وكأن النظام يقول لحاضنته الموالية: “روحوا بلطوا البحر”. لذا، فالانفجار قد يحصل بصورة غير متوقعة جراء حادثة ناجمة عن التدهور المعيشي والخدمي، الذي سيتفاقم بصورة دراماتيكية، في الفترة القادمة. هذه خلاصة دردشة خاضها كاتب هذه السطور مع أحد أبناء الحاضنة الموالية للنظام في الساحل السوري.
وفيما يتلقف المتابعون، باهتمام بالغ، بيانات حركتَي “10 آب” و”الضباط العلويين الأحرار”، يقلل الصديق إياه من احتمالات وجود حراك فاعل مخطط له، في الساحل السوري. لكنه لا ينفي أن الوضع هناك، أشبه ببرميل بارود، ينتظر الشرارة لكي ينفجر. ويبقى الخلاف حول طبيعة هذه الشرارة، التي يَستبعد أن تكون مُرتبة مسبقاً، وحول موعد الانفجار، الذي يرتبط بخروج الأمور عن السيطرة، بصورة شبيهة بتلك التي حدثت في درعا، عشية ثورة العام 2011.
لا يملك الصديق الذي تحدثتُ إليه، مصادر أمنية وثيقة الإطلاع، أو قنوات توصله إلى معلومات غير متاحة للجمهور. لكنه يتحدث من وحي فهمه لسيكولوجية الطائفة العلوية، بوصفه أحد أبنائها، الذين خبروا تاريخها خلال العقود الأخيرة، وأثره على استجابتها الجمعية للتحديات التي تواجهها.
يقرّ هذا الصديق بمشاعر المرارة المتفاقمة في أوساط العلويين، جراء إظهار النظام حالة لامبالاة حيال معاناتهم المعيشية المتفاقمة. ويقول ببساطة، إن النظام غير مهتم بردود أفعالهم. وهي قراءة تنسجم مع الارتياح الذي بدا فيه النظام، خلال الأيام القليلة الفائتة، بعيد استنفارٍ دام أقل من أسبوع، لتهدئة المتذمرين في الساحل. ارتياح النظام تجلى في تركه لليرة، كي تهوي إلى قاعٍ جديدٍ غير مسبوق، بالتزامن مع إطلالة بشار الأسد الإعلامية الأخيرة عبر “سكاي نيوز عربية”، والتي كانت محبطة للغاية، لعموم السوريين.
وينسجم حديث هذا الصديق، مع بيان حركة “10 آب” الأخير، الذي دعا إلى ثورة شعبية سلمية، بعد تجاهل النظام لمطالبها الصادرة في بيانٍ سابق، والتي لم تتجاوز سقف تحديد تواريخ ومواعيد لتحسين أحوال السوريين، فكان الرد، إعلان النظام عن نيته رفع الدعم عن المحروقات، ورفع أسعار الخبز.
وعلى الأرجح، فإن تجاهل النظام لمعاناة حاضنته الموالية يتأتى من معطيات أمنيّة تمنحه شعوراً بالسيطرة الكاملة على المشهد. خاصةً وأن النظام هو الخبير الأبرز في سيكولوجية المقرّبين منه. وهو ما أشار إليه الصديق إياه، حينما تطرقنا في حديثنا إلى انقلاب الناشط “العلوي”، بشار برهوم، على مواقفه السابقة الناقدة للنظام، خلال أيام، ليخرج بتسجيلٍ مناقضٍ لما سبق، ويتحدث عن أن بشار الأسد رمز لا يجوز النيل منه، وأن هناك بوادر حرب في “شرق الفرات”، يجب التفرّغ لها، رافعاً شعار “لا صوت يعلو على صوت الحرب”.
بشار برهوم، رغم تناقضاته، ورغم الاحتمال العالي لكونه خاضعاً لتوجيهات أو لضغوط مخابراتية، إلا أنه يبقى، وفق وصف الصديق إياه، تعبيراً عن تناقضات الشخصية “العلوية”. فهي غاضبة من النظام بشدة، لكنها تخشى التغيير، ربما، بشدة أكبر. لذا فإن الأصوات المرتفعة التي باتت تصدر تباعاً من الساحل، أشبه باستجداء “جريء” للنظام، كي ينظر في أمر تلك الحاضنة الموالية، التي من الصعب أن تنتظم في حراكٍ منظّمٍ ومعدٍّ له، ضده.
إلا أن لامبالاة النظام، ذاتها التي أبداها الأسد قبيل ثورة العام 2011 -حينما اعتبر سوريا مختلفة عن تونس ومصر، بعيد اندلاع الثورات فيها-، تفعل فعلها في حاضنته الموالية، اليوم. ففيما تعتزم حكومته رفع الدعم عن المحروقات وعن جانب من تكلفة الخبز، يتوقع متخصصون أن ترتفع تكاليف الحد الأدنى لمعيشة الأسرة 50%. وفيما نكتب هذه السطور، يشكّل متوسط دخل السوريّ، عُشر الحد الأدنى لمعيشة أسرة من خمسة أفراد. وهي نسبة مرشحة لأن تصبح 7.5% فقط. وفي الوقت الذي يحذّر فيه الاقتصاديون السوريون المقيمون في مناطق سيطرة النظام، من كارثة تضخمية في طريقها للاندلاع، يواصل المصرف المركزي التصرف وكأن كل شيء طبيعي، ويفرج عن المزيد من السيولة من العملة السورية، عبر رفع سقف السحوبات اليومية من البنوك، بصورة من المرتقب أن تنعكس انخفاضاً أكبر في قيمة الليرة، وزيادة في الطلب على الدولار لحفظ القيمة.
لذا يتوقع الصديق إياه، أن انفجار الساحل سيكون أشبه بحادثة درعا، حينما تعاملت مخابرات النظام بعنجيهة مُهينة للوجهاء، على خلفية حادثة اعتقال الأطفال الذين كتبوا عبارات مناوئة. هذا الشبه، ليس من زاوية السبب. ففي حادثة درعا، كانت إهانة الكرامة، السبب المباشر للانفجار. أما هذه المرة، فإن الجوع والبرد، قد يكون السبب المباشر. فالتشابه سيكون فقط من زاوية خروج الأمور عن السيطرة، بصورة غير متوقعة، لا من جانب الحاضنة الموالية ذاتها، ولا من جانب النظام وأجهزته الأمنية. واقترح الصديق، شرارات محتملة لهذا الانفجار، الذي يبدو وكأنه بات حتمياً. كأن يموت أشخاص من البرد في شتاء العام القادم، في جبال الساحل، جراء العجز عن توفير تكاليف التدفئة، بفعل الفقر. أو أن يؤدي تزاحم في أحد طوابير محطات، إلى وقوع قتلى، وتسلسل حوادث متتالية من الانفلات الأمني.
توقعات الصديق إياه، ليست رهاناً. فهي قاتمة، وتنذر بفوضى جديدة لن ترحم أحداً. لكنها تستند إلى معطيات واقعٍ ما عاد يُطاق بأي شكل من الأشكال، فيما النظام منفصل عنه، بصورة تجعله عاجزاً عن قراءة مقدمات الانفجار، حين وقوعها.
المصدر: المدن