في مقال نشرته “فورين أفيرز” في وقت سابق من هذا الشهر، قامت تاتيانا ستانوفايا، وهي زميلة بارزة في مركز كارنيغي روسيا أوراسيا، بتعداد الضغوطات المتزايدة على نظام فلاديمير بوتين، وبخاصة التمرد قصير الأمد الذي قاده يفغيني بريغوجين، رئيس شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة. وكتبت أن التمرد كان “نتاجاً لتقاعس بوتين عن العمل”، كما أن التساهل الذي مُنح لبريغوجين بعد ذلك جعل الرئيس الروسي يبدو “أقل نفوذاً”. يوم الأربعاء، ربما يكون بوتين قد حصل على الثأر بعد كل شيء: فقد أدرِج اسم بريغوجين ضمن قائمة ضحايا طائرة خاصة تحطمت خارج موسكو. أجرى المحرر التنفيذي ستيوارت ريد مقابلة مع ستانوفايا في اليوم نفسه.
بحسب المعلومات المتوافرة، ما هي احتمالات أن يكون الحادث مدبراً؟
لدينا أسباب وافية للاعتقاد بأن لدى بوتين مصلحة في حادثة تحطم كهذه. ولكن حتى لو كان الأمر مجرد حادث، فإن النخب الروسية وكبار المسؤولين سوف ينظرون إليه باعتباره عملاً انتقامياً. وسيكون الكرملين وبوتين شخصياً مهتمين بتأجيج مثل هذه الشكوك. لقد وصف بوتين بريغوجين بأنه “خائن” لذا فقد أصيب الكثير من المحافظين في الطبقة السياسية الروسية بالصدمة من مدى ليونة بوتين تجاهه بعد التمرد. كان بريغوجين يتنقل بحرية بين بيلاروس وروسيا. والتقى به بوتين في الكرملين. لقد سمح له أن يعيش حياته وكأن شيئاً لم يحدث. واليوم يستطيع الذين أصيبوا بالصدمة أن يقولوا: “الآن نرى منطق بوتين”. ولا يبدو بوتين ضعيفاً بل يبدو أنه يستعيد السيطرة.
حدثينا عن المصير الذي وعد به بوتين أولئك الذين يتحدونه
في عدة مناسبات في السنوات السابقة، قال بوتين إن الخونة يجب أن يموتوا. وقال إن موتهم يجب أن يكون قاسياً ويجب أن يعانون. لكن بريغوجين ليس خائناً كلاسيكياً. نعم، لقد قال بوتين بعد التمرد إن هذا هو الشخص الذي تجرأ على تحدي الدولة في وقت كانت تواجه فيه عدواناً خارجياً. لكن بوتين قال أيضاً إن الناس يفقدون عقولهم أثناء الحرب. كان نهجه تجاه بريغوجين أكثر ليونة قليلاً مما قد تكون عليه الحال بالنسبة لشخص خان وطنه عمداً.
لكن في النهاية، لم أكن أرى حقاً قيمة بريغوجين بالنسبة لبوتين بعد التمرد. اقترح البعض أن لدى بريغوجين معلومات عن بوتين يستطيع ابتزازه بها، ولهذا السبب لم يجرؤ بوتين على التخلص منه. لقد كنت متشككة في ذلك. وعليه، ما هو المعنى من إبقائه في الجوار؟ السبب الوحيد الذي يجعل بوتين يتسامح مع بريغوجين هو أنه كان يتمتع ببعض المزايا العسكرية في أوكرانيا وسوريا. ولكن هل كان ذلك كافياً حقاً ليغفر له؟ قبل ما حدث لبريغوجين، كنت على يقين من أن بوتين سيجد طريقة للتخلص منه. ربما ليس جسدياً: لم أكن متأكدة من أن بوتين سيكون موافقاً على ذلك. بل اعتقدت أن وزارة الخارجية أو الاستخبارات العسكرية الروسية أو جهاز الأمن الفيدرالي، أياً كان، سيجدون مع مرور الوقت طريقة لانتزاع كل ما كان لدى بريغوجين.
من المستفيد من إزاحة بريغوجين؟
كثير من الناس. بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون بريغوجين تهديداً للدولة، فإن وفاته تمثل العدالة. بالنسبة لهيئة الأركان العسكرية، وهيئة الأركان العامة، والقوات المسلحة، وأجهزة الأمن، والمحافظين، والصقور – لكل أولئك الذين اعتقدوا أن بريغوجين تخطى حدوده – فإن هذا ما كان ينبغي أن يحدث. لذا، لا أعتقد أن بوتين والكرملين سيبذلان الكثير من الجهود لإقناع عامة الناس بخلاف ذلك.
ما مصير مجموعة “فاغنر” الآن؟
على قنوات “تليغرام” الروسية، أشار بعض الأشخاص إلى أنه إذا لم يكن مقتل بريغوجين عرضياً فإنها خطوة محفوفة بالأخطار من قبل الدولة. وقد يثير ذلك استياء وغضباً ورد فعل سلبياً من أنصار بريغوجين. في رأيي، لن نرى أي رد فعل ملموس. أولئك الذين تعاطفوا مع بريغوجين قبل التمرد أصيبوا بخيبة أمل عندما قرر تحدي الدولة. هم يعتبرون أنه لا ينبغي للمرء أن يتحدى السلطات خلال مثل هذه الأوقات الصعبة.
ويمكننا أن نرى ذلك في استطلاعات الرأي: قبل التمرد، كان بريغوجين قد اكتسب الكثير من التعاطف ولكن بعد التمرد، انتهى هذا التأييد. لقد أدار العديد من الروس ظهورهم لبريغوجين لأنهم قرروا “يمكنك محاربة الفساد في وزارة الدفاع ويمكنك انتقاد الجيش على قناتك على تليغرام، لكن لا يمكنك الانتفاضة ضد الدولة”. لذلك لا أتوقع حقاً حدوث اضطرابات خطيرة ضد الكرملين أو أي شيء مؤيد لبريغوجين أو “فاغنر”. قد تكون هناك بعض الحوادث البسيطة ولكن لا شيء كبيراً.
هل سيعتبره أنصاره شهيداً؟
لا أعتقد ذلك. كان بريغوجين رجلاً غاضباً ولم يكن من السهل التعامل معه. لا أعتقد أن لديه معجبين سيتبعون خطاه ويحاولون مواصلة أنشطته. وحتى أولئك الذين آمنوا ببريغوجين سوف يعتبرون ما حدث له بمثابة تحذير لكل من يحاول تكرار ما فعله. سوف يشعر الناس بالخوف، وبخاصة أولئك الذين بقوا إلى جانب بريغوجين حتى الآن. تخيل هذا: عليهم أن يعتقدوا أنهم أهداف تالية.
ماذا يعني مقتل بريغوجين بالنسبة لقوات “فاغنر” التي كانت موجودة في أوكرانيا؟
تستقر قوات “فاغنر” الآن في بيلاروس ويمكنها مواصلة بعض الأنشطة في أفريقيا وسوريا. لكن أبواب أوكرانيا مغلقة. وكان بعض القادة في “فاغنر” يأملون في أن يتصل بهم بوتين في غضون شهرين ويقول لهم: “آسف، لقد كنت مخطئاً بشأنكم. نحن بحاجة إليكم. ارجعوا من فضلكم”.
ما الذي ينتظرنا في الأيام المقبلة بعد جلاء الأمور؟
لمعرفة ذلك علينا متابعة التلفزيون الروسي وكيفية تغطيته للأحداث. إن اللهجة التي يستخدمونها في الحديث عن بريغوجين وإرثه سوف تشير إلى الطرق التي يحاول الكرملين من خلالها تشكيل الرأي العام. أي جزء من تاريخه سيبقى في السردية وأي جزء ستُعاد كتابته في ما يتعلق بالدور الذي لعبه “فاغنر” وبريغوجين في الحرب؟ وعلينا أيضاً أن نراقب كيفية تطور التحقيق الرسمي، سواء كان يحاول تقديم نسخة مقبولة من الأحداث أو التقليل من أهمية ما حدث.
وتُوجب متابعة رد فعل المعسكر الوطني المحافظ على ما حدث على قنوات “تليغرام”. من ينتقد وزارة الدفاع: كيف سيكون رد فعلهم؟ هل سنرى مستوى من السخط العاطفي بشأن ما حدث؟ هل سيغضبون من بوتين؟ هل سيشعرون بالضياع؟ سيكون من المثير للاهتمام معرفة المشاعر التي لديهم وكيف يتعامل الكرملين معهم. يمكننا أيضاً متابعة منشورات المواطنين الروس العاديين، سواء كانوا يعتبرون ما حدث حدثاً مهماً ومدى ارتباطهم به. وبالطبع، سيتعين علينا أن نراقب عن كثب ما يحدث لـ”فاغنر” في بيلاروس.
المصدر: اندبندنت عربية