لم يكن حج أهل (المؤتمر القومي العربي) إلى دمشق، من بوابة بشار الأسد، خارج التوقعات، ولا هو قد غرد خارج السرب، بل لعل المقدمات كانت ستؤدي إلى تلك النتائج التي حصلت. فمن سمح لشخوص من داخل النظام السوري ليكونوا أعضاء في هذا المؤتمر القومي الشعبي العربي المفترض، ومنذ دورته الثامنة سوف تكون المآلات ما شاهدناه جميعًا عبر استقبال (بهيج) وابتسامات فاقعة متبادلة بين رأس النظام السوري بشار الأسد، ورئيس ما يسمى (المؤتمر القومي العربي) والمرشح الرئاسي المصري السابق حمدين صباحي.
عندما يتحول مؤتمر كبير بحجم (المؤتمر القومي العربي) إلى أن يكون مجرد أداة من أدوات نظم الاستبداد الأشد قسوة ووحشية وانتهازية وفاشيستية، كنظام بشار الأسد، ثم ليكون هذا القومي العربي الذي ينتمي إليه من ينام في حضن المشروع الفارسي، الذي لم يكن همه يومًا سوى استهداف العرب والعروبة والإقليم المجاور، فكانت دولة إيران ومن ثم دولة الملالي في طهران الدولة التي لا سياسة لها ولا استراتيجيات ضمن مساراتها، إلا (تصدير الثورة) كما قال آية الله الخميني لتحقيق حلم الدولة الفارسية الطائفية، في السيطرة والهيمنة على المنطقة برمتها، وإعادة إحياء إمبراطورية (كسرى أنو شروان) فتكون الدولة الإيرانية محتلة لدولة الأحواز العربية، ومقتطعة ثلاث جزر من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومتغلغلة في سيرورة الدولة العراقية، التي أقيمت بعد سقوط بغداد عام ٢٠٠٣ وعلى أنقاض العراق الكبير، لتصبح مجرد ألعوبة بيد الغرب، والإيرانيين على حد سواء، إضافة لذلك تتغلغل إيران اليوم في كينونة الواقع السوري، وتسهم مع روسيا في إعادة قيامة دولة بشار الأسد الاستبدادية، ولتتم إهالة التراب على ما ينوف من مليون شهيد سوري، ومثلهم من المعتقلين والمغيبين قسرًا، وتهديم ما يزيد عن ٦٥ بالمئة من البنية التحتية السورية. ثم دعم ميليشيات الحوثيين في اليمن لتسيطر على باب المندب المعبر الدولي الحيوي، ثم تستنزف كل دول الخليج العربي، وتدخل الواقع اللبناني ضمن ارتدادات لبنان العربي ليكون الملعب الرئيسي الذي تمارس فيه إيران كل موبقاتها وأطماعها التوسعية في المنطقة العربية على مسمع ومرأى الأميركان والغرب عامة.
بالتوازي مع كل ذلك، كيف يمكن أن يأنس ويطمئن ممن يدَّعون العروبة والقومية العربية، إلى عدو كبير بأطماعه تلك، ومشروع فارسي خطير أصبح ينافس في خطورته وامتداداته المشروع الصهيوني في المنطقة، ليس على فلسطين فحسب، بل المنطقة في مجملها. كيف يمكن لحمدين صباحي (العروبي الناصري) كما يقول أن ينتمي إلى مشروع فارسي إيراني هذه بعض مستويات خطورته في المنطقة وما حولها؟ وهل نسي (حمدين صباحي) أن (جمال عبد الناصر) كان قد رفض التدخل العسكري في سوريا من أجل إعادة دولة الوحدة بعد الانفصال في 28 أيلول/ سبتمبر 1961، من منطلق قيمي أخلاقي أنه لا يقبل أبدًا أن تراق دماء الشعب السوري، حتى لو كان ذلك من أجل هدف كبير وأساسي في تلك المرحلة الزمنية هو هدف الوحدة العربية. بينما يزحف السيد حمدين صباحي اليوم مع ثلة منتقاة من أعضاء المؤتمر القومي العربي، وهم يدوسون على دماء وجثث السوريين الذين قام بقتلهم بشار الأسد وميليشياته وداعموه من مثل إيران والحشد الشعبي العراقي، وحزب الله اللبناني الذي يتحالف معه في المؤتمر القومي العربي، تحت ذريعة خطاب خشبي ما زالوا يلهجون به، ويكذبون عبره على الناس في الوطن العربي بكليته، هو (المقاومة والممانعة) التي لم يدرك حمدين صباحي بعد أن هذه المقاومة والممانعة حسب حسن نصر الله تمر أولًا من القصير وحلب وحمص وإدلب فوق جثث أطفال سوريا ونسائها وشيوخها وشرفائها.
ليس المؤتمر القومي العربي الذي يؤيد اليوم المجرم بشار الأسد إلا ألعوبة بيد إيران وحزب الله الأكثر عداء للعروبة والعرب والقومية العربية، بل وكل منتجات الدولة الوطنية في سوريا والعراق واليمن ولبنان. ولا يمكن اليوم القبول أو الصمت على كل ترهات الذين يتهافتون ذرافًا ووحدانًا نحو دمشق المحتلة من آل الأسد ومن إيران/ الملالي وروسيا / بوتين. وليس ناصريًا مطلقًا من يدَّعي العروبة والعمل العربي، ويعتقد أن قاتل أطفال سوريا وكل شعبها، يمكن التوافق معه أو احتضانه تحت ذريعة وحدة الأمة العربية أو وحدة الصف العربي. حيث لا يمكن أن يكون ضمن الصف العربي من يقتل ويعتقل خيرة أبناء سوريا، ولا أعتقد أن (حمدين صباحي) قد غاب عن مخياله ما فعله بشار الأسد بشعب (الإقليم الشمالي) الذي يتغنى به، وما ارتكب من جرائم ضد السوريين كاستخدام الكيماوي ضد المدنيين في سوريا، وما زج في سجونه من شباب وكهول ونساء هم خيرة أبناء سوريا، ومنهم بالضرورة من كانوا يومًا إخوة وأصدقاء وحلفاء (لحمدين صباحي وتياره العروبي)، من العروبيين السوريين أمثال رجاء الناصر وصبحي خبية وسامر الأحمر وصبحي قزموز ومحمد معتوق والكثير الكثير من الوطنيين السوريين والعروبيين في سوريا الذين أخفاهم النظام الأسدي قسرًا، ولا أحد يعلم أي شيء عن مصيرهم إلى الآن.
العروبة والقومية العربية ليست مصالح ومنافع ومكاسب، بل هي انتماء للوطن والأمة وقيم عليا يحملها من أمسك بها، وهي ثقافة وحضارة وإنسانية، لا يمكن المتاجرة بها، ولا القبول بفتات طواغيت الاستبداد، أو التحالف مع مشاريع فارسية مناقضة للعرب والعروبة والمشروع القومي العربي النهضوي، وتستهدف الأمة كل الأمة.
كان عارًا وخزيًا الجلوس إلى ملك الكبتاغون في سوريا والمنطقة، وبعد اليوم لن يقبل أحد ممن يعتنق العروبة الديمقراطية وينتمي إليها، أن يكون هؤلاء الذين داسوا على دماء السوريين ومسحوا كل تصريحاتهم السابقة في عام ٢٠١٢، عندما قالوا بأن هناك إجرامًا في سوريا يمارسه بشار الأسد ضد شعبه. ويبدو أنه لن يكون بالإمكان بعد هذه الارتماءات بأحضان الظلم القبول بأية شعارات خلبية وخشبية منافية لحقوق الشعوب ومخالفة للقيم الإنسانية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا