منذ أن اعتمد بيان عمّان، مطلع مايو/ أيار الماضي، مبادرة الأردن للتقارب مع النظام السوري على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، وتضمينه خريطة طريق للتعامل مع عدة ملفات، في مقدمتها محاربة صناعة وتجارة المخدرات، المتهم بالتورط فيها وتصديرها من سورية إلى العديد من الدول، لا سيما عبر الأردن، لوحظت زيادة في عمليات التهريب، بل أخذت العمليات أشكالاً أخرى، لا سيما من خلال إرسال المخدرات إلى الطرف الآخر من الحدود، أي الأردن.
وبرزت تصريحات في هذا الإطار لرئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي، خلال زيارته عمّان في اليومين الماضيين، ولقائه مسؤولين أردنيين من بينهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
وفي معرض إجابته عن سؤال حول الدعم الذي تعرضه أو تقدمه الولايات المتحدة إلى الأردن لمواجهة التحديات على الحدود مثل تهريب المخدرات من سورية، قال ميلي، في لقاء مع قناة “المملكة” الأردنية، إنّ “تهريب المخدرات أمر جدي للغاية، خاصة إذا ما ارتبط بالإرهاب، لأنّ العديد من المنظمات الإرهابية مرتبطة بشكل أو بآخر بعصابات تهريب المخدرات، وهذا يثير مخاوف كبيرة”.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة مهتمة بالاستقرار والسلام في المنطقة من منطلق الأمن القومي الأميركي، مضيفاً أنّ بلاده “تقدم التدريب والاستشارات والمعدات العسكرية وأشياء من هذا القبيل للقوات المسلحة الأردنية”.
وكان تقرير لـ”معهد نيولاينز” للأبحاث، ومقره واشنطن، قد قدّر قيمة تجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط خلال عام 2021 بحوالي 5.7 مليارات دولار. وأشار التقرير إلى تورط رئيس النظام السوري بشار الأسد وأفراد من عائلته ونظامه بهذه التجارة إلى جانب شريكه الرئيسي “حزب الله” اللبناني. وهذا الرقم يشمل فقط قيمة تجارة التجزئة بالاستناد إلى قيمة المضبوطات التي حددها التقرير بـ420 مليون حبة من عقار الكبتاغون فقط.
وكان وزير الدفاع الأميركي سابقاً كريستوفر ميلر قد أدلى بتصريحات حول مسألة مكافحة الكبتاغون، خلال زيارته إلى شمال شرق سورية منتصف الشهر الجاري ، والتي أعلن عنها في وقت لاحق، إذ عبّر ميلر عن اعتقاده أنّ “الخطوة (الأميركية) القادمة هي محاربة إمبراطورية المخدرات، التي تقوم إيران باستخدامها ضد العراق وسورية”، مشيراً إلى أن “هناك فرصة للتحالف الدولي لتغيير اهتمامه من محاربة داعش، لأن هذا الأمر مهم لشعوب المنطقة، والتحالف الدولي والحكومات، لدعم محاربة المخدرات”.
وعلّقت الخارجية الأميركية على تصريحات ميلي وميلر بأنّ واشنطن “لا تزال تركز على مهمة مكافحة الإرهاب ضد داعش من خلال الحفاظ على القوات الأميركية في سورية لمنع عودته”، من خلال التحالف الدولي الذي تقوده.
وقال مسؤول في الخارجية الأميركية، فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ”العربي الجديد” لكونه غير مخول بالتصريح الرسمي، اليوم الأحد، إنّ حكومة بلاده “تشعر بالقلق إزاء الاتجار غير المشروع بالمخدرات الذي ينشأ من سورية”، مضيفاً: “نحن نعمل على مكافحة الاتجار من خلال جهود متعددة بما في ذلك أدوات وقدرات إنفاذ القانون التقليدية”.
وأكد المسؤول أنّ “لدى حكومة الولايات المتحدة العديد من السلطات لتحديد أولئك الذين يقودون أو يسهلون أو يتواطؤون في الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية”.
وتضمنت ميزانية الدفاع الأميركية لعام 2023، التي وقعها الرئيس الأميركي جو بايدن،أواخر 2022، قانوناً لمحاربة الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري، معتبراً ذلك “تهديداً أمنياً عابراً” للحدود.
هل الأردن بحاجة إلى تعاون عسكري أميركي؟
وتعقيباً على إمكانية الانخراط الأميركي بشكل مباشر، أعرب الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية العميد موسى القلاب عن اعتقاده أنّ “الولايات المتحدة غير منخرطة بشكل فعلي ومباشر في محاربة عمليات تهريب المخدرات من سورية إلى الأردن، لأنّ واشنطن لم تتخذ قرارات عسكرية وأمنية حاسمة في هذا السياق حتى الآن”.
وأضاف القلاب، في حديثه لـ”العربي الجديد” اليوم الأحد، “أعتقد أن التعاون الأردني – الأميركي قد يبقى بمستوى الوضع الراهن، وربما لن يتطور نحو خيارات أخرى، لا سيما على ضوء التلويح الأردني بالتدخل العسكري إذا لزم الأمر لوقف عمليات التهريب”.
وعزا ذلك لكون “واشنطن معتادة على إنشاء تحالفات دولية عسكرية ضد الأنظمة السياسية المتطرفة في المنطقة وليس عمليات ثنائية، أما السبب الثاني فهو أنّ الأردن ليس بحاجة إلى تعاون عسكري أميركي من أجل التدخل العسكري المباشر عبر الحدود السورية، فهو قادر وحده على شن هجمات عسكرية إجهاضية مؤثرة ضد قواعد المهربين بمختلف جنسياتهم وأدوارهم داخل الأراضي السورية”.
وحول إمكانية وقف عمّان العمل بالمبادرة التي قدمتها واعتمدت عربياً وتضمنت تفكيك تجارة المخدرات، وذلك لعدم ثبوت نجاعتها، أوضح القلاب: “يبدو أن المبادرة الأردنية سياسية الطابع والأهداف مع سورية، ولذا فإن الأردن على الأرجح لن يوقفها في المدى المنظور، أما تطور عمليات تهريب المخدرات والأسلحة بالمسيّرات فهو مشروع إيراني داخل سورية، ولا يرتبط فعلياً بالمبادرة السورية – الأردنية، إذ إنّ المبادرة ذات مسار منفصل تقريباً عن أشكال ووسائل عمليات التهريب التي نشطت في الآونة الأخيرة”، بحسب تقديره.
وكانت عمّان نفذت، في 8 مايو الماضي، ضربات جوية داخل الأراضي السورية باستهداف مصنعين للمخدرات والكبتاغون تحديداً، ما أدى إلى مقتل التاجر مرعي الرمثان، المرتبط بمليشيات إيران والمدان في الأردن بتهمة ترويج وتهريب المخدرات.
وقبل تلك الضربة، كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد هدد بقيام بلاده بعمل عسكري لإنهاء التهديد الذي تشكله تجارة الكبتاغون والمخدرات بالعموم على الأرض.
تدخل يحتاج للكثير من الترتيبات
ويتفق العميد أسعد الزعبي، القيادي السابق في المعارضة السورية، مع رأي العميد القلاب حول عدم التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة في مسألة مكافحة المخدرات، رغم وجود قانون أميركي يجيز للإدارة التدخل في هذا الشأن.
وقال الزعبي لـ”العربي الجديد”: “واشنطن لديها الإمكانيات والقدرات على التعامل مع ملف (كبتاغون الأسد) وإنهائه، من خلال استهداف مناطق التصنيع والزراعة وخطوط التهريب والإمداد لكنها لا تفعل، ومن يقوم بهذه المهمة هو الجيش الأردني ضمن الإمكانات المتوفرة لديه”.
وحول إمكانية تطوير جهود مشتركة أميركية – أردنية لإنهاء ملف مخدرات وكبتاغون الأسد، لا سيما أن الأردن لوح بالتدخل العسكري في هذا الشأن، قال الزعبي إن “التلويح شيء والتنفيذ شيء آخر، فعمّان نفذت ضربة داخل الأراضي السورية، لكن تلك الضربة لم تتعدّ مجرد رسالة للنظام بأنه عليه بنفسه إنهاء الملف وإلا فسيكون التدخل، لكن باعتقادي أن التدخل يحتاج للكثير من الترتيبات، غير الحاضرة في هذا الوقت”.
المصدر: العربي الجديد