية السلام في سوريا، بما في ذلك تشكيل هيئة حكم انتقالية بكامل الصلاحيات.
ويناصر المتظاهرون الحقوق السياسية والمدنية والإنسانية لجميع السوريين، والإفراج عن المعتقلين، ويطالبون بضمان القدرة على العيش الكريم، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور الذي أصبح لا يطاق.
ويشير المقال إلى أن نظام الأسد تبنى سياسات اقتصادية فاشلة ولم يتمكن من تأمين احتياجات مواطنيه، وأن الشعب السوري يعتقد أن النظام غير مهتم بحل سياسي يؤدي إلى واقع جديد للسوريين، يسمح بإعادة الإعمار ورفع العقوبات.
ويعزز من هذه القناعة أن النظام يمنح حاليًا عقودًا تسمح لروسيا وإيران بالوصول إلى موارد البلاد، فيما يعاني الشعب السوري.
وإضافة لذلك، يغرق نظام الأسد والطبقة الحاكمة في الأموال المنهوبة من الشعب من خلال شبكة عميقة من الفساد، تفاقمت بسبب تدمير البنية التحتية منذ بداية القمع العسكري الشديد في عام 2011.
وهجر نظام الأسد ما يقرب من نصف السوريين، وقتل مئات الآلاف، واعتقل أكثر من 100 ألف، تعرض العديد منهم للتعذيب حتى الموت.
ورغم هذا التاريخ المظلم، لا يزال السوريون يشعرون بأنهم مجبرون على النزول إلى شوارع السويداء للمطالبة بتغيير النظام، باعتبار ذلك الحل العملي الوحيد لإنهاء الكارثة الإنسانية التي يواجهونها.
ولا يبدو هكذا مشهد متوقعا بعد كل القمع وجرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد في سوريا. لكنه يعني أن الرغبة في التغيير في سوريا لا تزال موجودة لدى الشعب السوري.
ولذا شهدت السويداء، وهي محافظة ذات أغلبية درزية، احتجاجات متفرقة ومستمرة طوال السنوات السابقة قادتها نخبتها المثقفة، ومع ذلك لم تكن المظاهرات واسعة النطاق وشاملة على الإطلاق كما هي الحال اليوم.
وانضمت إلى هذه الاحتجاجات الحركات النسائية والشخصيات الدينية والموظفون وسكان الحضر والريف والمثقفون والسياسيون المعارضون.
احتجاجات المحافظات
ووقعت الاحتجاجات أيضًا في أجزاء أخرى من سوريا، بما في ذلك درعا وإدلب والرقة ودير الزور وحلب، وسط تعال لأصوات المعارضة من الساحل السوري، قلب معقل النظام السوري، التي تطالب علناً بالتغيير ورحيل رأس نظام الأسد.
وإضافة لذلك، بدأت تتشكل مجموعات ثورية جديدة، مثل حركة العاشر من أغسطس/آب، في مقابل تحريض إعلامي من النظام ضد أهالي السويداء واتهامهم بالتخوين والتربح، وضد المتظاهرين لخلق الفرقة بين السوريين وخلق سبب لاعتقالهم وربما الاعتداء عليهم مستقبلاً، كما استخدمت الحكومة الاعتقالات والقمع في محافظات أخرى.
ويشعر سكان السويداء، سواء في الداخل أو في الشتات، بالقلق من أن النظام قد يستخدم الميليشيات أو الجماعات التابعة له، مثل حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإسلامي، لقمع الانتفاضة الجماهيرية، كما فعل في محافظات أخرى سابقا.
وتأتي الاحتجاجات الحالية في السويداء في مرحلة حساسة وحرجة بعد أن ضاعت آمال السوريين في الغرب والدول العربية، خاصة بعد تطبيع نظام الأسد مع الدول العربية في مايو/أيار الماضي.
ومع ذلك، فإن نظام الأسد لم يبد أي اهتمام بالانخراط في المبادرة العربية أو أي حل سياسي، ولم يتخذ أي خطوات لبناء الثقة، ولم يستجب لتأثيرات قرار مجلس الأمن رقم 2254، ولم يلتزم بالعملية السياسية.
ففي مقابلته الأخيرة مع سكاي نيوز عربية في 9 أغسطس/آب، بدا الأسد غير مبالٍ بالسياسات المتهورة التي أدت بالبلاد إلى التفكك والانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
ورغم أكثر من عقد من الدمار الذي سببه حكمه، حاول الأسد، خلال المقابلة، تزوير التاريخ من خلال الادعاء بأن عدد السوريين الذين احتجوا ضده لم يتجاوز مائة ألف.
فعدد المعتقلين وحدة يتجاوز المائة ألف، وخرجت احتجاجات شارك فيها مئات الآلاف في عموم المحافظات السورية.
وبعد أيام قليلة من تصريحاته، اتحد أهل السويداء، وليس الدروز منهم فقط، ليؤكدوا على استمرار احتجاجاتهم حتى رحيل النظام.
مسؤولية تاريخية
وإزاء ذلك ترى ريما فليحان أن الدول العربية تتحمل اليوم مسؤولية تاريخية في إعادة النظر في حساباتها، فالمشهد في السويداء يثبت أن الحل الوحيد المقبول لتحقيق السلام في سوريا هو التنفيذ الكامل للانتقال السياسي وتجنب التطبيع مع نظام الأسد.
ومن شأن هذا النهج أن يعالج بشكل كامل مشكلة اللاجئين والقضايا الأمنية من خلال مواجهة مصنعي وموزعي الكبتاجون والمهربين المرتبطين مباشرة بالنظام وحزب الله والميليشيات في سوريا.
وتؤكد ريما أن نظام الأسد، طالما ظل في السلطة، فلن يقطع تحالفه مع إيران، التي يُظهِر تاريخها وسلوكها أنها ستظل نظاماً مارقاً في المنطقة غير مهتم بأمن البلدان المجاورة أو السلام العالمي.
وتضيف أن تغيير النظام في سوريا يبدأ بتطبيق القرار 2254 وبدء العملية الانتقالية، كما طالب المتظاهرون، لتبدأ عملية إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد، ما يؤدي إلى الاستقرار في البلاد والمنطقة.
ومع وضع هذه النقاط في الاعتبار، يتعين على الحكومات العربية أن تتذكر أن دعم النظام السوري لن يجلب الاستقرار إلى المنطقة، بل ستستمر الأزمة وسيدفع الشعب السوري الثمن بدمائه وأرزاقه، بحسب الناشطة الحقوقية، التي أكدت أن المجتمع الدولي يتحمل أيضًا المسؤولية عن الوضع الحالي في سوريا.
فالمجتمع الدولي لم يعالج جرائم النظام السوري بجدية، ولم ينجح في فرض حل سياسي، ولم ينفذ قرارات الأمم المتحدة، حتى بعد استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية بشكل متكرر، وممارسته التعذيب المنهجي، والقتل خارج نطاق القضاء، والتهجير القسري، والاختفاء القسري، وقصف المدنيين والمستشفيات والمدارس والأسواق العامة.
كما لم يتم اتخاذ أي تدابير جدية لتنفيذ القرار 2254، وتم تخفيف الحل السياسي من خلال التركيز فقط على الدستور، وهو المسار الذي مات منذ ولادته، ولم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن جدول زمني له.
وإزاء ذلك، يدفع الشعب السوري ثمن القمع وسفك الدماء والتهجير، ويتم تجاهل السبب الجذري لمعاناته، وهو الحكم المستمر لنظام الأسد.
وتؤكد ريما أن السياسة الدولية التي أطلقت العنان لروسيا في سوريا هي المسؤولة عن جرأة موسكو المستمرة في سوريا والعالم، كما يتضح من تصرفاتها في أوكرانيا، مضيفة: “يبين التاريخ أن التغاضي عن مجرمي الحرب والسلوك المارق سيؤدي حتماً إلى استمرار جرائمهم، فضلاً عن اتساع نطاقها وتصاعدها”.
وتختتم الناشطة الحقوقية مقالها بالتأكيد على أن الرجال والنساء والأطفال الذي يتظاهرون في السويداء وجميع المحافظات السورية “يستحقون التحرر من نظام الأسد المستبد وتوفير الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، ويعبرون عن “صرخة شعب مضطهد خذله العالم وتخلى عنه وتجاهله منذ عام 2011″، وتمثل احتجاجاتهم “اختبار أخلاقي للعالم”.
المصدر | ريما فليحان/المجلس الأطلسي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد